انفجار داخلي يهز حزب البشير بشأن قطع السودان العلاقات مع الإمارات

بورت سودان (السودان) - كشف موقع "الراكوبة" نقلا عن مصادر مطلعة عن خلافات داخلية تهدد مستقبل حزب المؤتمر الوطني المنحل، الذراع السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في السودان، حيث يواجه قرار متطرف صادر عن قيادة أحمد هارون بقطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة رفضا قاطعا من جناح آخر نافذ يقوده إبراهيم محمود.
وهذا الانقسام الداخلي العميق، الذي يتزامن مع تطورات ميدانية متسارعة تشهدها الساحة السودانية، بما في ذلك الهجمات المتزايدة بالطائرات المسيرة على مدينة بورتسودان الساحلية ووصول قيادات حزبية إلى أم درمان، يلقي بظلال قاتمة ليس فقط على مستقبل الحزب الإخواني في السودان، بل ينذر بانفجاره من الداخل.
ويحمل الانقسام تداعيات استراتيجية مهمة على الحزب الإخواني، بعدما حققت دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤخرا انتصارا دبلوماسيا وسياسيا في محكمة العدل الدولية برفضها جملة وتفصيلا شكوى كانت تقدمت بها حكومة الأمر الواقع في السودان تزعم فيها تورط أبوظبي في جرائم إبادة جماعية.
فبينما يحذر حزب المؤتمر الوطني (جناح هارون) مما وصفها بـ"محاولات زعزعة الوحدة" و"الارتهان لجهات خارجية"، مؤكدا على رفضه أي تأثير خارجي على قرارات الدولة، كشفت مصادر لـ"الراكوبة" عن اجتماع حاسم بين مجموعة إبراهيم محمود وقيادات عسكرية رفيعة، حيث تم التحذير من التراجع عن خطوات قطع العلاقات مع دول فاعلة مثل الإمارات.
ووفقا للمصادر، عقدت المجموعة الرافضة لقطع العلاقات مع الإمارات، والتي تتمتع بنفوذ لا يستهان به داخل هياكل الحزب القديم، اجتماعا هاما مع قيادات رفيعة المستوى في الجيش السوداني، وعلى رأسهم الفريق أول ياسر العطا وضباط آخرين.
وخلال هذا الاجتماع، حذرت المجموعة العسكرية من أي تراجع عن الخطوات الأخيرة المتخذة فيما يتعلق بالحرب الدائرة في البلاد، والتي من بينها قرار قطع العلاقات مع دول إقليمية ودولية فاعلة، وما قد يترتب على ذلك من إشعال لخلافات دبلوماسية إضافية في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أكبر قدر من الدعم والاستقرار.
وهذا التباين الصارخ في المواقف يكشف عن صراع داخلي حاد على النفوذ وتحديد مسار الحزب في ظل الحرب المستمرة، والتي يقودها الحزب والحركة الإسلامية تحت مسمى "حرب الكرامة" بعد الإطاحة بنظام البشير.
ويمثل هذا الانقسام العلني بين قيادات الصف الأول شرخا في الهيكل التنظيمي لحزب المؤتمر الوطني المنحل، الذي سعى جاهدا للحفاظ على تماسكه بعد سقوطه المدوي، فيما ينذر هذا الصراع على النفوذ والرؤى المستقبلية للحزب بتفتيت قواعده وولاءاته، ويضعف قدرته على العمل ككيان سياسي موحد ومؤثر في المشهد السوداني.
ويكشف هذا الخلاف العميق عن تضارب حاد في الأجندات والرؤى الاستراتيجية داخل الحزب الإخواني. فبينما يتبنى جناح هارون خطابا أيديولوجيا متشددا يرفض أي تقارب مع قوى إقليمية ودولية، يبدو أن جناح محمود يتبنى نهجا أكثر براغماتية وواقعية يدرك ضرورة الحفاظ على علاقات متوازنة لتأمين مصالح الحزب ومستقبله في ظل الظروف الراهنة.
ويؤكد هذا الانقسام على فقدان الحزب القدرة على تقديم قيادة موحدة ومتماسكة لقواعده وكتائبه المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش. هذا التشتت القيادي سيزيد من حالة الفوضى وعدم اليقين في المشهد العسكري، ويقوض أي محاولات لتنسيق الجهود أو تبني استراتيجية موحدة للحرب وما بعدها.
بالنظر إلى الدور المحوري الذي يلعبه الحزب الإخواني في توجيه الحملة الإعلامية للحرب، فإن هذا الانقسام الداخلي سيؤدي حتما إلى إضعاف مصداقية روايته وتقويض قدرته على حشد الدعم الشعبي والإقليمي والدولي. تضارب الأصوات والرسائل الإعلامية سيزيد من حالة الارتباك ويقلل من تأثير الحزب في تشكيل الرأي العام.
ويثبت هذا الانقسام أن قرار قطع العلاقات مع الإمارات لم يكن عليه إجماع حقيقي، بل كان رد فعل متطرفا من جناح متشدد داخل الحزب الإخواني. وهذا يعزز موقف الإمارات التي أكدت على أهمية الحوار والحلول السلمية.
ويشير قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات إلى ضعف الموقف السوداني وإلى حالة تخبط ناجمة على الأرجح عن تراجع الجيش السوداني في الفترة الأخيرة في مواجهة قوات الدعم السريع التي كثفت هجماتها على مواقع استراتيجية للجيش بمدينة بورتسودان (شرق).
وقتل 19 شخصا وأصيب 45 بجروح في قصف لقوات الدعم السريع استهدف السبت سجن مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان والواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني، بحسب مصدر طبي.
وقال المصدر الطبي بمستشفى الأبيض إن طائرة مسيرة تابعة للدعم السريع قصفت السجن بصاروخ متسببة في "مقتل 19 من نزلاء سجن المدينة وإصابة 45 آخرين".
وتم نقل القتلى إلى مستشفى الأبيض، بحسب المصدر، بينما يتلقى المصابون العلاج في مستشفيات الأبيض والضمان.
وتقع مدينة الأبيض تحت سيطرة الجيش السوداني الذي تمكن في شباط/فبراير من إنهاء حصار فرضته قوات الدعم السريع عليها لمدة عامين.
ويسيطر الجيش على معظم مدن ولاية شمال كردفان غرب الخرطوم بينما يسيطر الدعم السريع على أجزاء منها.
وتشكل مدينة الأبيّض مركزا لوجستيا استراتيجيا، إذ تقع عند مفترق طرق يربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور في غرب البلاد الذي تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطقه.
وإلى الغرب من الأبيض، كانت الدعم السريع أعلنت في مطلع مايو سيطرتها على مدينة النهود الحيوية في غرب كردفان، التي تربط وسط السودان بإقليم دارفور، معترضة بذلك محاولات الجيش إرسال الإمدادات لمعقله في مدينة الفاشر المحاصرة وآخر مدن الإقليم التي ما زالت تحت سيطرته.
وفي تتطور ميداني آخر، قصفت طائرات الجيش السوداني السبت مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في مدينتي نيالا والجنينة في إقليم دارفور حيث دمّرت مخازن أسلحة ومعدات عسكرية، بحسب ما أفاد مصدر عسكري السبت.
وقال المصدر طلب عدم ذكر اسمه إن "طائرات سلاح الجو السوداني شنت هجمات على مواقع لميليشيا الدعم السريع في مدينتي نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والجنينة عاصمة غرب دارفور ودمرت مخازن أسلحة ومعدات عسكرية كانت المليشيا تنوي استخدامها في أعمالها العدائية".
وأفاد شاهد في نيالا بأن "طائرات الجيش استهدفت مطار المدينة ومواقع داخلها"، مضيفا أن "أصوات الانفجارات كانت قوية جدا".
وقال شاهد آخر في الجنينة "سمعنا انفجارات من جهة المطار وشاهدنا تصاعد الدخان".
وتأتي هجمات الجيش في ظل تكثيف قوات الدعم السريع استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف مناطق يسيطر عليها الجيش، من مدينة الفاشر في إقليم دارفور، إلى بورتسودان ، مرورا بمدن في إقليم كردفان وسط البلاد.
وكثفت قوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة اعتمادها على الأسلحة بعيدة المدى خصوصا الطائرات المسيّرة لاستهداف مواقع تابعة للجيش في مناطق كانت تعد آمنة نسبيا، وتقع على مسافات بعيدة من معاقلها.
واستهدفت هجمات بمسيّرات الجمعة لليوم السادس على التوالي مدينة بورتسودان المقرّ الموقت للحكومة في شرق السودان، على ما أفاد مصدر عسكري وكالة فرانس برس عازيا الضربات إلى قوّات الدعم السريع التي تخوض منذ سنتين حربا مع الجيش.
وقال المصدر العكسري "تعاملت مضاداتنا الأرضية مع عدد من مسيّرات العدو كانت تستهدف منشآت ومواقع بالمدينة".
وأفاد شهود بوقوع ضربات على شمال وغرب وجنوب هذه المدينة الاستراتيجية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد الواقع في الشرق الإفريقي الذي أعلنت المجاعة في عدّة مناطق فيه.
وفي الأيام الأخيرة، استهدفت مسيرات مواقع استراتيجية في بورتسودان التي بقيت إلى حد كبير في منأى من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وتتعرض المدينة التي تعدّ مركزا للمساعدات الإنسانية وتضمّ وكالات الأمم المتحدة وآلاف النازحين، لضربات ينسبها الجيش إلى قوات الدعم السريع، ويقول إنّها تستخدم "أسلحة استراتيجية ومتطوّرة" قدّمتها لها الإمارات العربية المتحدة التي تنفي هذه الاتهامات.
وأدى النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص.
وقسّم السودان بين مناطق في الوسط والشمال والشرق يسيطر عليها الجيش وأخرى في الجنوب بقبضة قوات الدعم السريع التي تسيطر على إقليم دارفور (غرب) في شكل شبه كامل.