خطط سعودية للنهوض بالاستثمار في الصناعات الغذائية

هيئة مدن تعكف على تعزيز شبكة نشاط القطاع مع العمل على استقطاب كبرى الشركات العالمية.
الأربعاء 2025/05/14
مجال مولد للثروة والوظائف أيضا

مع تسارع خطوات رؤية 2030، تتبنى الحكومة السعودية خططا طموحة للنهوض بالاستثمار في الصناعات الغذائية عبر دعم البنية التحتية، وتحفيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الابتكار في التقنيات الزراعية والتصنيعية، بما يعزز مساهمتها في الاقتصاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

الرياض - تشهد السعودية تحولا إستراتيجيا في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتأتي الصناعات الغذائية في صميم هذا التحول، كونه ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد غير النفطي. وفي ظل التحديات العالمية في سلاسل الإمداد، تسعى السعودية إلى تعزيز اكتفائها الذاتي، وفتح آفاق جديدة أمام المستثمرين المحليين والدوليين لبناء منظومة غذائية متكاملة ومستدامة.

وكشفت هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن) الثلاثاء عن خطط توسيع أنشطة صناعة الغذاء عبر إقامة تجمعات صناعية جديدة وجذب كبرى الشركات العالمية لبناء أعمالها في البلاد. وبحسب الرئيس التنفيذي لمدن ماجد العرقوبي، تجري الاستعدادات للإعلان عن تجمعات صناعية جديدة في الغذاء وفي قطاعات أخرى لتتبع تدشين أول تجمع صناعي في جدة وتجمع آخر لصناعة الألبان تم إطلاقه مؤخرا في مدينة الخرج القريبة من الرياض.

وقال العرقوبي في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق على هامش المنتدى الاقتصادي السعودي – الأميركي الذي انطلق في مستهل زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض، إن “المشاريع تستهدف المساهمة في تحقيق إستراتيجية الأمن الغذائي وزيادة مساهمة الصناعة.”

وتحتل السعودية مكانة عالمية في مجموعة دول العشرين، ومركزا متقدما في معدل النمو الاقتصادي بفضل الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي يشرف عليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ أبريل 2016، بما في ذلك الزراعة والغذاء.

ودشنت الحكومة في نوفمبر الماضي أكبر تجمع صناعي للأغذية في الشرق الأوسط على مساحة تبلغ حوالي 11 مليون متر مربع بمدينة جدة. وقدّر وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف أن يصل حجم الاستثمارات في القطاع إلى 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار)، ما يعني مضاعفة حجم القطاع.

ومن المتوقع أن يستمر نمو القطاع مدفوعا بالحوافز التي تقدمها الحكومة للمستثمرين المحليين والأجانب، وفي ضوء تطوير وبناء المصانع، إضافة إلى مبادرات المحتوى المحلي وصنع في السعودية وتوطين الصناعات.

ماجد العرقوبي: نستعد لإطلاق تجمعات صناعية جديدة لإنتاج الغذاء
ماجد العرقوبي: نستعد لإطلاق تجمعات صناعية جديدة لإنتاج الغذاء

ويُعد الغذاء أحد المحاور الرئيسية لهذه الإستراتيجية، حيث خُصصت 4.5 مليار دولار على الأقل لقطاع الدواجن وحده. كما تسعى الحكومة إلى زيادة مزارع الفواكه والخضراوات والأسماك، وتخزن احتياطيات إستراتيجية من الغذاء لمواجهة الأزمات في المستقبل.

ولذلك فإن التصحّر قضية مزمنة للسعودية وللعديد من الدول في المنطقة العربية وأجزاء من أفريقيا، وهي مسألة حساسة لعلاقتها بتحقيق الأمن الغذائي للملايين من البشر.

ولدى البلد أراض واسعة صالحة لإنتاج الحبوب، كما تمتلك الأموال اللاّزمة لإنشاء قطاع زراعي متطوّر يستخدم أحدث التقنيات، لكن مناخها الحار والجاف في أغلب فترات السنة لا يسمح بالزراعة المعتمدة على الأمطار على غرار دول أخرى في المنطقة العربية.

ومن خلال الجمع بين التكنولوجيا المتطورة والزراعة وإدارة المياه، تسعى أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم إلى الاستجابة لأزمة المناخ مع تنويع اقتصادها للاستعداد لإمكانيات مرحلة ما بعد النفط.

وتستخدم الزراعة الصناعية كميات هائلة من المواد الكيميائية الموجودة في الأسمدة والمبيدات الحشرية التي تؤدي إلى إيجاد مناطق ميتة في المجاري المائية، وتضر بالتنوع البيولوجي وتزيد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تعزز الاحترار المناخي.

واعتبر العرقوبي أن الممكنات الموجودة بالقطاع الصناعي والموقع الإستراتيجي للبلد عوامل تجذب المستثمرين لاستكشاف الفرص في السوقين المحلية والإقليمية. كما يعد استخدام السعودية كمنصة لوجستية ومركز تصنيعي بهدف الحصول على حصة أكبر في السوق المحلي وأسواق الدول المجاورة.

والأمن الغذائي من أولويات أجندة التحول التي توشك على دخول مرحلتها الثالثة والأخيرة نهاية هذا العام، وأظهر تقرير عام 2024 بشأن أداء مؤشرات الرؤية ارتفاع مساهمة الزراعة من 29 مليار دولار في 2023 إلى 30.4 مليار دولار بنهاية العام الماضي.

وتعتزم ثلاث من أكبر الشركات السعودية المدرجة في قطاع إنتاج الأغذية، وهي المراعي والتنمية الغذائية والوطنية للتنمية الزراعية (نادك)، استثمار نحو 6.53 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

وتكتسب الخطوة أهمية خاصة بالنسبة للحكومة كونها تساهم في تعظيم دور القطاع الخاص في دعم الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاعات حيوية رئيسية.

53.3

مليار دولار حجم استثمارات قطاع الصناعات الغذائية، وفق بيانات وزارة الصناعة

كما تتجه السعودية إلى الخارج أيضا عبر الاستثمار في شركات إنتاج الدواجن مثل بي.آر.أف البرازيلية وأم.أتش.بي الأوكرانية، فضلا عن تشغيل مزارع في أريزونا وكاليفورنيا، وسعيها لشراء وحدة الأعمال الزراعية التابعة لمجموعة أولام غروب السنغافورية. وفي يناير الماضي، أطلقت السلطات مدينة للثروة الحيوانية بقيمة 2.4 مليار دولار، من المتوقع أن تصل إلى طاقتها الإنتاجية القصوى خلال 4 سنوات.

وتوقع عبدالله الغامدي، رئيس مجلس إدارة جمعية حفر الباطن التعاونية للثروة الحيوانية في تصريحات حينها، أن تلبي هذه المدينة 13 في المئة من الأمن الغذائي لبلد يضم 36.5 مليون نسمة.

تعتمد السعودية على المبادرات الخضراء لتطوير تربتها الصحراوية، ولكن بين الوعود التكنولوجية وقضية الغسيل البيئي، يبقى التحدي الحقيقي الذي تواجهه تلك الشركات الناشئة هو تحويل المشاريع التجريبية إلى حلول مستدامة في مواجهة حال الطوارئ المناخية.

وفي ديسمبر 2023 أطلقت السعودية مشروعا طموحا يعكس مساعي البلد لترسيخ الأنظمة الغذائية المستدامة في المدن المستقبلية، التي يتم بناؤها في إطار رؤية التحول الاقتصادي. وأعلنت شركة نيوم في ذلك الوقت عن إطلاق شركة نيوم للغذاء (توبيان)، والتي تهدف إلى إعادة تعريف طرق إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه.

وستعتمد توبيان على تطوير حلول مستدامة ومبتكرة عبر خمس ركائز أساسية؛ وهي الزراعة المقاومة لتقلبات المناخ، والاستزراع المائي المتجدد، والأغذية المستحدثة والتغذية المخصصة، والإمداد الغذائي المستدام، والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.

وتم إطلاق الشركة بدعم من وزارة البيئة والمياه والزراعة، والتي تتماشى مع أهداف الرياض لضمان الأمن الغذائي، والتقليل من آثار التغير المناخي، وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2060. وإضافة إلى صناعة الأغذية، لفت العرقوبي إلى أن قطاع التصنيع عامة نما بوتيرة مطردة خلال السنوات القليلة الماضية، ليبلغ عدد المصانع في المدن الصناعية التابعة للهيئة نحو 1400 مصنع.

11