معركة سماء جنوب آسيا

تُمثل المواجهة الجوية الأخيرة بين الهند وباكستان تطبيقا عمليا لفلسفة كلاوزفيتز حول الحرب كظاهرة معقدة تتجاوز مجرد الصدام المادي بين الأسلحة، لتصبح ساحة اختبار للفكر العملياتي، والتكامل بين المنظومات، واستغلال البيئة العملياتية لصالح تحقيق الإرادة السياسية.
ما حصل من نتائج في المعركة الجوية الأخيرة بين الهند وباكستان، أثبت بأن التكنولوجيا وحدها لا تحسم المعركة، رغم أن مقاتلات “رافال” الهندية تمثل قمة التطور الغربي في منظومة القتال الجوي، مزودة بصواريخ “ميتيور” ورادارات متقدمة، إلا أن سقوطها أمام الطائرة الصينية “J10C” في أول اختبار قتالي فعلي لها، كشف أن التفوّق النوعي لا يتحقق فقط بالمواصفات التقنية، هنا يتجلى مبدأ كلاوزفيتز في أن “الصدفة” و”الاحتكاك” هما جزء لا يتجزأ من واقع المعركة، فالعامل البشري، وكفاءة القيادة، والجاهزية، والتكتيك، كلها عوامل تحول الورق إلى نتائج على الأرض.
في ظل تعقيد البيئة العملياتية الحديثة في معركة سماء جنوب آسيا الأخيرة، التي شكلت تحديا تراكميا متعدد الأبعاد، بتداخل كثيف بين عناصر الاستشعار، والاتصالات، والحرب الإلكترونية، وتنوع التهديدات الجوية من طائرات مأهولة ومسيّرات وصواريخ كروز وباليستية.
◄ ما حصل من نتائج في المعركة الجوية الأخيرة بين الهند وباكستان كشف أن التفوّق النوعي لا يتحقق فقط بالمواصفات التقنية، هنا يتجلى مبدأ كلاوزفيتز في أن "الصدفة" و"الاحتكاك" هما جزء لا يتجزأ من واقع المعركة
تلك الظروف العملياتية المعقدة فرضت على القائد العسكري أن يدير معركة ليست خطية، بل ديناميكية، تتغير فيها مصادر التهديد وأولويات الرد بشكل لحظي، ما يتطلب قدرة عالية على جمع البيانات وتحليلها واتخاذ القرار السريع في ظل ضبابية الحرب و”الاحتكاك”. ففي فضاء هذه البيئة العملياتية المعقدة، لم يعد التفوق الجوي يُبنى فقط على قدرات الطائرات، بل أصبح رهينا بمدى التكامل بين الدفاعات الأرضية مثل منظومات (HQ9B) والقوة الجوية مقاتلات (J-10C)، إضافة إلى منظومات الإنذار المبكر والسيطرة الجوية.
هذا التكامل الذي أتقنته غرفة العمليات الباكستانية خلق “مركز ثقل” عملياتي يصعب على العدو اختراقه، حيث تتكامل الرادارات الأرضية مع الطائرات وأجهزة الاستشعار المحمولة جوا، في تنسيق عمليات الاشتباك والدفاع والهجوم بشكل شبكي ومتزامن، مع دعم من أنظمة القيادة والسيطرة الحديثة التي تختصر زمن اتخاذ القرار وتزيد مرونة الاستجابة، تلك المنظومة المتكاملة مثلت “العقل” الذي يدير “الجسد” متعدد الأطراف، ليحوّل التفوق التقني إلى نتائج ميدانية.
عمليا، دارت المواجهة الجوية على مسافة 160 كم، ضمن أجواء محمية بأنظمة دفاع جوي متكاملة، ما حول الاشتباك إلى صراع إلكتروني يعتمد على الرصد البعيد والضربات من خارج مدى الرؤية (BVR). وهنا برزت الفاعلية العملياتية للباكستانيين في دمج منظومات الإنذار المبكر (AWACS) مع مقاتلاتها وصواريخ PL-15 بعيدة المدى، لفرض منطقة حرمان جوي، مع توظيف تقنيات التشويش والتخفي، ما صعّب على القوة الجوية الهندية الاستفادة من قدرات الرافال المتقدمة وتحييد ميزات الرافال النظرية.
إلى هنا ينعكس ذلك التعقيد العملياتي والتكامل بين الموارد الأرضية والجوية جوهر فلسفة كلاوزفيتز: النصر ليس نتاج سلاح منفرد أو قرار فردي، بل ثمرة منظومة متكاملة قادرة على استيعاب الفوضى، وتحويلها إلى نظام فعّال يحقق التفوق في بيئة الحرب الحديثة المعقدة.
تُعيد هذه المعركة التأكيد على أن الحرب ليست مجرد سباق تسلح تقني، بل منظومة متكاملة من العوامل البشرية، والتكتيك، والبيئة العملياتية، فالنصر في عصر التكنولوجيا الفائقة لا يُحسم في مصانع السلاح، بل في عقل القائد، ومرونة المنظومة، وقدرتها على التكيف مع مفاجآت ساحة المعركة.