خطوات تصعيدية جديدة تهدد بالقطيعة بين الجزائر وفرنسا

اتهام باريس لقيادات سياسية وأمنية جزائرية بأعمال عدائية يئد فرص التطبيع.
الثلاثاء 2025/05/13
أزمة تمهد لقطيعة محتومة

الجزائر - مقابل تقرير صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" الذي يتهم شخصيات مدنية وعسكرية في هرم السلطة الجزائرية بملاحقة المعارضين في فرنسا وارتكاب أعمال منافية للأعراف الدبلوماسية، قررت الجزائر ترحيل عدد جديد من الموظفين الدبلوماسيين الفرنسيين، وتتجه الأزمة التي مرت عليها تسعة أشهر كاملة، إلى المزيد من التعقيد واستنفاد فرص التسوية تدريجيا، ليكون البلدان أمام قطيعة محتومة.

وأوردت صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية تقريرا تضمن معلومات في غاية الخطورة، حصلت عليها حسب معد التحقيق الصحافي الفرنسي – الجزائري محمد سيفاوي، من مصادر مسؤولة في باريس والجزائر، ومن تقارير استخباراتية وأمنية سرية ووثائق إدارية، حول ضلوع شخصيات في هرم السلطة الجزائرية بملاحقة معارضين سياسيين ومدونين مستقلين في فرنسا.

وأشارت إلى وقوف شخصيات مسؤولة في هرم السلطة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية وقيادة جهاز الاستخبارات، وذكرت بالاسم الرئيس عبدالمجيد تبون، مدير ديوان الرئاسة بوعلام بوعلام، اللواء جبار مهنا الذي كان يقود دائرة الأمن الخارجي سابقا، ومدير الأمن الخارجي الحالي اللواء رشدي فتحي موساوي، وراء عمليات ملاحقة ومحاولات اختطاف وحجز، وهو ما يعتبر انتهاكا صريحا لأعراف العمل الدبلوماسية الرسمية.

قضية اختطاف واحتجاز المدون الجزائري المعارض أمير بوخرص منحت جرعة إضافية للأزمة القائمة بين البلدين

وكانت قضية اختطاف واحتجاز المدون الجزائري المعارض، الحاصل على صفة اللجوء السياسي في فرنسا أمير بوخرص (أمير دي زاد)، قد منحت جرعة إضافية للأزمة القائمة بين البلدين منذ تسعة أشهر، بعدما تم فتح الملف مجددا، وتوقيف ثلاثة أشخاص تم سجنهم على ذمة التحقيق، اثنان منهم يحملان الجنسية المزدوجة، والثالث موظف في قنصلية جزائرية بباريس.

وذكر تقرير الصحيفة المملوكة لتيار اليمين المتطرف، أن “التحقيق والمعلومات المتوفرة لديها أفضت إلى تورط السلطة العليا في البلاد، في مخطط ملاحقة الناشطين ومحاولات التصفية التي استهدفت أمير بوخرص، عبدالرحمن سمار، وهشام عبود، وتعبئة وعائها لإجهاض الحركات الاحتجاجية المناهضة لها بواسطة التهديد والعنف”. 

وتلتزم السلطات الجزائرية الصمت إلى حد الآن، فلم يصدر عنها أي تعليق أو موقف صريح تجاه المساس برموزها في هرم القيادة السياسية والعسكرية، لكن متابعين لتطورات الأزمة يرون أن الاتهامات المذكورة هي التي ستقطع أي أمل في تطويق التصعيد بين البلدين، ولا يستبعد أن تسقط في مطب القطيعة النهائية.

ولفت التقرير إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق له أن طلب رفع الغطاء الدبلوماسي عن بعض الموظفين في السفارة والقنصليات لفتح المجال أمام القضاء للتعاطي مع الشبهات التي تطالهم، وأن سكرتيرا أول في السفارة الجزائرية بباريس، ونائب قنصل ضاحية كريتاي الباريسية، ضالعان في الملف ويستوجب التحقيق معهما لتفكيك فصول القضية.

ويعرف عن الصحافي الفرانسي – الجزائري الذي أعد التقرير محمد سيفاوي، بمواقفه المعارضة للسلطة، والمناهضة لقيم وثوابت يتبناها قطاع عريض من أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا، ويعد واحدا من تيار سياسي وأيديولوجي متطرف، كما هو الشأن بالنسبة لبوعلام صنصال، وكمال داود، بما في ذلك التضييق على الممارسات الدينية للمسلمين، والتشدد في فرض الاندماج الكلي على المهاجرين.

متابعون لتطورات الأزمة يرون أن الاتهامات المذكورة هي التي ستقطع أي أمل في تطويق التصعيد بين البلدين، ولا يستبعد أن تسقط في مطب القطيعة النهائية

وبالموازاة مع ذلك، تكتفي الجزائر إلى حد الآن بقرار ترحيل عدد جديد من الموظفين الدبلوماسيين الفرنسيين في الجزائر، ويبلغ عددهم 15 عنصرا، اثنان منهم يحملان صفة أمنية، ويتبعان لإدارة وزير الداخلية، وهو ما يعتبر خطوة تصعيدية جديدة، قد تندرج في إطار تفاقم الأزمة بين البلدين، ولا يستبعد أن ترد فرنسا عليها بالمثل.

وذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أنها “علمت من مصادر مطلعة بأن القائم بالأعمال بسفارة الجمهورية الفرنسية لدى الجزائر قد تم استقباله بمقر وزارة الشؤون الخارجية. ويأتي هذا الاستدعاء في أعقاب تسجيل تجاوزات جسيمة ومتكررة من قبل الجانب الفرنسي، تمثلت في الإخلال الصريح بالإجراءات المعمول بها والمتعارف عليها في مجال تعيين الموظفين ضمن التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية المعتمدة لدى الجزائر”.

وأضافت “خلال الفترة الأخيرة، رصدت المصالح المختصة تعيين ما لا يقل عن خمسة عشر موظفا فرنسيا لمباشرة مهام دبلوماسية أو قنصلية فوق التراب الجزائري، دون أن تستوفى بشأنهم الإجراءات الواجبة، المتمثلة في الإبلاغ الرسمي المسبق أو طلب الاعتماد، كما تقتضيه الأعراف والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.

وتابعت “هؤلاء الموظفون الذين كانوا في السابق يحملون جوازات سفر لمهمة، قد أسندت إليهم جوازات سفر دبلوماسية قصد تسهيل دخولهم إلى الجزائر. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن القائمة ذاتها ضمت موظفين اثنين تابعين لوزارة الداخلية الفرنسية، كان يعتزم أن يعملا على تأدية جزء من مهام من تم إعلانهم مؤخرا أشخاصا غير مرغوب فيهم”.

ولفتت إلى أن هذه الممارسات المخالفة جاءت في ظرف تشهد فيه العلاقات الثنائية عراقيل أخرى تمثلت من جهة، في رفض متكرر لدخول حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية إلى الأراضي الفرنسية، ومن جهة أخرى، في تعطيل مسار اعتماد قنصلين عامين جزائريين معينين بباريس ومرسيليا، إلى جانب سبعة قناصل آخرين لا يزالون في انتظار استكمال إجراءات اعتمادهم منذ أكثر من خمسة أشهر.

4