الفضة بديل آمن للأردنيين لتفادي تآكل مدخراتهم

تقف الفضة في الأسواق الأردنية على أعتاب تحول لافت في أدوارها الاقتصادية والاجتماعية، متقدمة بثبات نحو عرش لطالما احتكره الذهب لعقود، مما جعلها بديلا آمنا بالنسبة إلى الكثيرين لتفادي تآكل مدخراتهم في ظل الصعوبات المعيشية بفعل التضخم وكثرة الالتزامات.
عمّان - تفتح الفضة لنفسها مسارًا جديدًا في الأردن بينما تواصل أسعار الذهب تسجيل مستويات قياسية تفوق قدرات الكثيرين، ليس فقط كمعدن صناعي أو وسيلة ادخار، بل كخيار واقعي ومرن في مناسبات لطالما ارتبطت بالبريق والرمزية.
ورغم غياب الإطار التنظيمي للقطاع، تطرح الفضة نفسها بقوة حاليا، وسط دعوات أكاديمية واجتماعية لإعادة النظر في العادات المرتبطة بالذهب، بما يراعي الظروف المعيشية.
وتستخدم الفضة عالميًا في مجموعة واسعة من التطبيقات الصناعية، بما فيها صناعة الخلايا الشمسية والإلكترونيات والأجهزة الطبيّة، ومع التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة، من المتوقع أن يستمر الطلب على عليها بشكل قوي.
وبلغ استهلاك الفضة في أشكالها شبه المصنعة في منطقة الشرق الأوسط نحو 1.5 ألف طن، مع نمو بنسبة 1.8 في المئة مقارنة بالعام السابق.
وكان الأردن من بين الدول التي شهدت أعلى معدلات نمو في حجم السوق، بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 15.6 في المئة خلال الفترة المذكورة، وفق تقرير لمنصة إندكس بوكس العالمية لدراسات السوق.
وتعاملت مؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية بالربع الأول من هذا العام، مع 15 كيلوغراما من السبائك الفضية المحلية، و1354 كيلوغراما من المصوغات الفضية المشغولة المستوردة، و22.9 طنا من سبائك الفضة المستوردة.
وبلغت كميات المصوغات والسبائك الفضية التي تعاملت معها المؤسسة العام الماضي أكثر من 31.65 طنا، غالبيتها من السبائك المستوردة.
وتعد المكسيك أكبر منتج للفضة في العالم، حيث تستحوذ على 25 في المئة من الإنتاج العالمي، وتتمتع بموارد ضخمة منها ويعد تعدينها من أهم الأنشطة الاقتصادية، إلى جانب كل من الصين وتشيلي.
وأكد أمين سر نقابة أصحاب محلات الحلي والمجوهرات سليم ديب لوكالة الأنباء الأردنية الرسمية أن الأسواق المحلية شهدت خلال العام الحالي تزايدًا ملحوظًا في الإقبال على شراء الفضة، وذلك في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار الذهب عالميًا.
وبلغ سعر الذهب خلال العام الحالي 3550 دولارا للأونصة، مقارنة مع 2600 دولار بداية السنة، مسجّلًا أعلى مستوى في تاريخه، ما دفع العديد من المستهلكين للبحث عن بدائل، كان بمقدمتها الفضة.
وقال ديب إن “سعر أونصة الفضة تراوح في الأسواق العالمية بين 30 و34 دولارا، ما جعلها خيارًا جذابًا للمستهلكين، خصوصًا مع اقتران صورتها بالذهب كمعدن نفيس، وإن ظلت الكفة تميل تقليديًا لصالح الذهب.”
وأشار إلى أن فارق السعر الكبير بين المعدنين، أسهم بزيادة الإقبال على الفضة، سواء لأغراض الادخار أو اقتناء المجوهرات.
1103
دولار سعر كيلوغرام الفضة في السوق المحلية، بحسب التقديرات المتوفرة حاليا
وأضاف أن “مبيعات المجوهرات الفضية شهدت انتعاشًا كبيرًا هذا العام، نظراً لانخفاض أسعارها مقارنة بمثيلاتها من الذهب، إذ تستورد الفضة بنحو رئيسي من تركيا ودبي وإيطاليا وسويسرا، سواء على شكل سبائك أو خامات.”
ورغم انتشار محلات بيع الفضة والمجوهرات الفضية في الأردن، لكن القطاع لا يخضع لنقابة أو تنظيم رسمي، وهو ما يتيح لمحال الإكسسوارات عرض وبيع منتجات فضية دون إشراف مباشر.
وتتبع الفضة الأسعار العالمية مع إضافة كلف الشحن والحوالات والمواصفات والمقاييس والبيان الجمركي، إذ يتراوح سعر الكيلوغرام منها حاليًا ما بين 825 و855 دينارًا (1181 و1224 دولار)، تبعًا لتغيرات السوق العالمي.
وقال رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات إمسيح للمجوهرات، أسامة إمسيح، إن “شراء الفضة ازداد منذ نهاية 2024 كسبائك للادخار والاستثمار، بالتزامن مع تقارير عالمية أشارت إلى أن أسعارها سترتفع تدريجياً، ما دفع الأفراد لشرائها في مختلف البلدان.”
وأكد أن أسعار الفضة ارتفعت تدريجياً وبنسب معقولة، فيما لم يزدد الإقبال على طلبها كحليّ ومجوهرات، موضحا أن أسعار الفضة محلياً تحدد بحسب الأسعار العالمية، إذ يصل سعر الكيلوغرام إلى نحو 770 دينارا (1103 دولار).
ولا يرتبط سعر الفضة بنحو وثيق بالذهب، الذي يعد عملة استثمار وادخار للبنوك المركزية، على عكس الفضة التي لا تعد احتياطا لأي دولة.
وأشار إمسيح إلى أن الناس لن يتوجهوا إلى شراء الفضة كملاذ آمن بنحو كبير، وسيقتصر شراؤها على التجار ورجال الأعمال.
وكان للأوضاع الاقتصادية العالمية وما أفرزته من تضخم، أثر مباشر على القدرة الشرائية للأردنيين، وعلى طبيعة استخدام الذهب في المناسبات الاجتماعية، خاصة في الزواج، ما يستدعي إعادة النظر في بعض العادات والتقاليد التي باتت تشكل عبئًا ماليًا لا مبرر له.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن “الذهب كان وما يزال يُنظر إليه كأحد أركان الزواج في المجتمع الأردني، إلا أن الارتفاع الكبير في أسعاره دفع الكثيرين للتساؤل حول جدوى التمسك بهذه العادة.”
وأشار إلى أن أسعار الذهب شهدت ارتفاعًا بنحو 25 في المئة منذ بداية العام الحالي، بعد أن كانت قد ارتفعت بنسبة 24 في المئة في العام السابق، مع توقعات بأن تصل إلى ما بين 3100 و3400 دولار للأونصة، رغم التراجع الطفيف في الأيام الأخيرة.
وأوضح أن هذه القفزات الكبيرة للذهب قد تدفع المجتمع إلى إعادة التفكير في الوسائل التقليدية المرتبطة بالمناسبات الاجتماعية، ومنها استبدال الذهب بسلع أخرى أو تقليل الكمية المتداولة، خصوصًا في ظل التغيرات الاقتصادية الحادة وعدم اليقين في الأسواق العالمية.
وأكد عايش أن الفضة تطرح نفسها كخيار بديل أقل تكلفة من الذهب، لكنها تختلف عنه من حيث الخصائص الاقتصادية والتقنية، إذ تُعد أكثر تأثرًا بالتقلبات الاقتصادية والصناعية، كونها سلعة صناعية بالدرجة الأولى.
ويرى خبراء أن تعزيز ثقافة استخدام الفضة في المناسبات أمر ضروري اليوم باعتبارها معدنًا نفيسًا وجميلًا وأقل تكلفة، تستطيع أن تؤدي وظيفة رمزية مشابهة للذهب دون أن تثقل كاهل الشباب مالياً.
وقالت أستاذة علم الاجتماع والاتصال والإعلام في الجامعة الأردنية، ميساء الرواشدة إن “نجاح هذا التحول يتطلب وقتًا ووعيًا تدريجيًا، إذ لا يمكن تغيير المعتقدات والعادات الاجتماعية بسهولة.”
وأشارت إلى أن التحولات المتسارعة، خاصة الارتفاع الرهيب في أسعار الذهب، أدت إلى إحداث تغييرات جوهرية في هذه العادة الاجتماعية، وأصبحت ترهق كاهل الكثيرين.