الشيخ محمد بن زايد.. وقصة الطبيبين كيندي

الشيخ محمد سار على خطى والده في تبني جملة القيم الإنسانية والأخلاقية وفي احترام روح العطاء التي جسدها الطبيبان الأميركيان.
السبت 2025/05/17
ماضينا يعزز حاضرنا ومستقبلنا 

عندما وصل الطبيبان الأميركيان بات وزوجته ماريان كيندي إلى مدينة العين في العام 1960، لم يكن هناك ما يشي بأن تلك البقعة من الأرض بمحيطها الجغرافي هي ذاتها التي تشع اليوم على العالم بمنجزها الحضاري المدهش وعقيدتها الإنسانية السامية.

كان نصف المواليد الجدد يغادر الدنيا قبل أن يفتح أعينه عليها، وكانت أم من بين كل أربع أمهات تتوفى أثناء الولادة أو بعدها بقليل.

كان عدد السكان المحليين يتراجع بشكل ملحوظ نتيجة أمراض كالسل والملاريا وغيرها. لم يكن هناك كهرباء ولا تكييف ولا خدمات عامة فيما كانت درجة الحرارة تقترب خلال فصل الصيف من 50 درجة.

اجتهد الطبيبان الوافدان لبناء مستشفى الواحة الذي لم يكن في البداية سوى مبنى بسيط من الطوب الأسمنتي. تحملا الكثير من التعب وتطوعا بدافع إيمانهما الديني كمبشرين برسالة يسوع لاحتضان الفقراء والمحتاجين.

تمكّن الزوجان كيندي وفريقهما الصغير من تقديم أول رعاية صحية حديثة في المنطقة. في عام 1964 تم تشييد أول مبنى من الطوب الإسمنتي في العين، والذي ضمّ 20 غرفة للمرضى، ومحطةً للممرضات، وحضانةً للأطفال، وغرفة للخدمات. كان المستشفى المصدر الوحيد للعلاج الطبي لأهالي العين والمناطق المحيطة بها. بعد افتتاحه بفترة وجيزة، كان طاقم العمل يستقبل ما يقارب 200 مريض يوميا.

عندما وصل الزوجان الطبيبان مع أطفالهما إلى العين، كانا غير معتادين على طبيعة المناخ ولا يتحدثان العربية، لكنهما كانا في منتهى الاتزان والالتزام والتواضع

في ظل تلك الظروف البدائية، كان الطبيبان يضطران إلى الاستعانة بمصباح يدوي أثناء إجراء العمليات الجراحية.  لم يكن هناك بنك دم. كان بات يتحمل الكثير من المشقة للاهتمام بالمرضى والبحث عن العلاج المناسب في ظل فقدان أغلب الأدوية.

كانت ماريان تتبرع بدمها، مما كان يعرّضها في بعض الأحيان إلى خطر الإصابة. ذلك الدور كان يحتاج إلى الكثير من الحب ليستمر أصحابه في أدائه، وليحقق النتيجة المستهدفة من ورائه.

خلال استقباله الرئيس الأميركي دونالد ترامب روى رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قصة الطبيبين، "هناك طبيبان أميركيان أتيا كمبشرين من الكنيسة في كاليفورنيا اسماهما محفوران في ذاكرة دولة الإمارات هما الدكتور بات وماريان كيندي… عملا في ظروف صعبة جدا… أسسا مستشفى الواحة الذي لعب دورا رئيسيا في تاريخ الرعاية الصحية في تاريخ دولة الإمارات، وبعد وصولهما ببضعة أشهر وُلدْت أنا في هذا المستشفى."

ولد الشيخ محمد في مستشفى الواحة في 11 مارس 1961.  يفخر المستشفى بأنه مسقط رأس ثالث أبناء المؤسس الراحل الشيخ زايد .

وينظر الشيخ محمد بالكثير من الامتنان للدكتورين بات وماريان كيندي، قال في حديثه إنه "تقديرا لجهودهما في مجتمع الإمارات تم منحهما جائزة أبوظبي في دورتها الأولى عام 2005، كما جرى تغيير اسم المستشفى في عام 2019 إلى مستشفى كيندي تكريما لهما وعلى ذلك، استقبلت بهذه المناسبة عائلتيهما في أبوظبي عرفاناً بما قدماه من خدمات لشعب دولة الإمارات."

في عام 2006، قدّم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منحة حكومية للتنمية، مما أتاح تشييد المبنى الجديد. لم تكن هناك حاجة لجمع التبرعات التبشيرية، وإنما كان هناك حس إنساني عميق. اليوم، يعد مستشفى كيندي منشأةً حديثةً تضم 600 موظف، منهم أكثر من 80 طبيبا شهد ولادة أكثر من 130 ألف طفل رضيع منذ عام 1960.

الحقيقة أن الشيخ محمد سار على خطى والده في تبني جملة القيم الإنسانية والأخلاقية وفي احترام روح العطاء التي جسدها الطبيبان الأميركيان اللذين أهداهما الشيخ زايد أحد منازله لاستخدامه كعيادة قبل أن يتسع المشروع ليتحول إلى واحة حقيقية من العمل الإنساني الرائع وإلى جسر متين يلخّص طبيعة العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة.

عندما وصل الزوجان الطبيبان مع أطفالهما إلى العين، كانا غير معتادين على طبيعة المناخ ولا يتحدثان العربية، لكنهما كانا في منتهى الاتزان والالتزام والتواضع.

توافق ملحوظ

كانا يعتبران أن وصولهما إلى تلك البقعة من الأرض إنما هو تلبية منهما لدعوة من الله للقيام بدور الإنسان نحو أخيه الإنسان.

تلك المشاعر أثرت بشكل كبير في شخصية الشيخ محمد بن زايد الذي اختار أن يدافع عن مبدأ التسامح والمحبة بين الشعوب والأمم وآمن بوحدة الأديان تحت خيمة الرحمة والتضامن والإنسانية.

قال سكوت كيندي، الابن الأكبر للطبيبين، إن الولادة الناجحة للزعيم الوطني في نهاية المطاف كانت في صميم العلاقة المتبادلة بين عائلته وقادة الإمارات والتي استمرت حتى يومنا هذا.

المثير في الموضوع هو تلك الخصلة الرائعة في الإماراتيين… أنهم لا ينسون أبدا من وقف إلى جانبهم في يوم من الأيام. وأفضل مثال على ذلك قدمه رئيس الدولة بنفسه خلال لقائه مع الرئيس ترامب حيث اختار أن يستعيد التاريخ اعترافا بجميل آل كيندي من جهة، واحتراما للدوافع الدينية والأخلاقية والإنسانية التي قادتهما إلى العين، وتذكيرا بما كانت عليه الدولة قبل 60 عاما تقريبا، وهو ما يصنع المفارقة الاستثنائية مع ما أصبحت عليه اليوم كدولة ناهضة ونابضة بالحياة، متقدمة ومتطورة وتنافس على المراتب الأولى عالميا، ذات تأثير كبير على المنطقة والعالم، وذات رؤية إنسانية تؤمن بذات الإنسان وتدافع عن قيم المحبة والتسامح وتتجاوز الانتماءات الضيقة لترتقي إلى رتبة الانتماء الإنساني الواسع والعميق.

في مارس الماضي، أكد الشيخ محمد بن زايد خلال لقائه وفد ممثلي “مؤسسة إرث زايد الإنساني” والجهات التابعة لها بجانب عدد من الشخصيات المانحة للمؤسسة من القطاعين العام والخاص، أن العمل الإنساني المجرد، مسؤولية أخلاقية وسمة أساسية من سمات هويتنا الوطنية، ومن هذا المنطلق تعمل دولة الإمارات من خلال مؤسساتها المعنية على تعزيز القيم الإنسانية التي غرسها الشيخ زايد لتكون حافزا على مضاعفة الخير والتعاون الإنساني المشترك لتحسين حياة الملايين من البشر في مختلف أرجاء العالم خاصة في المجتمعات التي تحتاج إلى المساعدة.

7