فصل جديد من التشاحن بين فرنسا والجزائر عنوانه 'الماك'

باريس - قررت محكمة الاستئناف في باريس الأربعاء عدم تسليم المعارض والعضو البارز في حركة تقرير مصير منطقة القبائل (الماك) أكسل بلعابسي بتهمة "أعمال إرهابية"، بينما قد تشكل هذه القضية أحدث فصول الشد والجذب والتشاحن السياسي بين فرنسا والجزائر.
ويأتي هذا القرار في غمرة تصعيد بين البلدين في إجراءات كان آخرها تبادل طرد دبلوماسيين، على خلفية أزمة لا يبدو لها نهاية قريبة.
ويبدو القرار ذو أبعاد قانونية وسياسية، اذ يعكس استقلالية القضاء الفرنسي ويحتمل أن يؤثر على العلاقات المتوترة بالفعل بين البلدين كما يسلط الضوء على اختلاف وجهات النظر حول حركة 'الماك'.
وفي إعلانه قرار المحكمة، قال رئيس غرفة تسليم المجرمين إن الطلب المقدم من السلطات الجزائرية "لا ينطبق". وصفق الحضور لمدة وجيزة في القاعة بعد صدور الحكم.
وقال جيل ويليام غولدنادل محامي بلعباسي "إنه لأمرٌ يبعث على الارتياح الكبير، إنه يوم جيد للقضاء الفرنسي. أستطيع القول إنه يوم حزين للقضاء الجزائري ولا مكان للعدالة في الجزائر طالما أن النظام الدكتاتوري الجزائري يواصل قمع مواطنيه، وخاصة شعب القبائل".
ويتهم القضاء الجزائري بلعباسي (42 عاما) بارتكاب 14 جريمة، تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام. وإذ ينص قانون العقوبات الجزائري على عقوبة الإعدام، لكنها لم تعد تُطبق بموجب تعليق مؤقت يسري منذ 1993.
والمعارض المقيم في فرنسا منذ 2012 ولم يعد إلى الجزائر منذ أغسطس 2019، متهم بأنه أوعز بإشعال الحرائق التي أودت بحياة 90 شخصا على الأقل ودمرت آلاف الهكتارات في 2021 في منطقة القبائل.
كما يُشتبه في أنه كان "المحرض" على قتل جمال بن إسماعيل (38 عاما)، الشاب الذي توجه لمنطقة القبائل خلال صيف 2021 للمساعدة في إطفاء الحرائق وساد الظن خطأ بأنه مُشعل الحريق.
وقال المعارض الجزائري خارج قاعة المحكمة "النضال مستمر لأننا لن نتوقف هنا"، مؤكدا أن "شعب منطقة القبائل بريء" من الاتهامات التي وجهها النظام الجزائري.
ويعكس هذا القرار استقلالية القضاء الفرنسي عن السلطة التنفيذية وعن أي ضغوط سياسية خارجية، فالقضاء الفرنسي ينظر في طلبات التسليم بناءً على معايير قانونية وإجرائية محددة، ويقيم ما إذا كانت الشروط القانونية للتسليم متوفرة.
وقد يعني الرفض أن القضاء الفرنسي لم يعتبر التهم الموجهة للعضو في حركة 'الماك' كافية أو مستوفية للمعايير القانونية الفرنسية للتسليم، خاصة في ما يتعلق بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع في الجزائر. وقد يكون هناك شكوك حول طبيعة التهم وما إذا كانت ذات دوافع سياسية.
ويمكن تفسير الرفض على أنه حماية من فرنسا للنشطاء السياسيين الذين قد يواجهون خطر الاضطهاد أو عدم الحصول على محاكمة عادلة في بلادهم. ولفرنسا تقليد في حماية اللاجئين والنشطاء الذين يعتبرون مهددين في أوطانهم.
ومن المرجح أن يزيد هذا القرار من التوتر في العلاقات بين فرنسا والجزائر خاصة وأن الأخيرة تعتبر حركة 'الماك' منظمة إرهابية وتطالب بتسليم أعضائها. وهذا الرفض قد يُنظر إليه في على أنه دعم ضمني للحركة.
ويشير هذا القرار إلى أن فرنسا، على الأقل على المستوى القضائي، لا تتعامل مع أعضاء حركة 'الماك' كإرهابيين بالضرورة. وتستضيف باريس أيضا زعيم الحركة فرحات مهني وتعتبر أنشطة الحركة سلمية وقانونية.
وفي ظل التوترات الحالية بين البلدين، قد يكون هناك أيضا بعد يتعلق بمبدأ المعاملة بالمثل في القرارات القضائية.