إلى متى نتجاهل الفيلسوف السعودي عبدالله القصيمي

لم يكتف المفكر السعودي عبدالله القصيمي برفض التراث الديني برمته، بل أراد تدميره بالكامل. لقد دعا طيلة حياته إلى الابتعاد التام عن كل ما هو ديني. ولم يكن يتحدث من خارج التراث الإسلامي بل من داخله، إذ كان يعرف جيدا عما كان يتحدث. كان عالما دينيا في حياته الأولى، وكتب عدة مؤلفات دافع فيها بشدة عن الدين وحتى عن الوهابية. ولما صار طالبا في جامعة الأزهر تم طرده سريعا بسبب وهابيته.
ولكن لم يستطع الشيخ مقاومة عقله، فأعلن تركه نهائيا لهذا التراث وطقوسه في كتب أصبحت مع مرور الأيام من كلاسيكيات التنوير العربي المعاصر، رغم ردود الفعل الظلامية العنيفة ضده وضدها. كتب عدة كتب نقد فيها علماء الأزهر وكشف ألاعيبهم وجهلهم المدقع بالعالم المعاصر.
وعلى الرغم من البيئة المحافظة وكل العداء الذي طاله، فإنه لم يتخل قط عن أطروحته الرئيسية: التمسك المرضي بالأطروحات الإسلامية هو العائق الرئيسي أمام تطور المجتمعات العربية.

◄ دعا طيلة حياته إلى الابتعاد التام عن كل ما هو ديني
لقد بذلت القوى الثقافية الرسمية كل ما في وسعها لرميه في سلة النسيان. وحتى بعد وفاته، حاول كثيرون تدنيس أفكاره من خلال شراء بعض الشهادات الكاذبة التي تدعي عودته إلى الدين قبل وفاته، وكان ذلك عبارة عن محاولة اغتيال فكري مفضوح ثالثة بعد محاولتي اغتيال جسدي نجا منهما في بيروت والقاهرة.
ولحسن حظ التنويريين وسوء حظ الظلاميين تواصل اليوم الإنترنت إحياءه وتقديمه للأجيال العربية الشابة التي تمت أسلمتها وأخونتها من خلال المدارس في كل البلدان العربية. من الآن فصاعدا، يمكن قراءة كتبه مجانًا عبر الإنترنت. وقد أتحفنا الرجل ببعض العناوين الجميلة قبل أن يتوفى عن عمر ناهز 89 عاماً في عام 1996 في مصر.
من مؤلفاته: أيها العقل من رآك، عاشق لعار التاريخ، لئلا يعود هارون الرشيد، العالم ليس عقلا، يا كل العالم لماذا أتيت، صحراء بلا أبعاد، هذا الكون ما ضميره.
ويرى السعودي في كتابه “العرب ظاهرة صوتية” أن العرب القدماء لم يكونوا يميزون بين التكلم وإصدار الأصوات. ونتيجة لذلك، لم يعد بإمكان قارئ هذا التراث أن يتعلم إلا الأصوات، وهو قارئ يعيش في قبور أجداده.
القصيمي معاصر لمحمد أركون ومالك شبل وعبدالوهاب المؤدب، ولنذكر هنا فقط أشهرهم في فرنسا، أولئك الذين يدعون التخصص في الفكر الإسلامي بل ويدعون أنهم حماته. ومع ذلك لم يذكر أحدهم الفيلسوف عبدالله القصيمي، وهو الذي نشر بعض كتبه باللغة العربية في باريس هرباً من الرقابة العربو-إسلامية.
لقد تجاهل هؤلاء الاختصاصيون الكبار المفكر السعودي ونقده اللاذع والعميق للتراث الديني، بينما عملوا هم على تبييض وأمثَلة ذلك التراث وتقديمه كحامل للأنوار العربية الإسلامية.
لقد أخفوا مفكراً حراً لأنه كان سيفضح تجارتهم الرابحة في الغرب. لقد تم إهماله وإقصاؤه عمدا. ومع ذلك إذا كان هناك من يستحق صفة الفيلسوف في القرن العشرين العربي، فهو عبدالله القصيمي؛ لأنه الوحيد الذي تجرأ على زعزعة المنظومة الدينية في منطقتنا، بموهبة عظيمة، جمالية وفلسفية.
فهل من المعقول إقصاء مفكر عقلاني في زمن تغول فيه اللاعقلانيون الظلاميون؟