رفض شيعي وتهديدات أمنية تُبقي الشرع بعيدا عن قمة بغداد

غياب الشرع يكشف عن تباين جهود سوريا الإقليمية، فرغم تقدم العلاقات مع السعودية وقطر، إلا أنه لا يزال حذرا مع العراق بسبب الماضي الحساس.
الثلاثاء 2025/05/13
الذاكرة العراقية تمنع حضور الشرع

بغداد/دمشق - ذكرت وسائل إعلام سورية رسمية الاثنين أن الرئيس أحمد الشرع لن يحضر القمة العربية في بغداد مطلع الأسبوع المقبل، وذلك بعد أن تسبب إرسال العراق دعوة إليه للحضور جدلا بشأن آفاق عودته إلى بلد قاتل وسجن فيه قبل أن يصير زعيما لبلاده.

وأفادت قناة الإخبارية التابعة للدولة أن وزير الخارجية أسعد الشيباني سيرأس وفد سوريا إلى القمة المقرر انعقادها السبت المقبل دون إبداء سبب لغياب الشرع. ومن المتوقع أن تركز القمة على إعادة إعمار غزة والقضية الفلسطينية.

وقد سبقت هذا الإعلان تقارير متضاربة حول محاولات عراقية لثني الشرع عن قراره، ففي وقت سابق الاثنين، انتشرت أنباء عن إجراء رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، اتصالا هاتفًا بالرئيس الشرع لإقناعه بحضور القمة، وهو ما سارعت الحكومة العراقية إلى نفيه بشدة.

وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في بيان رسمي إن "الأخبار التي تُنسب لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني والحكومة بشأن هذا الموضوع عارية عن الصحة، وتهدف إلى تضليل الرأي العام وتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العليا للعراق".

وناشد العوادي وسائل الإعلام توخي الحذر في تداول الأخبار غير الدقيقة، مؤكدًا احتفاظ الحكومة بحق مقاضاة أي جهة تتعمد التضليل.

يسلط قرار الشرع بعدم حضور قمة بغداد الضوء على التحديات والتباين في نتائج جهود سوريا لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد نهاية العام الماضي.

فبينما حقق الشرع بالفعل تقدما سريعا في هذا الصدد مع السعودية وقطر، إلا أنه يتخذ خطوات بحذر أكبر في التعامل مع دول أخرى كان لإيران فيها نفوذ قوي وفي مقدمتها العراق.

ويعود هذا الحذر جزئيا إلى ماضي الرئيس الشرع المثير للجدل في العراق، حيث كان يقاتل مع تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في 2003. وأفاد مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى بأن الشرع سجن هناك لأكثر من خمس سنوات قبل الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة في 2011.

وبعد عودته إلى سوريا، أسس الشرع فرعًا لتنظيم القاعدة ثم انفصل عنه لاحقًا في عام 2016 ليؤسس هيئة تحرير الشام، التي قادت في نهاية المطاف الإطاحة بالأسد.

وتلقى الشرع دعوة من رئيس الوزراء العراقي الشهر الماضي لحضور القمة، وهو ما أثار انتقادات من فصائل يغلب عليها الشيعة تتهمه بتدبير هجمات ضد الشيعة خلال السنوات التي قضاها في العراق.

وهاجم حزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي السوداني في 20 أبريل الماضي بشدّة قرار السوداني دعوة الشرع إلى القمّة، بينما لوّحت ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي باعتقال الشرع في حال قدومه إلى بغداد كونه بحسب الميليشيا محلّ ملاحقة من قبل القضاء العراقي باعتباره قياديا سابقا في جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة.

وقال المالكي في تصريح صحافي الاثنين "أرفض زيارة الشرع جملة وتفصيلاً، وقلت ذلك في أكثر من مناسبة. مجيئه إلى بغداد في هذا التوقيت الحساس لا يصب في مصلحة العراق".

وقدم ما لا يقل عن 57 نائبا شيعيا من أصل 329 نائبا في البرلمان العراقي التماسا إلى الحكومة لمنع الشرع من حضور القمة. وانتشرت شائعات بأنه قد تصدر بحقه مذكرة اعتقال، لكن السلطات العراقية نفت ذلك.

وعلى الجانب الآخر، قوبلت دعوة الشرع للمشاركة في القمة بترحيب إلى حد كبير من سياسيين سنة بوصفها خطوة نحو إبعاد العراق عن إيران وتقريبه من الدول العربية التي دعمت الشرع كثيرا.

وقال رعد الدهلكي رئيس تحالف عزم، وهو كتلة سنية كبيرة في البرلمان العراقي، إن هناك عوامل من شأنها تقويض تقدم العراق نحو استعادة مكانته الصحيحة داخل المجتمع العربي.

ويرى محللون أن العراق آخر الدعائم القوية فيما تسميه إيران محور المقاومة، لاسيما بعد الإطاحة بالأسد ونيل إسرائيل من حزب الله في لبنان وحماس في غزة.

كما عبر بعض السوريين عن قلقهم من احتمال أن يواجه الشرع خطرا في العراق.

وقال المحلل محمود الطرن المقرب من الحكومة السورية إن منتقدي الشرع في العراق "لن يكون من السهل عليهم استيعاب هذه التهديدات، ولن تتجاهلها المخابرات السورية".

وتُعقد القمة العربية هذا العام تحت شعار "حوار وتضامن وتنمية"، وسط تطلعات عربية لرسم خارطة طريق مشتركة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك.

 ويأتي غياب الرئيس الشرع عن هذه القمة في ظرف إقليمي ودولي بالغ الحساسية، مما يجعله محط أنظار المراقبين والمحللين السياسيين على الصعيدين المحلي والإقليمي، ويثير تساؤلات حول مستقبل الدور السوري في المنطقة ومسار عودته إلى الحضن العربي.