السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين لم تتغير بوجود سلطة حليفة في دمشق

يتعرض العديد من اللاجئين السوريين، بمن فيهم ناشطون وصحافيون، لحملات اعتقال وترحيل قسري من تركيا، ومضايقات تهدد وجودهم وإقامتهم القانونية، في ممارسة مستمرة منذ سنوات لم تتغير مع استلام الرئيس أحمد الشرع السلطة في البلاد وهو من أبرز حلفاء أنقرة.
أنقرة - لا يزال ملف اللاجئين السوريين يشهد تصعيدا في تركيا من خلال مضايقات واعتقالات تطال بعض الناشطين رغم العلاقة الوطيدة مع السلطات السورية وعلى رأسها أحمد الشرع، إذ لم تتوقف عمليات الترحيل القسري بمزاعم عديدة، ما يشير إلى أن سياسة تركيا في هذا الشأن لم تتغير بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
ورحّلت السلطات التركية الناشط السوري في مجال الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين في تركيا طه الغازي مع زوجته إلى بلدهما بعد توقيف دام أياما، بتهمة المشاركة في نشاطات أو فعاليات تحريضية وتهديد الأمن القومي. كما أكد ناشطون اعتقال الصحافي غسان ياسين من قبل السلطات التركية السبت.
وعبر ناشطون مرارًا عن قلقهم من تصاعد هذا النهج، واعتبروا أن التضييق لا ينسجم مع المبادئ التي رفعتها تركيا سابقًا في دعم الثورة السورية ولاحقا بعد استلام أبرز حلفائها للحكم في سوريا. كما أصدرت منظمات حقوقية تركية ودولية بيانات تؤكد على ضرورة احترام حرية التعبير والتنظيم.
وقال الخبير الرقمي السوري بسام شحادات إن اعتقال الناشط الغازي والصحافي ياسين خطوة تثير القلق بشأن سلامة النشطاء والإعلاميين السوريين.
تركيا تشهد تصاعدا في الخطاب السياسي المتعلق باللاجئين، مع الاستعداد للانتخاب ومطالبات من البعض بترحيل السوريين
وذكر شحادات أنه في ظل تصاعد التضييق على اللاجئين السوريين في تركيا تقوم السلطات الأمنية التركية بحملات اعتقال تعسفية تستهدف سوريين دون مبررات قانونية واضحة.
وأضاف في تدوينة على صفحته في فيسبوك “إننا نطالب وزارة الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية وعبر السفارة الرسمية، بالتدخل الفوري لمتابعة هذه القضايا وضمان حقوق المواطنين السوريين في الخارج، وحمايتهم من الإجراءات التعسفية. كمواطن أحمل الجنسية المزدوجة لا أرى أن ما تقوم به إدارة الهجرة في تركيا ينظم وجود الأجانب بقدر ما يسيء إلى سمعة واقتصاد تركيا.”
وتابع “لقد أثبتت التجارب أن هذه الممارسات لا تحقق أمنًا ولا استقرارًا، بل تترك آثارًا سلبية على النسيج الاجتماعي والعلاقات الدولية.”
ويتعرض الكثير من السوريين للترحيل بعد اعتقالهم لأسباب أمنية أو جنائية، إذ تقوم إدارة الهجرة بنقلهم إلى مراكز الترحيل، حتى بعد تبرئة القضاء لهم من التهم المنسوبة إليهم، فيما عاد عشرات اللاجئين إلى بلادهم بعد سقوط النظام السابق في الوقت الذي ينتظر فيه الكثيرون غيرهم تحسن الأوضاع في سوريا للعودة.
وكانت السلطات التركية أوقفت الغازي مساء 17 مايو الحالي بموجب الكود “G – 207″، وأوضح في منشور على صفحته في فيسبوك أن توقيفه جاء بناء على وجود كود “G – 207” أو ما يعرف في قانون الأجانب بتهمة المشاركة في نشاطات أو فعاليات تحريضية تهدّد الأمن القومي.
ولم يصدر توضيح تركي رسمي بشأن اعتقال الغازي وأسباب ترحيله، وقال عبر حسابه في فيسبوك الاثنين إنه وصل إلى معبر “باب السلامة” الحدودي مع تركيا، شمالي حلب، بعد صدور قرار ترحيله.
والغازي هو ناشط حقوقي سوري امتلك الجنسية التركية، إلا أنها سحبت منه في يونيو 2024، ومنذ ذلك الحين أوكل لكادر حقوقي متابعة القضية في أروقة المحكمة الإدارية.
وأوضح آنذاك أن البت في الأمر قد يستغرق عاما أو أكثر، مؤكدًا الاستمرار في موقفه بمتابعة قضايا اللاجئين السوريين والدفاع عن حقوقهم. وحتى قبيل توقيفه بيوم واحد، كان يتابع قضية تتعلق باللاجئين السوريين المحتجزين في مركز ترحيل للمهاجرين على الحدود التركية – السورية.
كما برز الغازي بمتابعة الانتهاكات التي تطال السوريين من قبل عنصريين أتراك، وملاحقتهم عبر القضاء والمحاكم. ونشط في مواكبة أحداث العنف ضد السوريين في ولاية قيصري العام الماضي، وانشغل مؤخرا بمتابعة الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون في مراكز الترحيل.
ويتم ترحيل السوريين بناء على “أكواد” التقييد، وهي رموز تطبّق على سجلات الأجانب المقيمين في تركيا، وتختلف أسباب تعيين هذه الرموز عن بعضها البعض باختلاف الحالات، وتتفاوت مدة بقاء الرموز في سجل الأجنبي، بالنظر إلى أهمية الإجراء المتخذ بحقه.
وخلال السنوات الماضية تعرض اللاجئون السوريون في تركيا لضغوط عديدة، منها الظروف الاقتصادية والمعيشية، والحملات الأمنية التي كانت تشمل حاملي بطاقات الحماية المؤقتة (الكملك) ويقيمون بمدن مخالفة لأماكن إقامتهم المفترضة، ما تسبب في تراجع ملحوظ في أعداد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا تحت قانون “الحماية المؤقتة”.
السوريون يتعرضون للترحيل بعد اعتقالهم لأسباب أمنية أو جنائية، إذ تقوم إدارة الهجرة بنقلهم إلى مراكز الترحيل، حتى بعد تبرئة القضاء لهم من التهم المنسوبة إليهم
وأفاد ناشط الاثنين بأن “الأمر مستمر وممنهج منذ سنوات لكن لا صوت للناس العاديين يصدع، التقيت بإخوة تم اعتقالهم في 2020 ثم 2024 بنفس الطريقة ونفس الشبهة ويخرجون بحكم المحكمة أو بانقضاء فترة الحجز وحياتهم دمرت اقتصاديا واجتماعيا.”
وتابع “هذا العمل بالتنسيق بين الاستخبارات والقضاء وبإدارة مباشرة من إدارة الهجرة كجهة تنفيذية تتمتع بصلاحية كاملة ضد الأجانب.”
من جانبها تنفي السلطات التركية مزاعم ترحيلها لاجئين سوريين “قسرًا” وتطلق عليه مصطلح “عودة طوعية”، رغم توثيق منظمات حقوقية وإنسانية لحالات ترحيل قسري.
غير أن مصادر تؤكد أن الساحة التركية تشهد تصاعدًا في الخطاب السياسي المتعلق باللاجئين، وسط استعدادات انتخابية ومطالبات من بعض الأطراف السياسية بترحيل السوريين، وهو ما زاد من حالة التوتر وعدم اليقين لدى مئات الآلاف من اللاجئين.
بدورها أكدت مسؤولة التواصل في اللجنة السورية – التركية المشتركة إيناس النجار أن السوريين المقيمين في تركيا لن يُجبروا على العودة إلى سوريا، مشيرة إلى أن الجهات الرسمية التركية لا تعتزم اتخاذ أي إجراءات قسرية بهذا الشأن، في ظل ما وصفته بـ”الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون.”
جاء ذلك خلال مشاركتها في ورشة عمل موسعة عُقدت مؤخرًا مع ممثلين عن مديرية الهجرة التركية، حيث جرى تناول أبرز القضايا التي تهم السوريين في تركيا، وخصوصًا ما يتعلق بإجازات العيد، وسياسات العودة الطوعية، وبطاقات الحماية المؤقتة.
وشددت النجار على أن من غادر تركيا بإجازة رسمية إلى سوريا وعاد في الموعد المحدد لن يتعرض لأي إجراء قانوني، ولن تُبطل بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به أو بأفراد عائلته. كما أوضحت أن من عاد إلى سوريا بشكل طوعي لن يُفرض عليه أي منع من دخول تركيا لاحقًا، ما يدحض الشائعات المتداولة مؤخرًا حول فرض عقوبات على العائدين.