زلة لسان أم غلق ممنهج: 40 في المئة من الجزائريين ممنوعون من السفر

هذه الظاهرة المستجدة تمثل مؤشرا خطيرا على وضعية الحقوق والحريات في البلاد.
الاثنين 2025/05/19
حالة الغلق القائمة في البلاد

الجزائر- نقل الإعلامي الجزائري رؤوف حرزالله، للجمهور المتابع لصفحته على منصة فيسبوك، على لسان وزير الاتصال محمد مزيان، أن 40 في المئة من الجزائريين ممنوعون من السفر، وذلك أثناء طرح شكواه على الرئيس عبدالمجيد تبون حول قرار منعه من السفر.

ويبدو أن المتحدث غير متأكد من رد الوزير، إن كان مجرد زلة لسان، أو التخفيف من عبء القرار على الإعلامي الممنوع من السفر، أو معطى حقيقيا يترجم حالة الغلق القائمة في البلاد في ظل توسع دائرة القرار على الكثير من الجزائريين بحجة الدواعي القضائية والأمنية.

لكن الظاهرة المستجدة تمثل مؤشرا خطيرا على وضعية الحقوق والحريات، خاصة وأن الرجل لم يصل إلى أي نتيجة في مساعيه لمعرفة حقيقة القرار وأسبابه، واضطراره لمخاطبة تبون من وراء الحدود وعبر شبكات التواصل الاجتماعي من أجل إنصافه ورفع الظلم عنه.

وذكر حرزالله أن رد الوزير كان أثناء احتفالية انتظمت لتسليم بطاقات اعتماد وسائل الإعلام الأجنبية، لما طرح عليه المشكلة التي وقع فيها دون أن يتم تبليغه من طرف أي جهة، غير أن الوزير نفسه لا يملك الجواب، لكن رده حمل دلالات قد تعصف برأسه من الحكومة، ولا يمكن لأي مبرّر أن يشفع له بالحديث عن تحول البلاد إلى سجن كبير، بما أن 40 في المئة من الجزائريين ممنوعون من السفر.

وتعد حالة الإعلامي رؤوف حرزالله واحدة من الحالات غير المحصاة ضمن توجه أمني وقضائي يمنع أصحابه من السفر خارج البلاد، وأحيانا عدم الدخول إليها بدعوى مقتضيات تتطلبها تحقيقات في ملفات معينة، فقد سبق للسلطات الأمنية أن منعت الإعلامي الجزائري فريد عليلات من دخول التراب الوطني وأرجعته من المطار إلى الوجهة التي قدم منها منذ عدة أشهر، بينما كشف حرزالله عن تواجده تحت نفس الطائلة.

وأكد المتحدث في تسجيله بأنه اطلع على القرار، وهو متواجد خارج البلاد في مهمة بوصفه مدير مكتب أوروبا لقناة فضائية عربية، من شخص أجنبي يملك شبكة علاقات في رئاسة الجمهورية، وأنه منذ تلك اللحظة دخل في اتصال مع مسؤول مقرب من الرئيس تبون، استغرب القرار ووعده بتسوية الوضعية في القريب العاجل، غير أن دخول التسويف والتأجيل على الخط، حمله على المغامرة بالدخول إلى التراب الوطني والتوجه إلى المصالح الأمنية والقضائية والرسمية، للاطلاع على محتوى وأسباب وجهة القرار، غير أنه لم يحصل إلا على معلومة واحدة تبرره وهي “الفساد”.

الإعلامي نفى أن يكون شخصا فاسدا أو يملك آليات الفساد، كالأموال والشركات أو المسؤوليات، لكنه عاود مغادرة التراب الوطني بجواز سفر ثانٍ، مما يوحي بامتلاكه جنسية ثانية، فضلاً عن لبس في السماح له بذلك أثناء مروره على شرطة الحدود.

وصرح قاض سابق بأن “ما كشفه الصحافي الجزائري رؤوف حرزالله ليس تصريحا عاديا فقط، بل يمثل زلزالا قضائيا وقانونيا يستوجب وقفة ومساءلة علنية، وحسب كلامه، فقد تم اطلاعه على القرار من مصدر أجنبي، وهو ما يعني اطلاع وإفشاء معلومات شخصية تتعلق بوضعه القانوني: خضوعه لإجراء المنع من مغادرة التراب الوطني.”

وأضاف “هنا، نبدأ بسؤال بسيط وخطير: من سمح لموظف في الرئاسة بأن يتحول إلى جهاز مخابرات لخدمة أجانب؟ هذا الحادث الخطير ينطوي على جريمة مزدوجة، تتمثل في إفشاء أسرار شخصية محمية قانونا، وتسريب قرار سيادي لجهة أجنبية دون إذن قضائي أو قانوني.”

وتابع “الأخطر في هذه الحادثة أنها لم تتوقف هنا، فالإعلامي حرزالله، الذي حاول التصرف كمواطن مسؤول، توجه إلى وكيل الجمهورية بمحكمة الدار البيضاء والنائب العام المختصين، فماذا كانت النتيجة؟ الإنكار، الصمت، الرفض، وكأنما القضاء غير معني.”

وكان الإعلامي رؤوف حرزالله قد ذكر في تسجيله أنه سعى بنفسه وعن طريق محام إلى الاطلاع على حيثيات القرار لدى المحاكم المختصة، غير أنه لم يصل إلى نتيجة تذكر سوى مبرر “الفساد”، وأنه كان حريصا على الدفع بالملف إلى المحاكمة لمواجهة التهمة أو الجهة التي تتهمه بذلك، إلا أنه لا شيء تحرك في ذلك السياق، وأنه كان يتعمد قضاء ليال في الفنادق وحتى تجديد جواز سفره الجزائري، إلا أنه لا إشارة أوحت له بأنه مطلوب لجهة أمنية أو قضائية، بعد تحديد مكانه.

وقال القاضي السابق حبيب عشي إنه “إذا كان حرزالله خاضعا بالفعل لإجراء قضائي، فالقانون يُلزم النيابة باستدعائه وإعلامه رسميا، لا أن يُترك لمضايقات وتسريبات، وكأننا في غابة لا تحكمها قوانين.”

ثم عبّر عن استغرابه، بالقول “تأتي الصدمة الأكبر: حرزالله يؤكد أنه غادر التراب الوطني بجواز سفر أجنبي، رغم قرار المنع، وهنا يتوقف العقل، وتتجمد المنظومة، كيف غادر؟ أين شرطة الحدود، أين ختم الخروج على جوازه الجزائري، ومن سمح له بالمرور.”

وعرفت المنظومة التشريعية الجزائرية تعديلات مختلفة خلال السنوات الأخيرة، حيث أعيدت بموجبها صفة الضبطية القضائية إلى مديرة الأمن الداخلي (الاستخبارات الداخلية)، وتم تركيز عدة تفاصيل في عمليات التحقيق بين أيدي النيابة العامة والضابط القضائي، رغم الانتقادات التي وجهت لها حول تعزيز التعديلات لفرص انتهاك حريات وحقوق الأفراد.

كما تضمنت التعديلات الأخيرة للقانون الجزائري، الذي نال ثقة البرلمان بالأغلبية، صلاحية قرار المنع من السفر لدى المصالح الأمنية، وهو ما رفضه نواب معارضون، كعبدالوهاب يعقوبي الذي ظل متمسكا بضرورة وضع الصلاحية بين أيدي قاضي حريات وليس الضبطية القضائية أو النيابة العامة.

القاضي السابق ألمح إلى أن البلاد وصلت إلى “مرحلة تطبيع التعدي على الحريات، وانتهاك الحقوق، واستخدام الأرقام لتشويه صورة الوطن أمام الرأي العام”، وأعاب على وزير الاتصال الحديث بلهجة توحي بأن “الجزائر سجن مفتوح”، فهي ليست مجرد زلة لسان بل إهانة موثقة للدولة والشعب والمؤسسات وفضيحة تستوجب المحاسبة.”

1