الأمن السوري يحبط محاولة من فلول الأسد لشن هجمات في الساحل

دمشق - في وقتٍ تُحقق فيه الحكومة السورية تقدماً على مسار إعادة الاستقرار وبناء الثقة داخلياً وخارجياً، عادت التحذيرات لتطفو على السطح بشأن الخطر المتجدد الذي تمثله فلول النظام السابق، خاصة في الساحل السوري، الذي بات مسرحاً لنشاطات أمنية مقلقة خلال الأشهر الماضية.
وفي تطور أمني بارز، أعلنت وزارة الداخلية السورية، مساء الخميس، عن ضبط مستودع يحتوي على كميات كبيرة من العبوات الناسفة الجاهزة للتفجير في قرية بحمرة بريف القرداحة، إحدى أبرز المناطق التي شكّلت تاريخياً قاعدة نفوذ لعائلة الأسد في محافظة اللاذقية.
البيان الرسمي الصادر عن الوزارة عبر "تلغرام" أشار إلى أن العملية جاءت بعد متابعة دقيقة ورصد استخباراتي مكثف، في إطار جهود مستمرة لملاحقة المجموعات التخريبية. وأكدت الوزارة أن العبوات كانت معدة لاستهداف مناطق آمنة وإثارة الفوضى، في محاولة واضحة لتقويض الاستقرار الذي بدأ يتشكل بعد تغيير النظام، وسط ترجيحات بوقوف عناصر مرتبطة ببقايا الأجهزة الأمنية القديمة وراء هذه الأنشطة التخريبية.
وتزامن الكشف عن مستودع العبوات الناسفة مع سلسلة من النجاحات السياسية والدبلوماسية التي حققتها السلطات السورية مؤخراً، وعلى رأسها بدء عملية رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على البلاد، وعودة سوريا إلى الحضور الإقليمي والدولي بعد سنوات من العزلة الخانقة. كما شهدت المرحلة الحالية انفتاحاً نسبياً في العلاقات مع عدد من الدول العربية والدولية، إلى جانب إحراز تقدم في جهود المصالحة الوطنية وبسط الأمن في معظم المناطق. ويُنظر إلى هذه الإنجازات على أنها خطوات مهمة نحو تثبيت الاستقرار وبناء مرحلة جديدة، وهو ما يُقلق فلول النظام السابق الذين يرون في هذا التحول تهديداً مباشراً لمصالحهم، ويدفعهم إلى تصعيد أعمال التخريب لعرقلة مسار الاستقرار وإعادة البلاد إلى مربع الفوضى.
وتأتي هذه التطورات بعد توتر أمني متصاعد شهدته منطقة الساحل مطلع مارس الماضي، عندما نفذت مجموعات مسلحة يُعتقد بأنها تنتمي إلى أجهزة النظام القديم، هجمات منسقة استهدفت دوريات وحواجز أمنية في ريف اللاذقية وطرطوس، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات، بينهم مدنيون وعناصر أمن. ووصفت السلطات هذه الهجمات بأنها "الأعنف منذ سقوط النظام السابق"، وأكدت أن تحقيقات مستمرة لكشف الجهة التي تقف وراءها، وسط مؤشرات على تلقي بعض العناصر تمويلاً ودعماً لوجستياً من أطراف خارجية، على رأسها إيران، التي لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة مع بعض القيادات الأمنية والعسكرية الموالية للأسد.
وبرغم الجهود المستمرة التي تبذلها القوات الأمنية في سوريا لضبط الأمن وملاحقة العناصر الخارجة عن القانون، إلا أن مصادر أمنية أكدت أن "بعض القيادات التابعة للنظام السابق، وخصوصاً في الساحل السوري، رفضت تسليم أسلحتها وفضلت التمرد، في محاولة واضحة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء". وتضيف المصادر أن هناك "تنسيقاً بين هذه العناصر وبعض الفصائل المدعومة خارجياً، من أجل ضرب الاستقرار الهش الذي بدأ يتشكل في البلاد".
وكانت الإدارة السورية الجديدة قد دشنت منذ ديسمبر الماضي برنامجاً لتسوية أوضاع عناصر النظام المخلوع، عبر مراكز منتشرة في مختلف المحافظات، لتشجيعهم على تسليم أسلحتهم والانخراط في الحياة المدنية أو الانضمام إلى مؤسسات الدولة الجديدة. ومع ذلك، رفضت فئات مؤثرة داخل الأجهزة القديمة الانخراط في هذه التسويات، وشرعت في تنفيذ عمليات تخريبية تمثل تحدياً مباشراً للسلطات.
ويأتي كشف مستودع المتفجرات الأخير ليؤكد من جديد أن التهديد لا يزال قائماً، خصوصاً مع استمرار وجود بنية تحتية سرية للفلول في بعض مناطق الساحل، حيث كان يتمتع النظام السابق بقاعدة شعبية وأمنية قوية. وتخشى مصادر محلية أن تعمد هذه المجموعات إلى تكرار سيناريوهات التفجير والاغتيال لإرباك المشهد، بالتوازي مع الجهود السياسية والدبلوماسية التي حققت بعض التقدم مؤخراً، خصوصاً في ما يتعلق برفع تدريجي للعقوبات الدولية وإعادة فتح بعض القنوات الخارجية أمام دمشق.
وبينما يشير مسؤولون إلى أن البلاد بدأت تلمس أولى خطوات الاستقرار، فإن هذه النجاحات لا تصب في مصلحة من تبقى من النظام السابق، ممن يرون في استمرار الهدوء تهديداً مباشراً لنفوذهم القديم. ويخشى مراقبون من أن يؤدي أي تراخٍ أمني إلى استغلاله من قبل هذه الفلول لإشعال الأوضاع مجدداً.
وفي هذا السياق، شددت وزارة الداخلية على أن "المؤسسات الأمنية ستواصل جهودها بلا هوادة، لحماية المواطنين من أي تهديد، وملاحقة كل من يحاول إعادة الفوضى إلى البلاد".
ورغم هشاشة المرحلة الراهنة، إلا أن الإرادة السياسية لدى السلطات الحالية، مدعومة بإرادة شعبية وغطاء إقليمي متنامٍ، قد تكون كفيلة بإفشال خطط الفلول، وترسيخ دولة جديدة خالية من الاستبداد والفساد، بعد أكثر من نصف قرن من حكم العائلة الواحدة.