إطلاق سراح آلاف السجناء بالعراق يعيد شفافية العفو العام للواجهة

بغداد – أعاد إطلاق سراح الآلاف من السجناء في العراق بموجب قانون العفو العام الجدل حول شفافية تطبيقه ومعايير العدالة، خاصة في ظل ما تشهده السجون في البلاد من أوضاع متردية وانتهاكات.
وأعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي، اليوم الثلاثاء، إطلاق سراح أكثر من 19 ألف سجين بموجب قانون "العفو العام" المثير للجدل، بعد نحو أربعة أشهر من إقراره، مؤكدا استرجاع مبالغ مالية ضخمة في الوقت ذاته.
وذكر المجلس في بيان أن "رئيسه فائق زيدان عقد، اليوم الثلاثاء، اجتماعا ضم نواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية بحضور كل من رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي، وجرى خلال الاجتماع مناقشة نتائج تطبيق قانون تعديل قانون العفو رقم (27) لسنة 2016".
ووجه زيدان، بحسب البيان، بـ"عقد اجتماع موسع للجان المختصة بتطبيق القانون ومعالجة الإشكاليات والاجتهادات الناشئة عن ذلك، كما استعرض المجتمعون تقرير رئيس هيئة الاشراف القضائي عن نتائج تطبيق القانون من تاريخ 21 / 1 / 2025 ولغاية تاريخ 30 / 4 / 2025 حيث تبين أن عدد المطلق سراحهم بموجب القانون من المواقف والسجون من الموقوفين والمحكومين في جميع المحافظات (19.381) تسعة عشر الف وثلاثمائة وواحد وثمانون”.
وأضاف أن "العدد الاجمالي للمشمولين من المحكومين غيابيا والمتهمين المكفلين أو الصادرة بحقهم مذكرات قبض أو استقدام بلغ (93.597) ثلاثة وتسعون الف وخمسمائة وسبعة وتسعون".
وأشار إلى "استرجاع (11.941.456.992) مليار دينار، كذلك تم استرجاع (624.959) دولار أميركي و(770.000.000) ريال سعودي”.
عقب الإعلان عن عمليات الإفراج، تواترت تقارير إعلامية تشير إلى وجود انتقائية في تطبيق قانون العفو العام، حيث يتم إطلاق سراح السجناء وفقا لمعايير مالية وسياسية وطائفية.
وبحسب هذه التقارير، فإن العديد من المحكومين في قضايا جنائية كبرى كالفساد المالي والمخدرات والقتل والثأر العشائري قد تم إطلاق سراحهم بعد تنازل المشتكي أو تسوية أوضاعهم بدفع مبالغ مالية كبيرة أو عبر تدخلات عشائرية وسياسية نافذة، حيث تصل "كلفة" رفع ملف المحكوم إلى القضاء إلى 200 ألف دولار.
وتشير التقارير إلى أن السجون العراقية تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات، بينما لا يزال الآلاف من السجناء الذين أدينوا بناءً على اعترافات "المخبر السري" يقبعون في زنازينهم، في ظل غياب معايير واضحة وشفافة لتطبيق العفو.
وأكد النائب محمود القيسي وجود تباين كبير في أعداد المفرج عنهم بين السجون، مشيرا إلى أنه في سجن الحوت المكتظ بنحو 12.800 نزيل، لم يتم إطلاق سراح سوى 45 سجينا بموجب قانون العفو العام، كما نقل حالات لسجناء استوفوا شروط العفو بتنازل ذوي الضحايا، إلا أن طلباتهم قوبلت بالرفض أو التأخير دون مبررات واضحة.
ويتزامن الجدل حول تطبيق قانون العفو العام مع تجدد الاهتمام بملف السجون العراقية المتردي، وذلك بعد انتشار مقطع فيديو يظهر لحظات عنيفة وإهانات طائفية داخل سجن التاجي في بغداد، فيما بررت دائرة الإصلاح التابعة لوزارة العدل بأن أغلب الفيديوهات المنتشرة "قديمة"، إلا أن الحادثة أعادت إلى الواجهة قضية الاكتظاظ والتنكيل وسوء الأوضاع داخل السجون العراقية.
ويبلغ عدد السجون في عموم العراق 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم، وموقوف بجرائم جنائية أو إرهابية، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يعرف بسجن "سوسة" في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق، وهو مرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
ولا توجد إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب مائة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط حديث مستمر عن وجود سجون سرية غير معلنة.
وسبق لمجلس القضاء الأعلى في 21 فبراير الماضي أن وجه دائرة السجون بتنفيذ الإفراج الفوري عن المستحقين للعفو العام دون اشتراط اكتساب القرار الدرجة القطعية، إلا أن التطبيق العملي يشوبه الكثير من الانتقادات.
وحذر المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق في 14 فبراير الماضي، من احتمالية عودة بعض المفرج عنهم إلى الإجرام إذا لم يتم تأهيلهم ودمجهم في المجتمع بشكل سليم.
وكان مجلس النواب العراقي قد أقر تعديل قانون العفو العام في 21 يناير الماضي ضمن حزمة "قوانين جدلية" أخرى، وقد أثار القانون منذ إقراره جدلا واسعا بشأن شموله لبعض المتهمين بجرائم خطيرة وإمكانية إفلاتهم من العقاب. وقد كشفت مصادر برلمانية آنذاك أن القانون قد يشمل أكثر من 57 ألف معتقل.
سبق للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب أن كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، عن وفاة نحو 50 معتقلا في السجون العراقية نتيجة التعذيب والإهمال الطبي خلال عام 2024، مما يسلط الضوء على خطورة الأوضاع داخل هذه السجون.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير، ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية خاصة تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
وكشفت تقارير محلية عن الانتهاكات وإدخال الممنوعات لداخل السجون، حيث وصل سعر النقال 3.5 ملايين دينار والرصيد بـ7 أضعاف.