أحزاب الموالاة تصعّد ضد الحكومة المصرية لترميم صورتها قبل الانتخابات البرلمانية

جدل في البرلمان حول مشروع قانون إيجار يمس ذوي الدخل المحدود.
الأربعاء 2025/05/14
الاستثمار الانتخابي في ذوي محدودي الدخل تكتيك مكرر

كسرت الأحزاب الموالية للسلطة المصرية قاعدة التماهي المطلق مع قرارات الحكومة، ومشاريع القوانين التي تطرحها، بمعارضة مشروع قانون مثير للجدل حول الإيجار القديم.

القاهرة - أثار تصعيد حزبي غير مسبوق في مصر ضد الحكومة بسبب تعديلات قانون الإيجار القديم، تساؤلات كثيرة حول المغزى من خطوة تبدو محاولة لتلميع صورة بعض الأحزاب السياسية، والتي تهاوت جماهيريتها بعد أن اعتادت الوقوف في صف السلطة، والدفاع عن تشريعات ضاعفت من الأعباء المعيشية للمواطنين.

ولأول مرة، تتفق أحزاب قريبة من السلطة على الوقوف ضد الحكومة في تشريع يمس حياة الملايين من المصريين، ويتعلق بتعديل القيمة الإيجارية للوحدات السكنية القديمة، في ظل انقسام شعبي حول مشروع القانون وعدم رضاء الطرفين (المستأجرون والملاك) على بعض المواد الموجودة في التشريع الجديد.

ويرى معارضون أن السخونة السياسية المرتبطة بتعديلات قانون الإيجار القديم تهدف إلى تلميع صورة الأحزاب والبرلمان، ليظهر كلاهما كمدافع عن المتضررين من توجهات الحكومة، وهي لقطة انتخابية بامتياز، مع اقتراب انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب (أغسطس ونوفمبر) ومحاولة كل حزب ترميم قواعده الشعبية.

ولم يُعرف عن حزب مستقبل وطن الذي يقدّم نفسه كظهير سياسي للحكومة، أن وقف ضد تمرير مشروع قانون أو يُصعّد اللهجة ضد جهة رسمية كما فعل مؤخرا منذ بدء مناقشة قانون الإيجار القديم، حيث استثمر قوته كصاحب للأغلبية البرلمانية في الوقوف بوجه الحكومة، معلنا رفضه تمرير القانون بصيغته الحالية.

واتخذت أحزاب متناغمة سياسيا مع الحكومة الموقف نفسه، وأصدرت بيانات إدانة ضد مشروع القانون، وعقدت جلسات لبحث الاستجابة للشريحة المتضررة من التوجه الحكومي، لدرجة أن حزب الجبهة الوطنية، كأحد أكبر القوى السياسية على الساحة، قال إن مشروع القانون يمهد لتشريد بعض الفئات الضعيفة من مساكنهم.

طلعت خليل: السخونة الحزبية من قبل بعض الكيانات لقطة انتخابية
طلعت خليل: السخونة الحزبية من قبل بعض الكيانات لقطة انتخابية

وأعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي الالتزام بما ستؤول إليه نقاشات مجلس النواب وستطبق النصوص التي يتم التوافق عليها، للإيحاء بأن الحكومة لا تملك سلطة التأثير على الأحزاب والبرلمان، ولا تستطيع تمرير رؤيتها التشريعية دون موافقتهما.

وجاء التصعيد ضد الحكومة بشأن رؤيتها التشريعية متأخرا، وقد لا تنجم عنه مكاسب للأحزاب والبرلمان، تستهدف تلميع صورتيهما، لأن الفرصة كانت مواتية في تشريعات وقرارات اقتصادية أخرى ارتبطت بعموم المواطنين ولم يُحرك أحدهما ساكنا، ونجحت الحكومة في تحويلها إلى أمر واقع.

ولأن الخاسر الأكبر من تمرير تعديلات قانون الإيجار القديم كبار السن وأصحاب المعاشات والبسطاء، وهؤلاء أهم رقم في المعادلة الانتخابية، فإن الأحزاب ترفض خسارة تلك الكتلة التصويتية التي يتم التعويل عليها في أيّ مشهد انتخابي، لذلك تصمم الأحزاب على كسب ود هذه الشريحة كقوة شعبية مؤثرة.

تشعر بعض الأحزاب داخل مجلس النواب أنها ما لم تُقدم على الظهور بشكل إيجابي قبل انتهاء فترة البرلمان الحالية بعد أشهر قليلة، ستجد نفسها في مواجهة مع الملايين من المواطنين الذين قد يُحجمون عن انتخاب أعضائها مجددا، وقد يكون استثمار الجدل المصاحب لقانون الإيجار القديمة فرصة أخيرة.

ومنذ تشكيل البرلمان المصري قبل أربع سنوات والسيطرة عليه من جانب أعضاء حزب مستقبل وطن مع مقاعد محدودة لأحزاب أخرى، وهو يتعرض لانتقادات بسبب التماهي المطلق مع الحكومة في قراراتها وسياساتها وتشريعاتها التي أثقلت كاهل المواطنين بأعباء مضاعفة، دون أن يكون له تدخل ينسجم مع نبض الشارع.

ويحظى مشروع قانون الإيجار القديم باهتمام شعبي، وكل شريحة تترقب ما سوف تؤول إليه النقاشات البرلمانية بعد تقديم الحكومة رؤيتها في مشروع قانون ينص على ألا تقل القيمة الإيجارية عن ألف جنيه شهريا (نحو 20 دولارا) مع إقرار زيادة سنوية في قيمة الإيجار بنسبة 20 في المئة، وهو ما يرفضه المستأجرون القدامى.

ويسمح مشروع القانون بإنهاء عقد الإيجار خلال خمس سنوات من تاريخ العمل بالتعديلات الجديدة، وهذا يعني أن صاحب العقار من حقه طرد المستأجر وعدم تمديد عقد الإيجار بشكل يرتقي إلى التهجير القسري، ما تراه الكثير من الأحزاب مقدمة لمواجهة بين طرفي الأزمة، ما يشكل خطورة مجتمعية وسط تحديات مصيرية.

وقال أمين عام حزب المحافظين والقيادي بالحركة المدنية المعارضة طلعت خليل إن السخونة الحزبية من قبل بعض الكيانات، إن كانت لقطة انتخابية، فالشارع أكثر وعيا، لأن بعض الأحزاب التي تقف بوجه الحكومة تماهت معها في تشريعات ضاعفت الأعباء، وقادت إلى مشكلة اقتصادية بسبب عدم التمسك بتصويب بعض المسارات.

◙ الجدل السياسي المتصاعد حول قانون الإيجار القديم وانشغال الأحزاب ومجلس النواب والحكومة به يبدو متعمدا

وأضاف خليل في تصريحات لـ”العرب” أن الأحزاب القريبة من الحكومة لو كانت فعلت نفس الموقف بتبني المطالب الشعبية، لما وصلت البلاد إلى تلك الأوضاع، وتحاول بعض القوى الحزبية الحفاظ على وجه الحكومة التي تقدمت بمشروع قانون سيء للغاية في ذروة غضب الشارع، ومحاولتها مطلوبة للحفاظ على السلم العام.

ويبدو الجدل السياسي المتصاعد حول قانون الإيجار القديم وانشغال الأحزاب ومجلس النواب والحكومة به متعمدا، بحيث يتم تعطيل مناقشة تشريعات أخرى لها أولوية سياسية، مثل القوانين التي على أساسها سوف تُجرى الانتخابات البرلمانية بعد أشهر قليلة وتحتاج إلى وقت كافٍ.

وتدعم الأحزاب المتناغمة مع السلطة استمرار النظام الانتخابي الذي أجريت على أساسه انتخابات البرلمان الحالي، وعدم إدراج تعديلات على قوانين الانتخابات بحجة ضيق الوقت، وهو ما ترفضه قوى المعارضة وتطالب بتأجيل بعض التشريعات الجدلية التي تشغل الحكومة والبرلمان عن إنجاز التشريعات الخاصة بالانتخابات.

وحال تحقق مراد الأحزاب والحكومة، فإن انتخابات البرلمان سوف تُجرى بنظام مختلط بين الفردي والقوائم المغلقة المطلقة، بواقع 50 في المئة لكليهما، بما يمنح الحق للأحزاب التي مع الحكومة أو ضدها، والمستقلين حق الترشح في النظامين، وهو ما ترفضه المعارضة لمنع إعادة إنتاج برلمان ليست له أنياب سياسية.

وتروق تلك الوضعية للكثير من الأحزاب التي تنتقد الحكومة حاليا وتنسجم معها طوال الوقت، لأنها ترغب في وجود قوانين انتخابية تسهل مهمة وصولها إلى مجلس النواب بتحالفات أو دعم غير مباشر من دوائر رسمية، لذلك لا يعنيها كثيرا تعديل قوانين الانتخابات، وتسعى لشغل نفسها والبرلمان والحكومة والشارع بتشريع ملغوم، مثل قانون الإيجار القديم.

وعلى مستوى نواب الأغلبية، يُدركون قيمة الظهور حاليا كمعارضين للحكومة في قانون يحظى باهتمام شعبي، لأن فترتهم الانتخابية قاربت على الانتهاء ويريدون ترميم قواعدهم الشعبية من خلال أداء شرفي، وإن جاء في اللحظات الأخيرة، بما قد يضمن لهم البقاء في المشهد خلال البرلمان المقبل، مهما كان النظام الانتخابي.

2