انتصار عبدالمنعم لـ"العرب": أكتب لأستأنس بوجود الطيبين من حولي

جيل جديد من الكتاب العرب يملك الوعي بأهمية مرحلة الطفولة وخطورتها.
الثلاثاء 2025/05/13
إن لم نكتب عن القضايا الشائكة سيقرؤها أطفالنا من غيرنا

تتنقل الأديبة المصرية انتصار عبدالمنعم في كتاباتها للأطفال والكبار بين عوالم متنوعة، تتراوح بين القصة والرواية والتراث، وتفعل ذلك بخفة ومهارة، وتلامس معاناة أبطالها وإخفاقاتهم، وتحررهم من أزماتهم، وتجعل لهم صوتا خاصا. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتبة حول قضايا مختلفة.

القاهرة- قدمت الكاتبة انتصار عبدالمنعم أكثر من عشرين كتابا في مختلف مراحل الطفولة، ولها تجربة لافتة في عقد ورش الحكي داخل المساجد الكبرى، والكتابة ضمن سلسلة رؤية للنشء التي تصدر بالتعاون بين وزارتي الثقافة والأوقاف المصريتين،وصدرت لها خمس كتب في السلسلة في مجال استعانة وزارة الأوقاف بالكُتّاب في برامجها التثقيفية الموجهة للأطفال.

في حوارها مع “العرب” ترى انتصار عبدالمنعم أن الكتابة للطفل ليست سهلة، وهناك فئة تكتب للأطفال بغرض التواجد على الساحة معتمدة على شهرة أصحابها في مجال آخر، فالكتابة للطفل أو عنه صعبة، فهو ذلك الكيان المتحول والمتغير منذ لحظة الميلاد، وطوال حياته تتوسع اهتماماته متجاوزة إشباع حاجاته البيولوجية إلى محاولة فهم ما حوله وإدراكه وتكوين علاقات جديدة.

من وحي البيئة

يتطلب الفهم الصحيح لهذه المراحل مواكبة العصر الذي يعيش فيه الطفل، فطفل الأمس كان يقنع بحكاية قبل النوم تحكيها له الأم عن الطفل المهذب الذي يسمع كلام الكبار، وما نشهده الآن من تدفق معلوماتي وانفتاح على التكنولوجيا الحديثة غيّر متطلباته.

ونتيجة لذلك ظهر جيل جديد من الكتّاب لديهم الوعي بأهمية مرحلة الطفولة وخطورتها، ويملكون من الموهبة ما يمكنهم من كتابة أعمال يظهر فيها هذا الوعي، ونالوا بها ثقة الآباء والأمهات ليجعلوها في أيدي أطفالهم، وحصدوا بها جوائز أيضا.

للكاتبة انتصار عبدالمنعم أكثر من ثلاثين عملا في صنوف الأدب المتنوعة، للكبار من رواية وقصة وفولكلور ودراسات، وللصغار في مراحل الطفولة المختلفة.

تقول “كل كتاب له منزلة قريبة من نفسي، وهذا التنوع ليس قرارا واعيا من الكاتب، فالفكرة عندما تأتي تقولب نفسها في القالب المناسب لها، وتختار القارئ المستهدف منها، وعلى الكاتب اختيار الطريقة المناسبة للتعبير عن فكرته، والإبداع يأتي نتيجة وعيه بما يريده، وفهمه للمتلقي الذي يريد أن يصل إليه، ويختار الوسيلة المناسبة للتعبير.”

وتضيف لـ”العرب” في أحيان كثيرة يكون للمجتمع المحيط بالكاتب دور في تناول فكرة ما، واختيار الفئة المستهدفة، “ولي تجربة واقعية بحكم عملي الرسمي كمعلمة لغة إنجليزية في مدرسة فتيات في مدينة إدكو الساحلية التي تنتشر فيها مزارع النخيل وغيرها، فبينما كنت أقدم درسا من المقرر الدراسي جاء ذكر القنفذ، تفاجأت أن كثيرا من البنات يعتقدن أن القنافذ كائنات مفترسة ومؤذية، وفتاة منهن والدها لديه مزرعة عندما يجد بها قنافذ يقوم بقتلها فورا، فطلبت من الفتاة أن تبلغ والدها أنّي أستأذنه عندما يجد قنفذا ألا يقتله ويرسله لي، وكان طلبا غريبا، لكن مساحة الثقة التي تميز علاقتي بالطالبات وأولياء أمورهن جعلت الوالد يرسل لي قنفذا وأمسكتُ به أمام الجميع لأعلمهن أنه غير مؤذ.”

وهذا الموقف ولّد فكرة كتاب “من زرع الشوك فوق ظهري”، ثم كتاب “من يشبهني”، فالبطل فيهما قنفذ اسمه “روتي” ومن خلاله تم تقديم قيم سامية، مثل الحفاظ على الطبيعة والتعايش مع الآخر وتقبل الاختلاف.

من هذه البيئة  أيضا جاءتها فكرة كتاب “عندما كنت فراشة”، والتي تناولتها في كتابها “حرف الأجداد مستقبل الأحفاد”، فالكتابة في عمومها عالم تعيش فيه، وفي كل مرة يتشكل بهيئة جديدة تناسب القارئ الذي تريد الوصول إليه، ولا تفضيل لديها لنوع على آخر إلا في مدى ملاءمته لما تريد كتابته، وفعل الكتابة نفسه هو ما يروق لها، ولذلك تردد دائما مقولة “روعة أن تكون كاتبا” واتخذت منها هاشتاغ يخصها.

وفي ردها على سؤال لـ”العرب” هل تكتب ما يمليه عليها عقلها وتجربتها في الحياة، أم ما يفضله الأطفال؟ فتجيب “لديّ منهاج واحد أقدمه في كتاباتي للطفل، أقدمه بطرائق مختلفة تناسب الفئة العمرية التي أوجه لها العمل، في كل عمل تظهر وبطرق غير مباشرة قضايا كبرى، مثل الحفاظ على البيئة والتعايش مع مخلوقاتها، وقبول الآخر، وتقبل الاختلاف وثقافة التطوع.”

وتؤكد أن الكتابة للأطفال ذوي الهمم أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المختلفين عموما، أو من يتعرضون للتنمر أمور بات التطرق إليها أمرا هاما في عالمنا العربي، وفي الوقت ذاته ليس هناك الكثير من المؤلفين يطرقون هذا الباب كثيرا.

◄ التحول الرقمي في أدب الطفل جاء كأمر حتمي لجذب انتباه الأطفال، وتطبيقات القراءة أتاحت الفرصة لتواجد كتب متنوعة

وتلفت في حوارها مع “العرب” إلى قصة “خمسة ناقص واحد” ودون ذكر كلمة كفيف أو أعمى، تدور القصة عن طفل فاقد لحاسة البصر وعلاقته بمن حوله وكيف أن فقده لحاسة البصر جعله يستخدم حواسه الأخرى في فهم  ما يدور حوله وإدراكه، وفي “أريد أن أكون نملة” الفائز بجائزة مسابقة دار المعارف ووزارة الشباب والرياضة، تعالج الأم مشكلة التنمر التي تتعرض لها ابنتها في المدرسة بفهمها للطبيعة وسلوك النمل النشط.

على مدار عام كامل كتبت انتصار باب “قصص من أفريقيا” في مجلة “نور” للأطفال، وكانت أول مرة تهتم مجلة للأطفال بتقديم باب يتعرف الأطفال من خلاله على قصص الأطفال في دول قارة أفريقيا.

ومن خلال الباب قدمت عشر قصص لم تتم ترجمتها من قبل إلى اللغة العربية، وقامت بترجمتها عن الإنجليزية، ثم كتبت باب “انتصار فتاة من إدكو” وهذه أول مرة أيضا تقدم مجلة للأطفال بابا يحمل اسم الكاتب ومدينته، احتفاء بالفتيات في كل مكان، وتشجيعا لهن على تحدي كل الصعاب، وعلى مدار 12 حكاية قدمت قضايا لم يتم تناولها من قبل في مجلة للأطفال مثل “ختان البنات”.

وكلمة “انتصار” إن كانت نفسها اسم الكاتبة، إلا أنها تشير إلى أيّ فتاة تنتصر على التحديات، مثل تلك القادمة من مدينة صغيرة اسمها إدكو، ترمز إلى الوطن الأكبر بطموحات أفراده ولاسيما الفتيات في مرحلة التكوين الأولى.

يختلف مفهوم القضايا المسكوت عنها وتناولها في أدب الطفل بقولها إنه في عصر الذكاء الاصطناعي والإنترنت لم يعد هناك ما نعتبره شيئا مسكوتا عنه، فإن لم نكتب عن هذه القضايا، سيقرأ أطفالنا ما كتبه غيرنا عن نفس الموضوع، وهنا مكمن الخطورة، فمن الأفضل أن نتناول هذه الأمور بالطريقة المناسبة للمراحل العمرية المختلفة، وبما يتلاءم مع قيم المجتمع وأخلاقه، فليس من المقبول أن نتجاهل الكتابة عن التغيرات النفسية والجسدية في مرحلة البلوغ لدى الأطفال في مرحلة المراهقة، في نفس الوقت يجد فيه نفس المراهق كتبا وأفلاما كارتونية وسينمائية تناقش قضايا التحول الجنسي من وجهة نظر لا تناسب قيمنا ولا أخلاقيات مجتمعنا، وكل هذا مرتبط بالدين الذي يشكل الخلفية التي تنطلق منها أحكامنا القيمية كلها.

وبعض الكُتاب في أدب الطفل يستمعون إلى رغبات أولياء أمور الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي، ويكتبون ما يرغبونه من قضايا يريدون أطفالهم أن يقرأوا عنها رغبة في بيع أعمالهم وانتشارها، وتلبية لذائقة الجمهور.

وتعتقد الأديبة المصرية أن هذا أمر طيب إلى حد ما، فالتفاعل بين الكاتب وأولياء الأمور يزيد الكاتب وعيا باهتمامات الطفل ويساعده على رصد سلوكياته، لكن عند الكتابة يجب على الكاتب أن يبدع ويتبع تقنيات الكتابة المناسبة للفكرة التي رشحها له أولياء الأمور، لا أن يكتب منطلقا من السلطة الأبوية في النهي والتحذير والنصح المباشر، الأمر كله يتوقف على تقنيات الكتابة ووعي الكاتب، ورغبته في انتشار عمله شيء طبيعي يؤمّن له دعما معنويا وماديا يتكسب منه كأي إنسان صاحب حرفة.

عقول اصطناعية

يثار من وقت إلى آخر جدل حول أن كثيرا من دور النشر المهتمة بأدب الطفل وضعت معايير للكتابة والرسم، وترفض بحدة في شروط استقبالها للأعمال، أن المؤلف أو الرسام يلجأ إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، وهناك برامج خاصة تكشف ذلك بسهولة، ورغم ذلك يتوقع البعض أنه سيأتي الوقت وتقبل هذه الدور أي الإبداع الاصطناعي، إذا جاز التعبير.

في تعليقها على ذلك تقول انتصار عبدالمنعم لـ”العرب” لن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان الكاتب أو الرسام، لكن سيستخدمه الإنسان لكتابة عمل أو تنفيذ الرسوم، وهذا الاستخدام قد يكون معينا على أداء العمل ذاته بما يضمن للعمل بشريته وتظهر فيه شخصية الكاتب والفنان.

وقد يكون العمل منتحلا بالكامل، كأن يلجأ من لا يجيد الكتابة مثلا إلى إعطاء أوامر جيدة للذكاء الاصطناعي، ويحصل على عمل من اقتراحه لكنه بأسلوب منتحل من كل ما تغذى به الذكاء الاصطناعي، وهذا يفقد العمل شيئا مهما يستشعره القارئ الطبيعي، أما لو طغى هذا النوع من الكتابة سنجد أنفسنا أمام جيل من الكتاب والقراء بأجساد بشرية لكن بعقول وذائقة اصطناعية.

في السنوات الماضية، حدث ارتفاع في أسعار الكتب الورقية في أدب الطفل بشكل يفوق ميزانية الكثير من الأسر، ولذلك يلجأ البعض إلى التطبيقات الإلكترونية التي تنشر القصص والروايات للأطفال واليافعين، الأمر الذي يهدد وجود الكتاب الورقي.

وهذا الأمر تؤكده الكاتبة المصرية قائلة “بالطبع سعر الكتاب الورقي يمثل تحديا كبيرا في مثل هذه الظروف الاقتصادية، وما نشهده من تدفق معلوماتي، وانفتاح الطفل على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لم يعد الكتاب الورقي يرضي شغفه ولا يلفت انتباهه.

وتؤكد أن التحول الرقمي في مجال أدب الطفل جاء كأمر حتمي لجذب انتباه الأطفال، وأتاحت تطبيقات القراءة الإلكترونية الفرصة لقراءة الكتب المتنوعة على الموبايل أو شبكة الإنترنت، باشتراك زهيد، وأحيانا بصورة مجانية، وهي وسيلة جيدة خاصة مع ارتفاع أسعار الكتب الورقية، وتتيح للطفل القراءة بنفسه أو سماع القصة، مع وجود الصور التوضيحية الجذابة.

وتوضح أن دور النشر تحرص على تحويل إصداراتها الورقية إلى نسخ رقمية وعرضها على تلك التطبيقات كي تعوّض تراجع مبيعات الكتاب الورقي وللوصول إلى شريحة أكبر من الناس خاصة من جيل الشباب.

وفي تعليقها على أداء الحركة النقدية لأعمال أدب الطفل، وهل يؤثر ذلك على انتشار اسم المؤلف، تقول عبدالمنعم في حوارها لـ”العرب”، “يوجد نقد، لكن لا نستطيع أن نطلق عليه ‘حركة‘، فالحراك يعني الديناميكية والتطور وهذا ما نفتقده بالفعل، أما المتواجد الآن يمكن أن نصنفه على نوعين، الأول ‘نقد حميمي‘ ويختص بأعمال دائرة الأصدقاء، والآخر ‘نقد التكليف‘ ويرتبط بالمؤتمرات والندوات ويكون بالطلب أو بالقطعة، ومن لا ينتمي إلى ‘جماعة أصدقاء‘ لن يكتب أحد عن عمله ولن يلتفت إليه أحد، وأطلق عليهم مسمّى ‘يتامى الوسط الأدبي‘، فلا شلة لهم ولا واسطة، وأنا أنتمي إلى هؤلاء.”

حصدت الكاتبة عدة جوائز داخل مصر وخارجها، منها جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، وجائزة سلسلة الكتب الثقافية للأطفال لمكتب التربية العربي لدول الخليج 2012، وجائزة إحسان عبدالقدوس في القصة 2010، وجائزة دكتور عبدالغفار مكاوي عن المجموعة القصصية”عندما تستيقظ الأنثى” 2011، وفازت روايتها “كبرياء الموج” بجائزة الرواية في اتحاد كتاب مصر “يوسف أبورية” 2018، وجائزة “أنت مسؤوليتنا” للأطفال التي أقامتها وزارة الشباب والرياضة ومؤسسة دار المعارف 2021، وتمت ترجمة بعض كتبها إلى الفرنسية والإسبانية والإنجليزية.

التحول الرقمي في أدب الطفل جاء كأمر حتمي لجذب انتباه الأطفال، وتطبيقات القراءة أتاحت الفرصة لتواجد كتب متنوعة

وفازت الأديبة المصرية بجائزة عبدالحميد شومان لأدب الطفل لعام 2024 عن روايتها “الفتي الألماني في إجازة”، عن أدب المغامرات، وتوجت بكونها سفيرة للجائزة، ويقع مقر المؤسسة في عمّان بالأردن.

وتقول الأديبة المصرية الفوز بجائزة شيء مبهج لأيّ كاتب، ويكون للفوز مذاقه الفريد إن جاء على غير توقع، ويصبح الفوز شيئا فارقا لو تسلم الكاتب الجائزة في احتفالية كبيرة لها مراسيم وبروتوكول بحضور السفراء والوزراء، هذا ما شعرت به وأنا أتسلم الجائزة من الأميرة “سمية بنت الحسن” وسط هذا الجمع الفريد.

ولم أتوقع الفوز بالجائزة  بعدما أشيع أن من الصعب الفوز بها، فعلى مدار تاريخ الجائزة التي انطلقت عام 2006، فاز 47 كاتبا، لم يكن بينهم إلا ثلاثة من الكتاب المصريين.

12