السلطات العراقية تحاصر التوسّع في منح الجوازات الدبلوماسية

بغداد - تحاول السلطات العراقية الحدّ من التوسّع في منح جوازات السفر الدبلوماسية، وخصوصا لغير مستحقيها ومن لا يحتاجون إليها بالفعل للقيام بوظائف وأداء مهمات ذات نفع عام للدولة وخدمة لمصالحها.
وعرفت البلاد خلال السنوات الماضية تساهلا نسبيا في منح تلك الجوازات التي تكفل امتيازات وتسهيلات كبيرة لحامليها وتحوّلت إلى ظاهرة تقف وراءها القوى المتنفذة في الدولة والباحثة عن امتيازات إضافية لقادتها ومنتسبيها ومن هم على علاقة بها وبمصالحها المتشعّبة.
وتقول مصادر عراقية إن منح الجواز الدبلوماسي كثيرا ما تحوّل إلى وسيلة للمجاملة السياسية والمكافأة الحزبية، تماما مثلما أصبحت الوظائف في وزارة الخارجية، وخصوصا ما يتصل منها بالبعثات في الخارج، بمثابة جوائز تسعى الأحزاب ذاتها للفوز بها بعيدا عن معيار الأهلية والكفاءة الذي يفترض أن يكون مقياسا لاختيار من يشغلون تلك الوظائف التي يتطلب الكثير منها قدرات ثقافية وتعليمية وحتى صفات شخصية استثنائية نظرا لدقة المهمات التي توكل إليهم والمصالح التي يراد تأمينهاعن طريقهم للبلد مع باقي بلدان العالم.
الوظائف والامتيازات الدبلوماسية في العراق وسائل مثالية للمجاملة السياسية والمكافآت الحزبية، ما يفسر التنافس الشديد عليها
ورفع وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمّري دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية العليا ضد تعديل قانون الجوازات الذي ينص على منح جوازات سفر دبلوماسية لشاغلي أربعة عشر منصبا رفيعا من مناصب الدولة وأفراد عائلاتهم، معتبرا أن التعديل يتعارض مع الدستور.
وتتركّز الدعوى بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية على المادة الثانية أولا من التعديل، حيث طالب الوزير المحكمة بالحكم بإقرار عدم دستوريتها كونها توسّع نطاق منح الجوازات الدبلوماسية لتشمل عائلات كبار المسؤولين من دون قيود واضحة.
وتدرج المادة المذكورة أربعة عشر منصبا يحق لشاغليها وأفراد عائلاتهم الحصول على جوازات سفر دبلوماسية.
وكان البرلمان العراقي قد صادق مطلع السنة الجارية على مشروع قانون التعديل الأول لقانون جوازات السفر.
ونقلت شبكة رووداو الإعلامية عن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية سكفان سندي قوله إنّ المناصب المشمولة بتعديل قانون جوازات السفر “لم تكن محددة للحصول على جوازات دبلوماسية، والطعون المقدّمة تتعلق بإجراءات منحها لأصحاب هذه المناصب وأفراد عائلاتهم.”
وتتضمن دعوى الوزير أيضا اعتراضا على استثناء جوازات السفر الدبلوماسية من التعليمات السابقة التي تنظّم إصدار جميع أنواع الجوازات.
ولفت سندي إلى أن “التعديل الجديد يسمح بمنح الجوازات الدبلوماسية لأبناء المسؤولين الذين تجاوزوا ثمانية عشر عاما من العمر ولم يتزوجوا بعد، وهو ما اعتبرته الحكومة إحدى أبرز ملاحظاتها على القانون، إذ أن التعليمات السابقة كانت تقصرها على الفئة العمرية من سنة واحدة إلى ثمانية عشر عاما فقط.”
البلاد عرفت خلال السنوات الماضية تساهلا نسبيا في منح تلك الجوازات التي تكفل امتيازات وتسهيلات كبيرة لحامليها
ومن المقرر أن تعقد المحكمة الاتحادية العليا أولى جلساتها للنظر في دعوى وزارة الداخلية في الرابع والعشرين من شهر يونيو القادم، حيث ستنظر المحكمة أيضا وفي نفس اليوم في دعوى مماثلة مقدمة من وزير الخارجية الذي طالب أيضا بالطعن في دستورية التعديل لمخالفته لأحكام مواد في الدستور وإعادة القانون إلى صيغته السابقة.
واستجاب القضاء بشكل أولي لدعوى وزير الخارجية وأصدرت المحكمة الاتحادية أمرا ولائيا يقضي بإيقاف العمل بالتعديل مؤقتا إلى حين صدور الحكم النهائي بشأن دستوريته.
وتتعرّض الآلة الدبلوماسية العراقية لضغوط مستمرة من قبل الأحزاب والفصائل المتنفّذة رغبة في الفوز بما توفّره من امتيازات اعتبارية ومادية كبيرة لمن ينتمي إليها ويشغل وظائفها.
وتحدّثت مصادر مطلعة في وقت سابق عن صراع شرس يدور بين قادة تلك الأحزاب والفصائل لملء شغورات في السلك الدبلوماسي مستمرة في السلك منذ سنوات ولم تتمكن الحكومة السابقة والحكومة الحالية من ملئها بسبب شدّة التنافس عليها وصعوبة التوفيق بين القوى التي تريد الفوز بالمناصب الشاغرة.
ويعتمد العراق على آلية لتنظيم عملية المحاصصة للمناصب القيادية في الدبلوماسية العراقية وتقنينها، تتمثّل في اختيار السفراء بنسبة خمسة وسبعين في المئة من المتدرّجين في العمل الدبلوماسي من داخل وزارة الخارجية.
وفي مقابل ذلك تخصَّص خمسة وعشرون في المئة من تلك المناصب للأحزاب السياسية التي منحت صلاحية ترشيح شخصيات تابعه لها.
وفي المحصّلة تمنح هذه الآلية المعيبة الأحزاب صلاحية التعيين في السلك الدبلوماسي سواء جرت العملية في إطار وزارة الخارجية الخاضعة أصلا مثل باقي الوزارات ومؤسسات الدولة للأحزاب عينها، أو خارجها.