المسرح اللبناني يستعيد قصص الحرب ومعاناة العاملات الأجنبيات

المسارح اللبنانية تزخر بعروض كان بعضها قد أرجئ بسبب الحرب وأُنتجت بجهد ذاتي من ممثلين ومخرجين وفرق مسرحية.
الجمعة 2025/05/23
العاملات الأجنبيات في مرمى نيران الحرب

بيروت - ألقت الحرب بين إسرائيل وحزب الله بثقلها على مناحي الحياة في لبنان، وهو ما استفز مسرحيين لنقل الواقع إلى الخشبة محاولين تسليط الضوء على المشكلات الحياتية بطريقة فنية، تسرد للجمهور داخل لبنان وخارجه ما يمكن أن تفعله الحرب في البشر.

بالتمثيل والرقص تروي نساء على خشبة مسرح في بيروت معاناة عاملات أجنبيات علقن في لبنان خلال الحرب المدمّرة التي استمرّت أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله. فخلال المواجهة الدامية التي اضطرت مئات الآلاف إلى النزوح وحصدت آلاف القتلى ودمّرت مناطق كاملة، استوقف مصير العاملات الأجنبيات مصمّم الرقص والمخرج علي شحرور، فحوّل قصصهن إلى عرض مسرحي بدأ يعرض في مطلع مايو الحالي.

وبعد عرضه في بيروت سيجول عرض “عندما رأيت البحر” مدنا في أوروبا مثل برلين ومارسيليا وهانوفر وسيعرض خلال مهرجان أفينيون للمسرح في فرنسا. ويقول شحرور (35 عاما) الذي يعمل في المسرح منذ 15 عاما “وُلد هذا المشروع في الحرب، كنّا نتمرّن ونجري لقاءات وأبحاثا خلال الحرب.” ويضيف “أنا لا أعرف كيف أقاتل أو أحمل سلاحا، أعرف فقط كيف أصنع الرقص، هذه هي الأداة الوحيدة التي أعرف كيف أقاوم بها.”

في “عندما رأيت البحر” تروي ثلاث نساء، إحداهنّ لبنانية لأمّ إثيوبية، وأخريان إثيوبيتان، قصصهنّ التي تعكس معاناة العاملات الأجنبيات في بلد ترفع فيه منظمات حقوقية باستمرار الصوت للتنديد بانتهاكات عدة تطال هذه الفئة. وتستخدم النساء الكلمات والرقص والموسيقى وأغاني فولكلورية إثيوبية، لنقل المعاناة بسبب الهجرة وسوء المعاملة والحرب، والهدف تكريم نساء مهاجرات شرّدن خلال الحرب أو فارقن الحياة.

وأثناء الحرب الأخيرة لجأت مئات العاملات المهاجرات إلى ملاجئ استحدثتها جمعيات أهلية بعدما تخلت عنهن العائلات التي كنّ يعملن لديها حين تركت بيوتها هربا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان وشرقه وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما بقيت أخريات دون مأوى، فافترشن طرق بيروت من وسطها حتى البحر، هربا من الموت. وكان الآلاف من اللبنانيين قد باتوا ليالي طويلة في الشوارع أيضا.

بالتمثيل والرقص تروي نساء على خشبة مسرح في بيروت معاناة عاملات أجنبيات علقن في لبنان خلال الحرب المدمّرة التي استمرّت أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله
◙ بالتمثيل والرقص تروي نساء على خشبة مسرح في بيروت معاناة عاملات أجنبيات علقن في لبنان خلال الحرب المدمّرة التي استمرّت أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله

ويقول شحرور “كان ثمة إصرار” على إنجاز العرض، على الرغم من الرعب والحرب وصوت القصف المتواصل، مضيفا “لقائي مع هؤلاء السيدات مدّني بالقوة والطاقة لنستمر.” ويكمل الشاب “المسرح أداة مقاومة، لنوصل الصوت ونبقي القصص حيّة، قصص الذين غادروا ولم ينالوا العدالة التي يستحقونها.”

ويستكمل العرض الجديد مشاريع شحرور السابقة لاسيما على مستوى المواضيع، حيث اعتاد العمل على ثيمة الموت كما في ثلاثيته “فاطمة” (2014) و”موت ليلى” (2016) و”عساه يحيا ويشمّ العبق” (2017)، أو حتى على مستوى التعاون الفني الذي تحضر فيه الفنانة السورية حلا عمران، التي أعدت نصوص العرض الحالي. كذلك هيمنت الحرب على عمل مسرحي للمخرجة والممثلة فاطمة بزي (32 عاما)، كانت قد استهلت العمل عليه قبل الحرب.

وعلى الرغم من أنها أرغمت على مغادرة منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى العراق تحت وطأة القصف خلال أشهر الحرب، إلا أن بزي أصرت بعد عودتها إلى لبنان، إثر بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، على إنجاز عملها “ضيقة عليي” الذي عرض على مسرح زقاق في بيروت في مايو الجاري.

في الأصل تروي المسرحية قصة امرأة وعلاقتها مع زوجها الذكوري. لكن الحرب تفرض نفسها على العمل، لتتحوّل إلى جزء من القصة. وفي لحظة يبدو الممثلون الثلاثة كأنهم يؤدون مشهدا يقطعه فجأة صوت القصف. يعود الممثلون إلى الواقع، يهرعون إلى هواتفهم ليعرفوا أين وقعت الغارة هذه المرة.

وتقول بزي من مسرح زقاق خلال تدريبات على العمل “حاولنا التواصل عبر الفيديو، لكي نتحدث عن المسرحية عندما توقفنا لفترة طويلة،” وكانت بزّي في العراق. وتضيف “استغلينا هذا الأمر في العرض، أي فكرة الانفصال والتباعد.” وسط ضغوط الحرب تقول بزي إن العمل أتاح “لنا أن نقول الأشياء التي كنا نشعر بها والتي مررنا بها، كان بمثابة مهرب وعلاج.”

وتزخر المسارح اللبنانية في الفترة الأخيرة بعروض عديدة كان بعضها أرجئ بسبب الحرب، وأُنتجت بجهد ذاتي من ممثلين ومخرجين وفرق مسرحية أو بتمويل ودعم من مؤسسات أجنبية. وفاقمت الحرب العراقيل أمام الإنتاج المسرحي في لبنان، في ظل غياب دعم رسمي بينما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية متمادية منذ عام 2019.

ويقول عمر أبي عازار (41 عاما)، مؤسس فرقة زقاق التي فتحت أبواب مسرحها لعرض بزي، “أجلنا مهرجانا بأكمله نهاية العام الماضي بسبب الحرب. كان يُفترض أن تُعرض خلاله أكثر من 40 مسرحية من لبنان والخارج،” ومن ضمنها عرض فاطمة بزي و”الآن بدأنا نعود” تباعا. وكان أبي عازار أخرج عرضا خاصا به مع فرقته بعنوان “ستوب كولينغ بيروت” (Stop Calling Beirut) كان من المقرر أن يعرض أيضا نهاية العام الماضي لكن أرجئ إلى مايو.

ويروي العمل قصّة فقدان أبي عازار شقيقه قبل أكثر من عقد من الزمن، ويعود من خلاله بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة في الحرب الأهلية في بيروت (1975 – 1990). وولدت فرقة زقاق في حرب أخرى عاشها لبنان، هي حرب يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل. ويقول أبي عازار “نحن أولاد الحرب، ولدنا وتربينا وكبرنا في قلب هذه الأزمات، وهذا ليس تحديا بل هو واقعنا، وهذا الواقع لو أراد أن يشدّنا للأسفل، لكان شدّنا وطمرنا وقتلنا منذ زمن بعيد.”

14