مواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع بأم درمان في حرب بلا نهاية

الجيش يؤكد أنه يقترب من تطهير كامل ولاية الخرطوم، مستهدفا معاقل الدعم السريع في جنوب وغرب أم درمان، ومواصلا عمليات التطهير في مناطق صالحة وما حولها.
الثلاثاء 2025/05/20
صراع يفتك بالدولة ويغيب الحل

الخرطوم -  تدوي انفجارات عنيفة في أم درمان بالعاصمة السودانية الخرطوم، مع تواصل الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، في صراع لا يبدو له نهاية قريبة، ما يضعف بشدة فرص العودة إلى طاولة المفاوضات، في ظل غياب تام للغة الحوار المباشر.

وهذه المواجهات، التي تجاوزت مجرد التنافس على السلطة، تُلقي بظلالها الكارثية على حياة المدنيين وتُهدد بانهيار شامل لمؤسسات الدولة.

وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية بسماع دوي انفجارات قوية في أم درمان، بينما أكد المتحدث العسكري نبيل عبدالله في بيان أن قوات الجيش مستمرة "في عملية واسعة النطاق ونقترب من تطهير كامل ولاية الخرطوم" باستهداف معاقل الدعم السريع "بجنوب وغرب أم درمان وتستمر في تطهير مناطق صالحة وما حولها".

ويأتي هذا التصعيد بعد إعلان الجيش، الإثنين، سيطرته على أجزاء واسعة من ضاحية صالحة بجنوب أم درمان، في أعقاب معارك ضارية مع قوات الدعم السريع التي كانت تنتشر بكثافة في هذه المنطقة بعد انسحابها من الخرطوم نهاية مارس الماضي، ما يشير إلى قرب إعلان خلو مدينة أم درمان من قوات الدعم السريع.

ونقلت وسائل إعلامية محلية عن مصادر عسكرية قولها إن الجيش وحلفاءه نجحوا في "تطهير منطقة صالحة بأكملها، فضلا عن الاستيلاء على كميات كبيرة من العتاد العسكري شمل ثلاث دبابات و20 مركبة قتالية وعددا من مخازن الذخائر وكمية من الطائرات المسيرة التي وجدت داخل منازل المواطنين".

وتشهد المنطقة منذ أسابيع معارك وقصفا مدفعيا بين طرفي القتال، فضلا عن عمليات تطويق كبيرة من محاور عدة ممتدة بين ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض، مما جعل سكانها يعيشون أوضاعا كارثية بسبب الحصار المفروض عليهم من قبل قوات الدعم السريع وقصف الجيش المنطقة من وقت لآخر.

وأفاد مواطنون بأن القتال العنيف أدى إلى غلق الأسواق والمحال التجارية والصيدليات والمراكز الصحية، مما حرم الكثيرين من فرصة الهروب من منطقة صالحة، وأشاروا إلى أن الوضع الصحي "في غاية السوء" بسبب تدهور الوضع البيئي وتراكم النفايات، ما أدى لانتشار الأمراض وتزايد حالات الإسهال والكوليرا جراء عدم توفر مياه الشرب الصالحة.

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أعلن من القصر الجمهوري في وسط العاصمة أواخر مارس، أن "الخرطوم حرة". لكن قوات الدعم التي حافظت على تواجد في جنوب وغرب أم درمان الواقعة على ضفة نهر النيل المقابلة للخرطوم، استهدفت القصر ومقر القيادة العامة للجيش بقذائف المدفعية أواخر أبريل.

وكثّفت قوات الدعم السريع هجماتها على مواقع الجيش ومناطق نفوذه، بعدما أعلن سيطرته على الخرطوم ومدن في شمال ووسط البلاد كانت تحت سيطرتها.

وكانت أبرز أوجه هذا التصعيد استهداف مدينة بورتسودان (شرق) المطلة على البحر الأحمر والتي تتخذها الحكومة المرتبطة بالجيش مقرا موقتا لها.

وبقيت بورتسودان الى حد كبير في منأى عن أعمال العنف منذ اندلاع الحرب عام 2023، وانتقلت إليها بعثات دولية ومنظمات اغاثية، ومئات الآلاف من النازحين من مناطق سودانية أخرى.

وطالت هجمات الدعم السريع بالمسيّرات، مطار بورتسودان الدولي وميناءها، بالإضافة إلى مستودع الوقود ومحطة الكهرباء الرئيسيين فيها.

وأعرب خبير الأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر الاثنين "عن قلقه العميق إزاء التصعيد الأخير في الغارات الجوية بطائرات مُسيّرة وتوسع الصراع إلى ولاية البحر الأحمر في شرق السودان... مما زاد من تفاقم أوضاع المدنيين".

وحذر في بيان من أن "الهجمات المتكررة على البنى التحتية الحيوية تُعرِض حياة المدنيين للخطر وتُفاقم الأزمة الإنسانية، وتُقوِض الحقوق الأساسية للإنسان"، مشيرا إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع "وأثره على إمدادات الوقود مما يُعيق الوصول إلى الحقوق الأساسية مثل الحق في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية".

وعلى رغم توتر الوضع في بورتسودان، عيّن البرهان، وهو أيضا رئيس مجلس السيادة، الاثنين كامل إدريس رئيسا جديدا للحكومة السودانية خلفا لدفع الله الحاج الذي لم كان القائم بأعمال رئيس الحكومة لثلاثة أسابيع فقط.

ورحب الاتحاد الافريقي بتعيين رئيس حكومة "مدني"، معتبرا ذلك خطوة "نحو حكم شامل" يأمل بأن تسهم بـ"استعادة النظام الدستوري والحكم الديموقراطي".

ويبدو المشهد السوداني شديد التصدع، مع استمرار القتال الذي لم يعد مجرد صراع على السلطة، بل تجاوز ذلك إلى تآكل المؤسسات وتراجع الشرعية، وتزايد الاعتماد على أدوات عسكرية نوعية مثل الطائرات المسيرة، في صراع بات يخترق النسيج المدني والمجتمعي على نحو غير مسبوق.

ويضعف استمرار هذا النزاع العسكري بشدة فرص العودة إلى طاولة المفاوضات، مثل منبر جدة، لإنهاء القتال. وهذا الانسداد في أفق الحلول نابع من غياب لغة الحوار المباشر بين الأطراف المتحاربة، مما يلقي بمسؤولية ضخمة على القوى السياسية ليس فقط لوقف الحرب، بل لإعادة تأسيس العقد السياسي على أسس جديدة تنهي دوامة الحروب المتكررة منذ الاستقلال.

وقسمت الحرب التي اندلعت منتصف أبريل 2023، السودان إلى مناطق نفوذ حيث يسيطر الجيش على شمال وشرق البلاد بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور في الغرب ومناطق في الجنوب.

وتسببت الحرب في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليونا في ما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.