تراجع نفوذ إيران في المنطقة يلقي بظلال إيجابية على علاقة طهران بكردستان العراق

قيادة الإقليم تستشعر ملامح التغيير وتعمل على تكريسه بخطاب تصالحي ودبلوماسية هادئة.
الثلاثاء 2025/05/20
اختبار جديد لحسن نوايا طهران تجاه جيرانها

النبرة الإيجابية المسجلة في الخطاب السياسي لإيران تجاه إقليم كردستان العراق تؤشّر على وجود توجه إيراني نحو التهدئة والتصالح مع سلطاته بعد ما كانت قد أظهرته على مدى السنوات السابقة من تشدّد تجاهه جسدته في ضغوطها السياسية والأمنية عليه، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها العراقيين، وهو توجّه تلمسه قيادة الإقليم وتشجع الإيرانيين على المضي فيه.

طهران- تنتهج القيادة السياسية لإقليم كردستان العراق سياسة اليد الممدودة لإيران رغبة في إقامة علاقات مختلفة معها خارج سياق الضغوط التي حاولت طهران على مدى السنوات الماضية فرضها على الإقليم والتوترات التي كثيرا ما أثارتها بسياساتها تجاهه، وأيضا بسياسات حلفائها المتنفذين في السلطة الاتحادية العراقية من أحزاب وفصائل شيعية مسلحة لم تنقطع عن  ممارسة تضييقات سياسية واقتصادية وحتى أمنية عليه.

والتقى رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في طهران بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وذلك على هامش مشاركته في الدورة الرابعة من منتدى طهران للحوار، حيث أجرى معه محادثات شملت العديد من الملفات والقضايا، كما كانت له محادثات مماثلة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.

وتأمل سلطات الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي الكردستاني في أن تحدث التغييرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة أثرا في تغيير سياسات الجمهورية الإسلامية تجاه تجربة الحكم الذاتي في كردستان العراق، خصوصا وأنّ تلك التغييرات صبّت في اتجاه تقليص نفوذ إيران في بلدان إقليمية بفقدها ذراعها القوية حزب الله في لبنان ونظام حليفها بشار الأسد في سوريا مع وجود توقّعات بألاّ يستطيع الإيرانيون مستقبلا الحفاظ على نفس المستوى من قوة النفوذ في العراق بسبب وجود ضغوط أميركية لتقليص مساحة الارتباط بين بغداد وطهران.

دلشاد شهاب: الإقليم تجاوز مرحلة سوء التفاهم مع إيران ودخل مرحلة تطوير العلاقات

ورأت دوائر سياسية وإعلامية أن دعوة بارزاني لحضور المنتدى تضمنت بحدّ ذاتها رسائل إيجابية من القيادة الإيرانية إلى قيادة إقليم كردستان كون منظم المنتدى هو مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة خارجية الإيرانية وأشغال هذه المناسبة المرموقة فكريا وسياسيا بالنسبة إلى إيران تتم بحضور الرئيس الإيراني وعدد من كبار المسؤولين وممثلي دول مختلفة.

وعلق رئيس الإقليم على ذلك في كلمته خلال المنتدى موجّها شكره للجمهورية الإسلامية الإيرانية على الدعوة ومشيرا إلى أنّ  تحدّث الرئيس الإيراني باللغة الكردية أمام الحضور كان لفتة مؤثرة أسعدت شعب كردستان.

ووصف علاقات إقليم كردستان بإيران بالمتينة مذكّرا بأنّ ستين في المئة من حجم التبادل التجاري الإيراني مع العراق يمر عبر الإقليم، ومؤكّدا قوله “حققنا تقدما جيدا في العلاقات السياسية والثقافية والتجارية، ونواصل البناء عليها”.

كما جدّد بارزاني تعهد سلطات إقليم كردستان بألاّ تكون أراضي الإقليم مصدر تهديد لجيرانه، مشيرا إلى وجود آلية ثلاثية للتنسيق الأمني بين أربيل وبغداد وطهران، وموضّحا أن لقاءاته في طهران تناولت هذا الملف.

وينطوي هذا التعهد على إشارة حسن نية تجاه الجارة الشرقية للإقليم والعراق عموما والتي ما تنفكّ تطالب السلطات العراقية بإنهاء أنشطة المسلحين المعارضين لنظامها على أراضي العراق.

ويعكس كلام رئيس إقليم كردستان السمة الإيجابية للخطاب السياسي والدبلوماسي للإقليم تجاه جيران العراق لاسيما إيران وتركيا اللتين لهما تشابكات متداخلة مع الملف الكردي في المنطقة.

ويحرص ذلك الخطاب على التزام الهدوء ومحاولة التغاضي عن الخلافات وتوسيع مساحات التفاهم والوفاق، وقد أثمر نتائج إيجابية في علاقة كردستان العراق بتركيا، وهو ما تأمل قيادة الإقليم أن ينسحب على العلاقة مع إيران رغم ما مارسته الأخيرة من ضغوط عليه وصلت حدّ تهديد أراضيه عسكريا من خلال القصف الصاروخي لمواقع داخله.

وتعقيبا على اجتماعه مع الرئيس الإيراني كتب رئيس الإقليم عبر منصّة إكس قائلا “سعدتُ كثيرا بلقائي في طهران مع مسعود بزشكيان، رئيس جمهورية إيران الإسلامية،” مشيرا إلى أنّه أكد خلال اللقاء “على تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع مجالات التعاون المشترك بين الجمهورية الإسلامية وكل من العراق وإقليم كردستان في جميع الميادين”.

وتابع قوله “تبادلنا وجهات النظر بشأن آخر التطورات والأوضاع في المنطقة، وأكدنا على أهمية الحفاظ على الاستقرار والهدوء وتعزيز التعاون الشامل على أساس المصالح المشتركة”.

وأجرى بارزاني أيضا في العاصمة الإيرانية محادثات مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تمحورت حول آخر تطورات المنطقة، وطبيعة العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان وطهران.

وعلّق دلشاد شهاب المتحدث باسم رئاسة إقليم كردستان، من جهته على ما شهدته مشاركة نيجيرفان بارزاني في منتدى طهران للحوار من تواصل وخطاب إيجابي قائلا إنّ هناك مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية وشعورا بأن إقليم كردستان “تجاوز مرحلة سوء التفاهم مع إيران، وهو الآن في مرحلة تطوير العلاقات”.

كلام رئيس إقليم كردستان يعكس السمة الإيجابية للخطاب السياسي والدبلوماسي للإقليم تجاه جيران العراق لاسيما إيران وتركيا

وقال شهاب في مؤتمر صحفي إنّ اختيار الرئيس نيجيرفان بارزاني التحدث إلى المؤتمر باللغة الفارسية “يعكس المزيد من الصداقة والتقارب. واختيار هذا الحوار مع بعضنا البعض حول القضايا المشتركة بين إيران والعراق وإقليم كردستان والتي تهم الطرفين كان هو الهدف الرئيسي للزيارة.”

ولم يُغفل المتحدث باسم رئاسة إقليم كردستان أثر التغييرات الجارية بالمنطقة في طبيعة العلاقات بين قواها وبلدانها لاسيما علاقة إيران بجيرانها، قائلا “حقا إن التغييرات التي حدثت في المنطقة مهمة إذا قيّمناها بدقة وقارناها بما كان عليه الوضع قبل عام.” وأضاف “خلال اللقاءات التي كانت تُنظّم سابقا ومن بينها لقاء رئيس إقليم كردستان مع المرشد الأعلى لإيران واجتماعه مع الرئيس السابق ومع الجهات الإيرانية المسؤولة أيضا، كنا نتحدث عن كيفية التوصل إلى تفاهم مشترك بشأن التوترات التي كانت بيننا لطمأنة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن إقليم كردستان ليس مصدر تهديد لهم، وكذلك للتوصل إلى تفاهم لإيجاد حلول للتهديدات والتوترات الأمنية والعسكرية التي تحدث أحيانا. وهذا العام جرت مناقشات حول كيفية إدارة الحوار الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والتجاري والمصالح المشتركة بين الطرفين.”

وأشار شهاب إلى أنّ “الحضور الدولي الذي يتمتع به رئيس وحكومة ومؤسسات إقليم كردستان الرسمية يُظهر فاعلية وتأثير دور ومكانة إقليم كردستان في المعادلات.”

وتطرق أيضا إلى التأثيرات الممكنة لتطور العلاقة مع طهران على علاقة الإقليم بالقوى العراقية المتنفذة في الدولة الاتحادية والمعروفة بمتانة علاقاتها مع الإيرانيين قائلا “إيران دولة مؤثرة في المنطقة ولها تأثير في علاقاتها مع بغداد. وعلاقاتها مع إقليم كردستان في حالة إيجابية. وخلال اللقاءات مع الإيرانيين أكدوا أنهم يشجّعون الطرفين ويلعبون دورا في حل القضايا القائمة.”

3