في يوم المتاحف العالمي.. المتاحف العراقية تاريخ يقاوم التدمير

يزخر العراق بتاريخ إنساني عريق، جسدته الحضارات الكبرى التي تعاقبت عليه، تاريخ لم يتوقف عن إحداث تأثير بالغ في المنطقة ومسار الحضارات الإنسانية، وهذا ما دفع إلى تأسيس أكثر من متحف تمثل نوافذ على ماضي البلاد وحاضرها وعراقتها، وقد نجت هذه المتاحف من محاولات تدمير عديدة، ونأتي في هذا المقال على ذكر أهمها.
تضم العاصمة العراقية بغداد العديد من المتاحف الرسمية التي تسلط الضوء على حضارة بلاد ما بين النهرين حيث التاريخ العريق الذي ترك خلفه إرثاً حضاريا عميقا تنوع ما بين أساليب الحياة على أرض بلاد ما بين النهرين والعلوم والقوانين التي قومت حياة الإنسان العراقي الأول منذ سبعة آلاف عام وحتى يومنا هذا.
وبمناسبة اليوم العالمي للمتاحف الذي يحل في الـ18 من مايو كل عام وتحتفي به المتاحف والمؤسسات المتحفية خلال هذا الشهر، بفعاليات وأنشطة متنوعة، نسلط الضوء على أهم المتاحف الرسمية في العراق ومنها المتحف العراقي الواقع في منطقة العلاوي بقلب العاصمة بغداد الذي يعد من أكبر المتاحف العراقية.
تاريخ العراق
تأسس المتحف العراقي إبان الانتداب البريطاني على العراق عام 1923. صاحبة فكرة هذا المشروع هي مستشارة الحاكم البريطاني دونت بيل التي أرادت إنشاء متحف يضم المقتنيات المستكشفة حديثا في العراق. وتعد المس بيل أول مديرة رسمية للمتحف العراقي.
ومع تزايد البعثات لعلماء الآثار للعراق واكتشاف المزيد من القطع الأثرية تقرر نقل المتحف إلى بناية أوسع وذلك في العام 1927، حتى تقرر إنشاء بناية خاصة وفق المعايير العالمية لبناء المتاحف. بدأ العمل في المتحف الحالي من قبل مهندس ألماني عام 1957 وانتهى بناؤه عام 1963 وتم افتتاحه عام 1966.
شهد البناء الحالي للمتحف الكثير من التغييرات منها عام 1983 حيث أضيفت قاعات أخرى لاستيعاب المكتشف من القطع الأثرية. بعدها افتتحت قاعات جديدة أخرى على مر السنوات، كانت آخرها عام 2017.
المتاحف العراقية صروح حضارية طالتها الكثير من عمليات السلب والنهب بعد الاحتلال الأميركي للعراق ولكنها انتصرت عليها
ويضم المتحف 25 قاعة عرض أهمها القاعة السومرية والآشورية والبابلية والإسلامية. حيث يتم عرض المقتنيات الأثرية حسب التسلسل الزمني للحضارات والحقب التاريخية في وادي الرافدين.
تعرض هذا الصرح الحضاري الكبير للكثير من عمليات السلب والنهب التي طالت أغلب المرافق الحيوية في العاصمة بغداد إبان الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، حيث مكن الوضع الأمني المنفلت آنذاك مافيات تجارة الآثار من سرقة الكثير من القطع الأثرية وصلت إلى آلاف القطع، والتي استعاد العراق بعضا منها في السنوات اللاحقة بعد استتباب الأمن في بغداد.
وتعمل الجهات الحكومية والدولية على استعادة بقية القطع الأثرية المنهوبة من المتحف وترميم ما هدم منها ليتم عرضها أمام الجمهور مجددا وهذا ما تم العمل عليه خلال السنوات السابقة.
وإلى جانب المتحف الوطني العراقي هنالك متاحف عديدة منتشرة في العاصمة بغداد منها “متحف التاريخ الطبيعي”، الذي يقع في منطقة باب المعظم ببغداد، وتأسس عام 1946 في عهد المملكة العراقية، ويضم المتحف العديد من الأقسام التي تروي قصة التاريخ الطبيعي للملكة النباتية والحيوانية على أرض بلاد ما بين النهرين.
كذلك يضم المكتبة التي تم تأسيسها عام 1973 وفيها عدد من الكتب منها 20843 مجلدا و400 مجلة علمية، وكذلك احتوت المكتبة على خرائط وميكروفيلم وميكروكارد وجهاز عرض وقراءة الشرائح المصورة لبعض الحيوانات.
وبالإضافة إلى متحف التاريخ، هناك أيضا “متحف الفن الحديث” الذي تأسس عام 1962 ويحتوي على سبعة آلاف عمل فني وتشكيلي ونحتي وتعود هذه الأعمال إلى العديد من فناني العراق ومنهم جواد سليم وحافظ الدروبي وفائق حسن ومحمد غني حكمت وغيرهم. وقد تعرض هذا بدوره المتحف إلى عمليات سرقة وتدمير ممنهجة خلال أحداث عام 2003 المأساوية.
مشاريع متحفية
هناك متاحف أخرى منها “المتحف البغدادي”، أو متحف الشمع العراقي الذي يضم المعالم والفعاليات اليومية للسكان الأوائل للعاصمة بغداد تأسس عام 1970 ويقع على ضفاف نهر دجلة قرب المدرسة المستنصرية. يضم المتحف المئات من تماثيل الشمع التي تمثل سكان بغداد الأوائل.
ومن أهم وأشهر المتاحف العراقية الحديثة “متحف البريد العراقي”، الذي يقع في جانب الكرخ تحديدا في شارع حيفا وقد تم تأسيسه عام 1989، ويحتوي على معظم إصدارات دائرة البريد العراقية من المطبوعات والطوابع وبطاقات البريد المختلفة وعلى المعدات التي استعملت في نقل البريد وحفظه منذ عهد الدولة العثمانية وحتى الآن، ويعد قبلة يجتمع فيها جميع هواة الطوابع في العراق والبعض يطلق عليه تسمية “متحف الطوابع”، لما لهذه الهواية من تاريخ وإقبال منقطع النظير من قبل الهواة.
وفي قائمة المتاحف العراقية هناك “متحف عبدالكريم قاسم”، الذي تأسس عام 2015 وهو من المتاحف التي تشهد إقبالاً واسعاً من قبل الجمهور.
يضم المتحف الكثير من المقتنيات الخاصة بالزعيم العراقي ومنها بدلاته العسكرية ونماذج من الأسلحة والدروع والهدايا النحاسية والفضية وأرشيفا من الصور يضم فريقه الوزاري والسفراء ورؤساء الدول الذين التقاهم قاسم خلال فترة حكمه للعراق.
كذلك يضم المتحف سيارة قاسم التي كان تقله في شوارع بغداد، وهي هدية جاءته من الاتحاد السوفييتي السابق وفيها ثقوب رصاص تعود إلى أحداث انقلاب فبراير في العراق.
ويتيح اليوم العالمي للمتاحف فرصة للقاء المتخصصين في هذا المجال للحديث والنقاش حول سبل الارتقاء بواقع المتاحف في العراق وسبل الارتقاء بها نحو واقع أفضل وكذلك للقاء الجمهور وزيادة الوعي العام بالدور الذي تلعبه المتاحف العراقية في تثقيف الأجيال الجديدة وتنبيهها بأهمية هذا الدور.
