ضغوط أميركية تجبر إسرائيل على فتح نافذة للمساعدات في غزة

غزة - أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد أن إسرائيل ستسمح بدخول "كمية أساسية" من الأغذية إلى غزة، في تحول لافت يعكس ضغوطا أميركية متزايدة.
ويأتي هذا القرار بعد أكثر من شهرين من الحظر الكامل على دخول المساعدات الإنسانية، ويتزامن مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن بدء "عملية برية واسعة" في غزة، غداة تأكيده تكثيف الضربات الجوية على القطاع الفلسطيني المحاصر حيث أعلن الدفاع المدني مقتل 50 شخصا في غارات نفذتها الدولة العبرية.
وجاء في بيان لمكتب نتنياهو أنه "بناء على توصية الجيش ونظرا إلى الحاجة العملياتية للسماح بتكثيف الحملة العسكرية لإلحاق الهزيمة بـ(حركة) حماس، ستسمح إسرائيل بدخول كمية أساسية من الغذاء للسكان لضمان عدم حدوث أزمة جوع في قطاع غزة"، ولفت البيان إلى أن إسرائيل "ستعمل على منع استيلاء حماس على هذه المساعدات الإنسانية".
ومنذ مطلع مارس، فرضت إسرائيل حظرا شاملا على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في خطوة قوبلت بانتقادات دولية واسعة وتحذيرات من منظمات أممية وقادة دول من مخاطر وقوع مجاعة في القطاع.
ويبدو أن الإعلان الإسرائيلي جاء كنتيجة مباشرة لضغوط متصاعدة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أقر الجمعة بأن "الكثيرين يتضوّرون جوعا" في قطاع غزة المحاصر، وأضاف "سنعمل على حل هذه المشكلة".
وأكد مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مقابلة مع قناة "إيه بي سي" الأميركية الأحد أن "ترامب لن يسمح بحدوث مجاعة خلال ولايته".
كما كشفت تصريحات لوزراء إسرائيليين، من بينهم وزير الخارجية جدعون ساعر نقلتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" وقناة "كان 12"، عن أن الضغط الأميركي، بما في ذلك التلويح بعقوبات محتملة، كان الدافع الرئيسي وراء قرار نتنياهو بالسماح بدخول المساعدات، رغم المعارضة الداخلية الواسعة لهذا القرار.
وكشفت الكواليس السياسية الإسرائيلية عن انقسام حاد حول هذه الخطوة. فقد طالب وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير بالتصويت على مسألة إدخال المساعدات، لكن طلبه قوبل بالرفض. ووصف بن غفير قرار نتنياهو بأنه "خطأ جسيم"، مؤكدا أنه لم يحظَ بالإجماع، فيما اتهمه مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي بـ"التحريض".
وهذا الخلاف العلني يُسلط الضوء على التحديات التي يواجهها نتنياهو في الحفاظ على وحدة ائتلافه الحاكم تحت وطأة الضغوط الخارجية، ويُشير إلى أن التحول في السياسة الإسرائيلية تجاه المساعدات قد يكون تكتيكيا ومحدودًا، ومرهونا باستمرار وتصاعد الضغط الأميركي.
وعلى الرغم من الإعلان عن السماح بدخول المساعدات، تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية المكثفة في قطاع غزة، مما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية.
والأحد أفاد الجيش الإسرائيلي في بيان إن قواته "بدأت... عملية برية واسعة في شمال وجنوب قطاع غزة ضمن افتتاح عملية عربات جدعون"، وهو الاسم الذي أطلقه على الهجوم الأخير في القطاع.
وكان الجيش أعلن السبت توسيع ضرباته رغم الدعوات الدولية إلى وقف إطلاق النار والتحذير من الوضع الانساني في القطاع.
وتؤكد إسرائيل أن هدفها من توسيع العمليات زيادة الضغط على حماس ودفعها إلى الافراج عن الرهائن المحتجزين، من دون التزام واضح بوقف الحرب بشكل كامل.
ورأى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان الأحد أنه "في هذه اللحظة، يعمل فريق التفاوض في الدوحة لاستنفاد كل فرصة من أجل التوصل إلى اتفاق، سواء وفقا لخطة (المبعوث الأميركي ستيف) ويتكوف أو كجزء من إنهاء القتال".
وشدد على أن الاتفاق يجب أن يشمل الافراج عن الرهائن وإقصاء الحركة من القطاع وجعل غزة منطقة منزوعة السلاح.
ووضعت الدولة العبرية "القضاء" على حماس أولوية في الحرب التي اندلعت عقب الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
وكان المسؤول في حركة حماس طاهر النونو أفاد وكالة فرانس برس ببدء مفاوضات غير مباشرة مع وفد إسرائيلي في الدوحة "ستكون مفتوحة حول كل القضايا بدون أي تحفظ أو شروط مسبقة".
وأكد مصدر مطلع في الحركة مساء الأحد أن "حماس أبدت استعدادها لإطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس والفصائل (في غزة)، دفعة واحدة بشرط أن يتم التوصل لاتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار وهو ما يرفضه الاحتلال حتى الآن".
وتابع "الاحتلال يريد إطلاق سراح أسراه دفعة واحدة أو على دفعتين مقابل هدنة موقتة من 6 إلى ثمانية أسابيع، وهذا غير مقبول بالنسبة لحماس وفصائل المقاومة".
ومخاطبا قواته في غزة، أشار رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير إلى بدء العملية الجديدة، وقال إن الجيش "سيمنح مرونة للمستوى السياسي من أجل دفع أي صفقة تحرير مخطوفين".
وشدّد على أن "صفقة لتحرير مخطوفين ليست توقفا، بل هي إنجاز. نحن نعمل من أجل ذلك".
وعصر الأحد، دوّت صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل، وأعلن الجيش رصد إطلاق قذيفتين من وسط غزة "تم اعتراض إحداهما، بينما سقطت الأخرى في منطقة مفتوحة من دون وقوع إصابات".
ولاحقا، أصدر الجيش إنذارا بوجوب إخلاء مناطق عدة في جنوب غزة قبل ضربة وشيكة، وجاء في التحذير "سنهاجم بقوة شديدة كل منطقة يتم استخدامها لإطلاق قذائف صاروخية".
في غضون ذلك، تواصل إسرائيل ضرباتها على مناطق مختلفة في القطاع.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل "في حصيلة أولية، عدد الشهداء الذين نقلوا إلى مستشفيات في قطاع غزة 50 شهيدا على الأقل جراء القصف الجوي الاسرائيلي المتواصل منذ ساعات الفجر الاولى وحتى ظهر اليوم".
وأشار بصل إلى تلقي "بلاغات بوجود عشرات المفقودين تحت الأنقاض في مناطق عديدة في القطاع".
وكان بصل أكد في وقت سابق الأحد مقتل 33 شخصا "بينهم أطفال جراء سلسلة من الغارات" الإسرائيلية.
وأشار الى "نقل 22 شهيدا على الأقل و100 مصاب جراء قصف جوي إسرائيلي بعد منتصف الليل، لعدد من خيام النازحين في منطقة المواصي" غرب مدينة خان يونس في جنوب القطاع.
وأظهرت لقطات من مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح جثثا بأحجام متفاوتة وضع على بعضها أغطية بينما لفت أخرى بأكفان، ممددة على أرض تغطيها بقع الدماء. وفي الخارج، كانت بعض النسوة ينتحبن قرب جثث لأقاربهن.
وقالت وردة الشاعر التي فقدت عددا من أفراد عائلتها "أنا لم أكن هنا، فقدت كل عائلتي لم يتبق أحد، الأولاد قتلوا، الأب مات، والأم ماتت، وأمي ماتت و ابنة أخي فقدت عينها".
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه "خلال الأسبوع الماضي بدأ سلاح الجو ضربة افتتاحية هاجم خلالها أكثر من 670 هدفا لحماس الارهابية في إنحاء قطاع غزة وذلك بهدف تشويش استعدادات العدو ودعما للعملية البرية".
واستأنفت إسرائيل في 18 مارس ضرباتها وعملياتها العسكرية في غزة إثر هدنة هشة استمرت نحو شهرين. وهي قامت منذ الثاني من الشهر ذاته بمنع دخول المساعدات الإنسانية الى القطاع.
وأعلنت حكومة نتنياهو مطلع مايو خطة "للسيطرة" على القطاع، ونقل معظم سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، واضعة ذلك في إطار الضغط على حركة حماس للإفراج عن الرهائن.
وفي ظل تكثيف إسرائيل الضربات والعمليات، أعلنت وزارة الصحة أن "جميع المستشفيات العامة" في محافظة شمال قطاع غزة باتت خارج الخدمة.
وقالت إن "تكثيف محاصرة الاحتلال للمستشفى الأندونيسي ومحيطه ومنع وصول المرضى والطواقم والإمدادات الطبية أخرجت المستشفى الأندونيسي عن الخدمة". وأضافت "جميع المستشفيات العامة بمحافظة شمال قطاع غزة خارجة عن الخدمة".
وإلى جانب المستشفى الإندونيسي، يوجد في شمال قطاع غزة وفق بيان الوزارة مستشفيان آخران عامان هما مستشفى كمال عدوان ومستشفى بيت حانون.
واتهمت حماس في بيان إسرائيل بارتكاب "جريمة وحشية جديدة" من خلال تكثيف القصف على مناطق عدة في القطاع.
وأضافت "تتحمّل الإدارة الأميركية بمنحها حكومة الاحتلال الإرهابي غطاء سياسياً وعسكرياً مسؤولية مباشرة عن هذا التصعيد الجنوني واستهداف المدنيين".
وأثار إعلان الجيش توسيع عملياته في قطاع غزة انتقادات دولية.
وأسفر هجوم حماس على جنوب الدولة العبرية، عن مقتل 1218 شخصا، غالبيتهم من المدنيين وفقا لتعداد يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
ومن بين 251 رهينة خطفوا خلال الهجوم لا يزال 57 في غزة بينهم 34 قال الجيش الاسرائيلي إنهم قتلوا.
ومنذ بدء الحرب بلغ عدد القتلى في غزة 53339، وفقا لأحدث حصيلة أوردتها وزارة الصحة التابعة لحماس، بينهم 3193 قتيلا على الأقل منذ استئناف العمليات العسكرية في مارس.