نادية لمودي لـ"العرب": علما الاجتماع والنفس مدخلان أساسيان لتحليل الخطاب الدرامي

هناك حاجة ملحة إلى مقاربات نقدية تدمج مفاهيم بورديو وباتلر مع خصوصيات السياق المغربي.
الاثنين 2025/05/12
دراسة تفكك حال الدراما المغربية

تدرك الدكتورة نادية لمودي أهمية الدراما في تقديم صورة عن واقع المجتمع المغربي وكذلك التأثير فيه والمساهمة في إعادة تشكيله، تحديدا في ما يتعلق بالهويات الجندرية ومدى انحياز المجتمع لجنس على حساب آخر، لذلك تشدد عبر مؤلفاتها على ضرورة الدمج بين المدارس الفكرية المهمة في علمي النفس والاجتماع لقراءة الأعمال الدرامية وعدم الاكتفاء بالتعامل معها على أنها فن شعبي ترفيهي لا أهمية له.

الرباط- أصدرت مؤخرا الدكتورة نادية لمودي كتابا بعنوان “الهويات الذكورية والأنثوية بين الاستمرارية وإعادة التشكيل في وسائل الإعلام المغربية: حالة السلسلات المغربية”. ويُعد هذا المؤلف تحليلا دقيقا وموثقا يكشف الآليات المعقدة الكامنة وراء تمثلات المجتمع المغربي، إذ يركز على الكيفية التي تُسهم بها المسلسلات التلفزيونية المغربية في ترسيخ واستمرار الأنماط الجندرية المسبقة، وتكشف هذه الدراسة، التي تم إنجازها بقدر كبير من الرصانة والذكاء، عن الأهمية الحاسمة لهذه الوسائط في بناء وإعادة إنتاج الهويات الجندرية في مجتمعنا.

ومن بين هذه الهويات، تحتل الهويات المرتبطة بالنوع الاجتماعي، أي الذكورية والأنثوية، مكانة مركزية، إذ تشكل تصوراتنا وتوقعاتنا وتفاعلاتنا اليومية، ويُعتبر المغرب أرضا غنية بالتنوع الثقافي والاجتماعي، وتنعكس هذه الديناميكية المركبة بشكل خاص من خلال المسلسلات التلفزيونية، التي تُعد أعمالا سردية جذابة تستهوي المخيال الجماعي وتُشكّل الخطابات الاجتماعية.

وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع الكاتبة المغربية نادية لمودي حول هذه الدراسة التحليلية، حيث تقول “اختياري لدراسة الهويات الجندرية في المسلسلات الرمضانية المغربية لم يكن اختيارا اعتباطيا أو نابعا من مجرّد اهتمام عابر، بل جاء نتيجة تفكير عميق وتأمل مطوّل في طبيعة التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، وفي الدور المتنامي الذي تلعبه وسائل الإعلام في إعادة تشكيل التصورات الجماعية للهوية، ولاسيما في بعدها الجندري، وانطلقتُ من قناعة راسخة بأن هذه المسلسلات لا تُنتَج في فراغ، بل تنبع من سياقات اجتماعية وثقافية محددة، وتُعيد بدورها إنتاج تلك السياقات، مع ما تحمله من رموز ودلالات وتصورات عن الأنوثة والذكورة. من هذا المنطلق، لم يكن اختياري لهذا الموضوع عشوائيا، وإنما جاء ثمرة مسار بحثي تأملي يربط بين الظواهر الإعلامية والرهانات السوسيولوجية الكبرى المتعلقة بالهوية، والتمثلات، والتغيرات القيمية داخل المجتمع المغربي المعاصر.”

◄ في مسلسل "صلاح وفاتي"، كان تمثيل العلاقة الزوجية يأخذ منحى أكثر معاصرة وهو ما قد يفهم ظاهريا كنوع من تفكيك النموذج الأبوي الكلاسيكي
في مسلسل "صلاح وفاتي"، كان تمثيل العلاقة الزوجية يأخذ منحى أكثر معاصرة وهو ما قد يفهم ظاهريا كنوع من تفكيك النموذج الأبوي الكلاسيكي

وتفسر أن “هذا المشروع البحثي هو محاولة جادة لردّ الاعتبار لتحليل الإنتاج الدرامي المغربي، باعتباره نصا اجتماعيا وثقافيا يستحق أن يُقارب بأدوات علمية دقيقة، ويُفكك من منظور نقدي يُسائل تمثلات الجندر، ويكشف عن آليات إنتاج المعنى، وحدود التغيير أو إعادة إنتاج النمط داخل هذا الفضاء الرمضاني المشحون بالدلالات، ومن هنا تبرز أهمية اللجوء إلى علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي كمدخلين أساسيين لتحليل الخطاب الدرامي، ورصد آليات التلقي، وفهم تمثلات الهوية الجندرية في علاقتها بالسياق الثقافي والرمزي للمجتمع. فالسوسيولوجيا تُتيح أدوات لفهم البُنى الاجتماعية التي تُنتج هذه التمثلات، بينما يُمكّن علم النفس الاجتماعي من تحليل العلاقة بين الفرد والرسائل الإعلامية، وكيفية تأثيرها في تشكيل تصوراته لذاته وللآخر.”

وتضيف “لقد شكّلت سوسيولوجيا النوع الاجتماعي الإطار النظري والمنهجي الأعمق الذي استندتُ إليه في تحليل تمثلات الذكورة والأنوثة في المسلسلات التلفزيونية المغربية، وذلك لما تتيحه من أدوات مفهومية وقدرات تحليلية لفهم البنى الرمزية والاجتماعية التي تُنتج وتُعيد إنتاج الفوارق الجندرية داخل الخطاب الإعلام، ومن خلال هذا المنظور، لم أتعامل مع الذكورة والأنوثة كمجرد معطيات بيولوجية أو صفات طبيعية، بل كمُنتجات اجتماعية وثقافية يتم بناؤها تاريخيا داخل منظومة من العلاقات الرمزية والتراتبيات السلطوية. فقد مكّنني هذا التوجه من الكشف عن الكيفية التي تُكرّس بها المسلسلات التلفزيونية أنماطا معينة من السلوك والتفكير والانفعالات تُنسب لكل من الرجل والمرأة، وكيف يتم من خلالها تطبيع أدوار جندرية تقليدية أو محاولة التمرد عليها في بعض الحالات.”

وتوضح “استعنت بمفاهيم مركزية في سوسيولوجيا النوع، أبرزها مفهوم الهيمنة الذكورية كما طوّره بيير بورديو، حيث تُنتج السلطة الرمزية تمثيلا غير متكافئ للجنسين، يمنح فيه الأفضلية دائمًا للعنصر الذكوري في ما يُسمى بالأداء الجندري أو التمثيل الأدائي للنوع الاجتماعي، أي تلك القيمة التراتبية التي تُسند اجتماعيا إلى الذكورة مقابل الانتقاص الرمزي من الأنوثة. وقد ساعدني هذا المفهوم على تفكيك التمثلات التي تُعيد إنتاج التصورات الذكورية المُهيمنة داخل المسلسلات الرمضانية، من خلال شخصيات الرجال الأقوياء، المتحكمين، في مقابل نساء خاضعات، مضطهدات، أو غير مكتملات اجتماعيا دون ارتباطهن برجل.”

أداء اجتماعي متكرر

ترى لمودي أن “مفهوم الأداء الجندري أو التمثيل الأدائي للنوع الاجتماعي كما طورته جوديث باتلر، شكّل مدخلا نظريا بالغ الأهمية في تحليلي، حيث تُعرّف الجندر ليس كهوية ثابتة، بل كأداء اجتماعي متكرر تُفرض من خلاله الأدوار والانتظارات المجتمعية على الأفراد، وهذا الفهم سمح لي بتحليل كيف يتم في المسلسلات أداء الأنوثة والذكورة عبر اللغة، اللباس، الجسد، والعلاقات الاجتماعية، وكيف أن هذا الأداء يعيد إنتاج التصنيفات الجندرية، لكنه يفتح أيضا إمكانيات للانزياح عنها أو كسرها، حيث استعنت بمفاهيم مرتبطة بالبناء الثقافي للصور النمطية، والتي تشتغل بوصفها آليات رمزية تبلور تصوّرات جاهزة عن الرجولة والأنوثة. فقد كشفتُ عن كيف أن هذه الصور تُرسّخ، في بعض الأعمال، ثنائية المرأة الصالحة مقابل المرأة الفاسدة، أو الرجل القوي مقابل الرجل الضعيف، مما يساهم في بناء خيال اجتماعي غير متوازن، يعكس ويغذي في الآن ذاته النظام البطريركي القائم.”

◄ الرسائل الضمنية في المسلسلات تؤثر على إدراك الأدوار الجندرية بترسيخها أنماطا ثقافية بشكل خفي في المجتمع

وتفسر لـ”العرب” طريقة اشتغالها أكثر فتقول “في إطار تحليلي للهويات الجندرية كما تجلّت في المسلسلات الرمضانية المغربية، رصدتُ حضورا لافتا ومكثفا لعدد من الصور النمطية التي لا تنفصل عن البنى الاجتماعية والثقافية العميقة التي تؤطر النسق المجتمعي المغربي. هذه الصور، وإن بدت أحيانا في ثوب حديث أو مغلف بخطاب المساواة، فإنها غالبا ما تعيد إنتاج أنماط تقليدية تكرّس تفاوتا جندريا واضحا، وتُشرعن لاتوازنا راسخا في تمثيل الذكورة والأنوثة.”

من أبرز هذه الصور، تذكر الكاتبة “أولا صورة المرأة المضحية، التي تُجسّد باستمرار دور الأم الحنون أو الزوجة الوفية، التي تتنازل عن طموحاتها وذاتها في سبيل الأسرة أو الأبناء. يُقدَّم هذا النموذج كمعيار للأخلاق والفضيلة، مما يعيد إنتاج خطاب تقليدي يُحمّل المرأة مسؤولية التماسك الأسري، ويضعها في موقع خضوع دائم لقيم التضحية والامتثال، بينما يُقلّص من حضورها كفاعل مستقل في المجال العام.”

في المقابل تقول إن “صورة الرجل تظهره أنه القوي، الحاسم، وصاحب القرار، والذي لا يساءل ولا يُنتقد، بل يُفترض فيه أن يكون قائدا بالفطرة. هذه الصورة تعكس بوضوح الامتداد الرمزي لمفهوم الهيمنة الذكورية كما بلوره بيير بورديو، حيث يتم تثبيت الذكورة كمرجعية معيارية للسلطة والشرعية، مقابل تأطير الأنوثة في فضاءات الانفعال والعاطفة والتبعية. ومن الصور الأخرى المتكررة، نرصد صورة المرأة المستقلة أو المتمردة، والتي غالبا ما تُربط في الخطاب الدرامي بالأنانية، أو الانحراف القيمي، أو العقم العاطفي، فيتم تأثيمها ضمنيا كلما حاولت تجاوز الأدوار التقليدية. هذه الصورة تكشف عمق الفالونس التفاضلية للجندر، حيث يُنظر إلى تحرر المرأة لا بوصفه تطورا إنسانيا، بل كمصدر تهديد للمنظومة القيمية المحافظة.”

لكنها توضح أن “في السياق ذاته، كثيرا ما يُقدم الرجل الحساس أو الذي يُبدي هشاشة نفسية في صورة سلبية أو كاريكاتورية، مما يدل على ضيق الفضاء الرمزي المتاح للهويات الذكورية البديلة. فالرجولة، كما تُصوَّر في هذه المسلسلات، مرتبطة بالصلابة، الغلبة، والتفوق الاقتصادي أو الرمزي، في حين تُختزل الأنوثة في الجمال، الرقة، والخضوع العاطفي، أو في النقيض التام المتمثل في الشر والمكر، كما هو الحال في بعض الشخصيات النسائية التي توصف بالوصولية.”

وترى لمودي أن “هذه التمثلات لا تنفصل عن البنى الاجتماعية المغربية، التي لا تزال تتأرجح بين خطاب حداثي يسعى لتكريس المساواة، وواقع ثقافي يثقل كاهله الإرث الأبوي وتقاليد التراتب الجندري. إن المسلسلات هنا لا تعكس الواقع فحسب، بل تُعيد تشكيله وتكريسه من خلال خطاب رمزي يتمتع بقوة التأثير الجماهيري، مما يجعل من تحليلها مدخلا أساسيا لفهم علاقة السلطة بالهوية، والجندر بالتمثيل، في السياق المغربي.”

انسجام مع الواقع

◄ مسلسل "لالة فاطمة" قدم نموذجا مثيرا للاهتمام. فشخصية الزوج لا تُجسّد صورة الرجل العنيف أو المتسلط، بل تعكس النموذج التقليدي للرجل المغربي المحاف
مسلسل "لالة فاطمة" قدم نموذجا مثيرا للاهتمام. فشخصية الزوج لا تُجسّد صورة الرجل العنيف أو المتسلط، بل تعكس النموذج التقليدي للرجل المغربي المحاف

تشدد الدكتورة على أن “المسلسلات التلفزيونية، خصوصا تلك التي تُعرض خلال شهر رمضان، تلعب دورا جوهريا في عكس التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي. فهي لا تكتفي بإعادة إنتاج الواقع، بل تسهم أيضا في بنائه الرمزي، عبر تمثيلات تُعيد تشكيل القيم والأدوار والهويات في سياقات جديدة. وتكتسب هذه الأعمال أهميتها لا فقط من انتشارها الواسع وتأثيرها الجماهيري، بل أيضا من كونها تمارس وظيفة مزدوجة: مرآة تعكس الواقع الاجتماعي، وأداة تشكّله عبر خطاب درامي مشبع بالإيحاءات الثقافية.”

وتشرح لـ”العرب” أن “من خلال التحليل السوسيولوجي لهذه الأعمال، يتبين أن المسلسلات الرمضانية أصبحت أكثر وعيا بالقضايا الآنية التي تهمّ الجمهور، مثل الأدوار الجندرية، التحولات الأسرية، البطالة، الهجرة، العنف الرمزي، وتوتر العلاقات بين الأجيال. وهذا يبيّن أن اختيار المواضيع في هذه الأعمال لا يتم اعتباطيا، بل غالبا ما يكون منسجما مع الواقع الاجتماعي ويعكس الهموم اليومية للمشاهد المغربي. بهذا المعنى، تُعدّ المسلسلات واجهات ثقافية ترصد الحراك المجتمعي وتعبر عنه، سواء بشكل نقدي أو تبريري، وفق توجهات المنتجين والسياق العام للإنتاج.”

وتقول إن “هذا التفاعل بين الخيال الدرامي والبنى الواقعية يجعل من المسلسل المغربي مادة خصبة للبحث السوسيولوجي، حيث تتقاطع التمثيلات الرمزية مع التغيرات القيمية، وتُفضي إلى فهم أعمق لتوترات الهوية، وصراع القيم، وجدلية التقليد والحداثة في المجتمع المغربي المعاصر. ويتّضح أن التمثيلات الجندرية لا تسير في اتجاه واحد، بل تتأرجح بين إعادة إنتاج التفاوتات الجندرية وتكريسها من جهة، وبين محاولات خجولة أو رمزية لتحديها وتفكيكها من جهة ثانية. ويُظهر هذا التذبذب طبيعة الحقول الرمزية التي تتحرك فيها هذه الأعمال، في سياق اجتماعي وثقافي متحوّل، تُراعي فيه الإنتاجات التلفزيونية التوازن بين استرضاء الجمهور، والحفاظ على مقومات الجذب الجماهيري، دون الاصطدام الصريح بالمنظومة القيمية السائدة.”

وفي حديثها حول الدراما المغربية، تقدم نادية نموذجا حيا منوهة بمسلسل “لالة فاطمة” الذي ترى أنه “قدم نموذجا مثيرا للاهتمام. فشخصية الزوج لا تُجسّد صورة الرجل العنيف أو المتسلط، بل تعكس النموذج التقليدي للرجل المغربي المحافظ، الذي يرتكز دوره الأسري على العمل والإنفاق واتخاذ القرار، في حين يظل الفضاء المنزلي من اختصاص المرأة. أما لالة فاطمة، فقد شهدت شخصيتها تحوّلا جزئيا في الموسم الثاني، حيث حاول صنّاع المسلسل إضفاء لمسة حداثية عليها، من خلال تغيير مظهرها التقليدي وجعلها سيدة أعمال تُنشئ مشروعا خاصا بها في مجال إنتاج الحلويات، غير أن هذا التغيير بقي سطحيا وشكليا، إذ استمرّ ربطها بالمجال الغذائي والمطبخي، وهو ما يُعيد إنتاج الصور النمطية المرتبطة بالمرأة، ككائن منزلي، تُقاس كفاءته من خلال الطبخ والعناية بالأسرة. فحتى حينما خرجت لالة فاطمة إلى عالم المقاولة، لم يُتح لها المجال لخرق الفضاءات الاقتصادية الذكورية، بل بقيت حبيسة القطاع الذي ينسجم مع أنوثتها التقليدية، مما يدل على أن محاولة التحديث بقيت محصورة داخل منطق التدرج المحافظ.”

لكن لمودي ترى أن “في مسلسل ‘صلاح وفاتي’، كان تمثيل العلاقة الزوجية يأخذ منحى أكثر معاصرة، إذ تظهر شخصية فاتي في موقع السيطرة والحزم، وهو ما قد يُفهم ظاهريا كنوع من تفكيك النموذج الأبوي الكلاسيكي، غير أن هذه التمثيلات تظل محكومة بنوع من التحايل الرمزي على الأدوار الجندرية، إذ تُقدَّم فاتي كامرأة قوية، لكنها لا تخرج عن إطار الصورة النمطية للمرأة التي تُعرِّف ذاتها من خلال نظرة الرجل إليها. فهي، رغم حضورها الطاغي وسلطتها الظاهرة، تُصوَّر باستمرار كمنشغلة بمظهرها الخارجي، وتبدو في حاجة دائمة إلى تأكيد حب زوجها وجاذبيتها في عينيه. وبالتالي، فإن هذه الهيمنة الأنثوية تُفرغ من بعدها التحرري، لأنها مرتبطة بالتصالح مع معايير الجاذبية الذكورية وطلب القبول الذاتي من خلال عين الرجل.”

◄ المسلسلات، خصوصا التي تعرض خلال شهر رمضان، تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي

وتشرح أن “هذين المثالين يُظهران أن المسلسلات المغربية، وإن بدت في بعض جوانبها مُتفتّحة على التحولات الجندرية، فإنها في العمق لا تتجاوز عتبة التفكيك الرمزي المحدود، وتظلّ وفية للبُنى الاجتماعية التي تُكرّس الاختلاف القيمي والتفاضلي بين الذكورة والأنوثة، كما حلّلته جوديث بتلر من خلال مفهوم الأداء الجندري، وبيّنه بيير بورديو في نظريته حول الهيمنة الذكورية. وهكذا، تبقى هذه الأعمال مرآة تعكس التحولات ولكن أيضا الممانعات، وتعبّر عن مجتمع في مفترق طرق بين التقليد والتغيير.”

هيمنة رمزية

تشدد الدكتورة على أن “الرسائل الضمنية في المسلسلات التلفزيونية تؤثر على إدراك الأدوار الجندرية بترسيخها أنماطا ثقافية بشكل خفي في المجتمع المغربي، حيث تُصور العلاقات الجندرية بتراتبية غير متكافئة، تعزز هيمنة الرجل كمرجع عقلاني مقابل أدوار نسائية عاطفية أو ثانوية. هذه التمثلات، التي تُمرر عبر عناصر مثل الملابس ولغة الجسد، تُقبل كبديهية، مما يكرس الهيمنة الرمزية الناعمة، حسب بورديو، ويؤثر على تصورات الأطفال والمراهقين للهوية والسلطة، محدا من إمكانيات التغيير التحرري ومشكلا الوعي الجندري بشكل تراكمي ضمن الهيمنة الثقافية التي أشار إليها غرامشي.”

وتختم حوارها مع “العرب” بالتأكيد على أن “تحليل الخطاب التلفزيوني سوسيولوجيا في السياق المغربي يواجه تحديات بسبب قلة الأدبيات العلمية وتصور المسلسلات كثقافة شعبية، مما يتطلب مقاربات نقدية تدمج مفاهيم بورديو وباتلر مع خصوصيات السياق المحلي. الخطاب التلفزيوني الهجين يستلزم تحليلا متعدد الأوجه، مع الحفاظ على مسافة نقدية. تبرز المسلسلات، خاصة الرمضانية، كأداة لتعزيز المساواة الجندرية عبر شخصيات غير نمطية، وتتسع تأثيراتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعيد الميمات والنقاشات تشكيل الوعي الجندري.”

14