الجزائر تستنجد بالحرس القديم لتدارك التراجع في أداء المخابرات خارجيا

الجزائر- تداولت معلومات متطابقة في الجزائر تغييرا لافتا وصف بـ”المفاجئ”، يتعلق بتعيين الجنرال المتقاعد عبدالقادر آيت أوعرابي (حسان)، على رأس جهاز الأمن الداخلي، خلفا للجنرال عبدالقادر حداد (ناصر الجن)، في مسعى لتدارك تراجع المخابرات في إدارة الدور الجزائري في ملف دول الساحل وخاصة في مالي، وكذلك نزع فتيل توتر العلاقة مع فرنسا.
كما أعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان مقتضب في صفحتها على فيسبوك تعيين الأكاديمي زهير بوعمامة مستشارا للشؤون السياسية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
وأعادت المعلومات المتدفقة حول عودة الجنرال حسان، خلفا لناصر الجن، على رأس جهاز المخابرات الداخلية، سيناريو التغيير الذي طرأ منذ أسابيع على رأس جهاز الدرك الوطني الواقع تحت وصاية الدفاع، حيث تمت تنحية الجنرال يحيى علي أولحاج، واستخلف بالجنرال سيد أحمد برومانة، وتم تداول المسألة على نطاق واسع، خاصة في بعض الصفحات المملوكة لمؤثرين وإعلاميين، قبل أن يتم تأكيد الأمر بعد أسبوع من ذلك من طرف وزارة الدفاع، من خلال بث جلسة تسليم واستلام المهام بين الرجلين، تحت إشراف الوزير المنتدب للدفاع الوطني وقائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة.
وإذا كان الأمر على سلاسة بالنسبة إلى المستشار السياسي الجديد زهير بوعمامة، خريج وأستاذ الجامعة الجزائرية، لخلافة العقيد المتقاعد من جهاز الاستخبارات السابق شفيق مصباح، فإن التغيير الذي طال هرم الاستخبارات الداخلية، ينطوي على العديد من الدلالات الأمنية والإستراتيجية المستجدة داخليا وإقليميا.
وفيما يبدو أن الرئيس عبدالمجيد تبون قد استعان بخبرة تكنوقراطية لإدارة الملف، خلفا للعقيد المعروف بـ”قلم الجنرال توفيق”، قياسا بملكة الكتابة والإسهامات المعروف بها في بعض المنابر الإعلامية، والتي كانت تعبر عن رؤية ووجهة نظر القائد السابق للجهاز المذكور الجنرال محمد مدين (توفيق)، فإن إعادة الجنرال عبدالقادر آيت أوعرابي إلى الواجهة تؤشر إلى نية في تعديل أوتار بعض الخيارات المتصلة بالأزمة مع فرنسا ومع دول الساحل.
ويحسب العائد الجديد من أرائك التقاعد إلى الخدمة على جهاز الاستخبارات السابق، الذي تم حله عمليا في خريف العام 2015، من طرف الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، في إطار لعبة الصراع بين الرئاسة والجهاز، ولذلك لا يستبعد أن يكون محاولة للاستنجاد بالموروث الأمني القديم لمعالجة العديد من القضايا والملفات المستجدة.
يبدو أن دوائر القرار في السلطة بصدد تعديل الأوتار المتصلة بملفي فرنسا ودول الساحل والصحراء
وأبرز ما يعرف به الجنرال (حسان) تحكمه في الملف الأمني لمنطقة الساحل والصحراء، وقدرته على اختراقه مختلف التنظيمات المسلحة، بما فيها الجهادية، أثناء الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر بين 1990 و2000، ولذلك فهو من الكفاءات الأمنية النادرة في الجهاز، التي تملك خيوط ونسيج الجماعات المسلحة في المنطقة، وتمكن أثناء الخدمة من تطويق كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة، ثبت أنها ذات منشأ إقليمي.
وحتى أثناء توقيفه وإحالته على القضاء العام 2015، وجهت له تهمتا مخالفة أوامر عسكرية، وإتلاف وثائق عسكرية، وهو ما يبرز امتلاك وتحكم الرجل في مفاصل أمنية حساسة، خاصة في ما يتعلق باختراق التنظيمات المسلحة وتجنيد العناصر المتعاونة.
ويرى مهتمون بالشأن الجزائري أن التجاذبات التي طرأت على جهاز الاستخبارات والقيادة العسكرية والرئاسة خلال العقد الأخير، أثّرت كثيرا على فقدان خيوط تحرك الوضع الأمني والاجتماعي وحتى السياسي في عموم المنطقة، ولذلك باتت المؤسسات الرسمية في الجهاز الدبلوماسي مقطوعة عن الواقع والمعلومات الميدانية التي كان يؤمّنها جهاز الاستعلامات.
والراجح أن الاستغناء المفاجئ عن الجنرال عبدالقادر حداد (ناصر الجن)، في قيادة الأمن الداخلي، رغم مرور عام فقط على شغله المنصب، يعود إلى بعض الاختلالات التي سجلها الجهاز في التعاطي مع عدد من الملفات، سواء على المستوى السياسي والحقوقي الداخلي، أو بعض القرارات الأخرى، كتوقيف الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال منتصف شهر نوفمبر الماضي، والذي تحول إلى مأزق ومصدر لتغذية الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا.
ويبدو أن العقيدة الأيديولوجية للجنرال عبدالقادر حداد، المناهضة لمكانة فرنسا بالجزائر، قد انعكست على أداء الجهاز أثناء خدمته، ولذلك تم توقيف الكاتب المذكور دون تقدير للعواقب السياسية، وكان أبرز المطلوبين من دوائر شبه رسمية بباريس، مقابل التطبيع والعودة إلى الوضع الطبيعي للعلاقات الثنائية، حيث جهر الكاتب الفرنسي المثير للجدل نيكولا بو، شهر فبراير الماضي، بضرورة تنحية (ناصر الجن)، واتهمه بتخريب علاقات البلدين.
وقضى الجنرال العائد عبدالقادر آيت أوعرابي عقوبة خمس سنوات سجنا، ليطلق سراحه العام 2020، ولم يشفع له تدخل رئيسه المباشر الجنرال (توفيق) لدى بوتفليقة، عبر وسائل الإعلام، لإطلاق سراحه، وأنه كان “ينفذ تعليماته ولم يتصرف بمحض إرادته.”
ويبدو أن دوائر القرار في السلطة بصدد تعديل الأوتار المتصلة بملفي فرنسا ودول الساحل والصحراء، فعلاوة على أنه يمثل رسالة غير مباشرة للفرنسيين على التخلص من أحد أسباب الأزمة القائمة، ولذلك يتم انتظار خطوة مماثلة في الجانب الآخر بالتخلص من أحد أسباب الأزمة، بغية تأكيد نوايا التطبيع، فإن عودته تمثل مراجعة جذرية لخطة عمل ميدانية وإستراتيجية في منطقة الساحل، وتفعيل آليات جديدة.
ويتساءل متابعون للشأن الجزائري عن جدوى التغيير اللافت والمفاجئ في هرم المخابرات الداخلية، في ظل التطورات المتسارعة بالمنطقة، لاسيما بعد دخول لاعبين جدد على خط صراع النفوذ، كما الشأن بالنسبة إلى الروس والأتراك، وقدوم أنظمة عسكرية حاكمة في المنطقة، إلا إذا كانت إعادة تفعيل آليات خامدة بإمكانها إعادة التوازن.