سوريا تترقب مكاسب عودتها إلى النظام المالي العالمي

اعتبر خبراء أن إزالة العقوبات الغربية قد تعطي دفعة لسوريا للعودة إلى التعامل مع النظام المالي العالمي، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المتعطش للنمو، كما أنها خطوة توفر فرصا أكبر للتعاون الثنائي مع دول العالم في العديد من المجالات.
دمشق - يشكل شطب العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا نقطة تحول في مسار اقتصادها المنهك ويمهد لعودتها إلى النظام المالي العالمي، بينما يحاول المسؤولون ضمن مساعيهم المضنية إعطاء بارقة أمل للناس بعد تراكم الأزمات على مدار عقود.
وفي مؤسسة مالية يديرها في وسط دمشق، يستبشر أنس الشماع بأن تسهّل إزالة العقوبات الغربية عمليات تحويل الأموال من وإلى سوريا، بعدما عزلت سنوات الحرب الطويلة اقتصاد البلاد ونظامها المصرفي عن العالم.
ويقول الشماع (45 عاما) لوكالة فرانس برس “نأمل أن يبدأ الاقتصاد السوري تعافيه بشكل تدريجي وسريع، وأن يُعاد ربط المصرف المركزي مع البنوك العالمية وتُسهَّل الحركة التجارية.”
ويتمنى أن “يتمكن التجار من تحويل الأموال بشكل مباشر إلى الخارج من دون مشاكل، والمغتربون من إرسال الحوالات إلى عائلاتهم.”
وكان هذا الأمر مستحيلا خلال السنوات الماضية بسبب القيود، ما زاد من معاناة المواطنين الذين كانوا يعيشون في ظل نزاع دام ويحتاجون إلى مساعدات أقاربهم في الخارج.
ومع إعلان الولايات المتحدة ثم الاتحاد الأوروبي رفع عقوبات مفروضة منذ سنوات، يأمل سوريون أن تدور عجلة التعافي، في مسار يقول خبراء إنه يحتاج إلى وقت طويل ولا تكفي تلك الخطوة لوحدها لدفعه قدما في ظل غياب بيئة مشجعة تجذب المستثمرين.
ويطال رفع العقوبات الأوروبية الأخير تحديدا النظام المصرفي السوري الذي كان مستبعدا من الأسواق الدولية، بعدما تم تجميد أصول المصرف المركزي وحظر التعامل معه.
واستنزف النزاع المدمر الذي اندلع قبل 14 عاما، اقتصاد البلاد ومقدراتها، وباتت عملية تحويل الأموال بطريقة رسمية إلى الخارج مهمة مستحيلة على وقع عقوبات غربية تطال كل من يتعامل مع مؤسسات وكيانات مالية سورية.
وفرض جزء كبير من هذه العقوبات، ردّا على قمع السلطات السورية بقيادة بشار الأسد الحركة الاحتجاجية التي بدأت سلمية في العام 2011 ضد نظام الحكم، قبل أن تتحوّل الى نزاع مسلّح دام.
ويروي الشماع الذي يدير شركة صرافة وتحويل أموال منذ العام 2008، كيف جعلت سنوات الحرب والعقوبات الغربية الاقتصاد أشبه بـ”جثة هامدة.”
ويوضح “ساء الوضع على مستوى المعاملات المصرفية وانفصلنا عن العالم كليا وأصبحنا في انعزال تام،” مما أسفر عن توقّف استقبال الحوالات من الخارج وعجز التجار عن دفع مستحقات سلع ومنتجات مستوردة.
ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، تحسّنت قيمة الليرة في السوق السوداء، ليسجّل سعر الدولار 8500 ليرة بعدما لامس عتبة 13 ألفا، في تحسّن يعتبره خبراء “مؤقتا” وناجما عن الأثر النفسي لرفع العقوبات.
ويحدو خريج كلية الاقتصاد محمّد الحلبي (25 عاما) أمل في أن يضع رفع العقوبات حدا لتحويل الأموال عبر السوق السوداء، للحؤول دون اجتزاء نحو ثلاثين في المئة من قيمة المبلغ المحوّل.
إعادة ربط مصرف سوريا المركزي بالبنوك الخارجية سوف تسهل تدفق تحويلات المغتربين وتعزز الحركة التجارية
ويقول لفرانس برس “مع رفع العقوبات الآن.. ستحتاج عملية التحويل إلى نقرة زر” على ما هو الحال عليه في أنحاء العالم.
وعرقلت الحرب والعقوبات كذلك تأهيل مرافق وبنى تحتية خدمية، وجعلت التعاملات مع القطاع المصرفي السوري مستحيلة.
وأبقى الاتحاد الأوروبي على إجراءات تستهدف شخصيات كانت ذات نفوذ في عهد نظام بشار الأسد، وتحظر بيع أسلحة أو معدات يمكن استخدامها لقمع المدنيين.
وتعوّل السلطات السورية الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار في البلاد التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.
وأثنت دمشق بعيد رفع العقوبات الأوروبية على الخطوة “التاريخية”. ورحّب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع “بالشركات الأوروبية الراغبة بالاستثمار في سوريا،” معتبرا أن بلاده تشكل اليوم “فرصة استثمارية واعدة وممرا اقتصاديا مهما بين الشرق والغرب.”
ورغم التفاؤل برفع العقوبات، إلا أن آثارها المباشرة قد تكون محدودة في الوقت الراهن، بحسب محللين.
ويقول الباحث الاقتصادي بنجامين فاف لوكالة فرانس برس “مع رفع العقوبات عن سوريا بشكل عام، نتوقع وتيرة متزايدة في إعادة إعمار البنية التحتية، كالطرق والمستشفيات والمدارس.”
ورجح أن “تُسرّع دول مثل السعودية وقطر وتركيا التي تربطها علاقات بالحكومة الجديدة، وتيرة التجارة والاستثمار، خصوصا في مجال إعادة الإعمار.”
لكن قطاعات أخرى أبرزها الطاقة والقطاع المصرفي تتطلّب “استثمارات كبرى ووقتا أطول بكثير لتتحقق فعليا” في “عملية قد تستغرق بضعة أشهر أخرى،” وفق فاف الذي يعمل في مؤسسة كرم شعار للاستشارات.
وتتطلب إعادة ربط النظام المصرفي السوري بالقطاع المصرفي العالمي اتخاذ تدابير على مستويات عدة.
21
بنكا تعمل بالبلاد، منها 6 بنوك عامة، أبرزها المصرف التجاري، و15 بنكًا خاصا
ويشرح فاف قائلا “قبل أن تُجدد البنوك الأوروبية، مثلا، علاقاتها أو علاقات المراسلة المصرفية مع البنوك السورية، سيتعين عليها تقييم معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو أمر “سيستغرق وقتا” نظرا لتأخرها الكبير في هذا المجال.
وتنشط في سوريا حوالي 21 بنكًا، منها 6 بنوك عامة، أبرزها المصرف التجاري السوري، إلى جانب 15 بنكًا خاصا.
ولا يكفي شطب العقوبات وحده لدفع عجلة الاقتصاد، إذ يتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار وشفافية في توقيع عقود استثمارية ضخمة.
ولم تصدر السلطات الجديدة أي قوانين استثمار جديدة، كما لم تعلن أي إصلاحات اقتصادية، بعد عقود نخر فيها الفساد المؤسسات، وساهم في تدهور بيئة الأعمال.
ويروي رجل أعمال سوري يعمل بين دبي ودمشق، لفرانس برس من دون الكشف عن اسمه، إنه منذ إطاحة الأسد من الحكم يرغب بتوسيع استثماراته في سوريا.
ويقول إنه طرق منذ وصوله أبوابا عدة، من دون أن يوفق في معرفة الإجراءات التي يتعين اتباعها والقوانين والأنظمة التي يجب الاحتكام إليها.
وداخل متجره لبيع الإلكترونيات في دمشق، لا يتوقع زهير فوال (36 سنة) أن ينعكس رفع العقوبات مباشرة على حياته اليومية. ويقول إن جلّ ما يتمناه حاليا هو أن تعمل “تطبيقات على غرار نتفليكس وتيك توك” المحظورة عن سوريا.