إضراب المحامين جرس إنذار للحكومة المصرية

تصاعد الاحتجاجات ضد زيادة الرسوم القضائية يقابل بصمت رسمي.
الجمعة 2025/05/09
المحامون يلوحون بالمزيد من الخطوات التصعيدية

صعدت نقابة المحامين في مصر تحركاتها الاحتجاجية ضد قرار زيادة الرسوم القضائية، مهددة باتخاذ المزيد من الخطوات في حال لم تتحرك الجهات المعنية وتتراجع عن القرار الذي يمس المواطنين.

القاهرة - نظمت نقابة المحامين المصرية، الخميس، إضرابا عن العمل بمحاكم الاستئناف، للضغط من أجل التراجع عن قرار مضاعفة رسوم التقاضي، ما يعد جرس إنذار للحكومة بضرورة تغيير سياساتها.

وجرى الإضراب أمام جميع الدوائر بمحاكم الاستئناف، وهي ثماني محاكم، بجانب المقار والمأموريات التابعة لها لمدة يوم واحد، كإجراء رمزي ضد ما تم فرضه من رسوم بالمخالفة للدستور والقانون، لأن الرسوم الجديدة لا تقابلها خدمات حقيقية، كما أن نسبة الزيادة وصلت إلى 500 في المئة.

وهددت نقابة المحامين بأنه في حال لم يتم التحرك من قبل الجهة التي أصدرت القرار (مجلس محاكم الاستئناف) وإعادة النظر فيه خلال أسبوع، فإنها ستعلن في اليوم التالي عن موعد لعقد جمعية عمومية لكافة المحامين (يبلغ عددهم أكثر من 300 ألف) والتوافق على آلية للتصعيد، وستناشد الرئيس المصري التدخل لحل الأزمة.

مجدي سخي: توافق على أن زيادة قيمة الرسوم تخل بسير العدالة
مجدي سخي: توافق على أن زيادة قيمة الرسوم تخل بسير العدالة

وبدأت الأزمة منذ نحو ثلاثة أعوام حينما فرض بعض رؤساء المحاكم رسوما مقابل إصدار الوثائق وصور الأحكام تحت مسمى “الخدمات المميكنة”، غير أن القضاء الإداري أبطلها، لتعود الأزمة وتتجدد مع فرض محكمة استئناف القاهرة رسوما جديدة على مراجعة الحوافظ بلغت 33 جنيها مقابل الورقة الواحدة (الدولار= 51 جنيها)، وهو ما أشعل غضب نقابة المحامين.

وبدأت النقابة إجراءات تصعيدية من خلال تظاهرات نظمتها أكثر من مرة ثم اللجوء إلى وقف التعامل مع خزائن المحاكم، وصولا إلى إضراب جزئي قد يصبح شاملا في جميع المحاكم لاحقا.

ويعد الوصول إلى الإضراب تطورا نوعيا في كيفية تعامل النقابات المهنية المصرية مع مشكلات تتعلق بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين، وتنعكس سلبا على بعض المهن، وأن حالة الهدوء السياسي التي مرت بها الدولة منذ إزاحة تنظيم جماعة الإخوان عن مجالس النقابات قد تتغير في الفترة المقبلة، في ظل تجاهل المطالب التي تتعلق بأهداف فئوية وليست سياسية، وما حدث في نقابة المحامين ربما يتكرر في نقابات أخرى.

وتمسك النقابات المهنية بزمام المبادرة عبر الوقوف أمام قرارات حكومية لا تحظى برضاء مجتمعي. وإن كانت الخطوات الاحتجاجية تسير وفق أطر تنظيمية يتم التحكم فيها من قبل مجالس النقابات، يمكن أن تتكرر بشكل عشوائي، وهو ما يمثل تحديا للجهات الحكومية، خاصة وأن النفخ في مثل هذه الاحتجاجات يستمر من جهات معارضة، مع حاجة الحكومة إلى المضي في طريق الإصلاح الاقتصادي.

وقال وكيل نقابة المحامين مجدي سخي إن الإضراب تم تنفيذه وإثباته في النقابات الفرعية بالمحافظات المختلفة، وأن عددا كبيرا من القضايا تم تأجيلها بسبب عدم حضور المحامين، بعد أن سعت النقابة للتفاوض مع الحكومة للوصول إلى حلول وسطى قبل اللجوء إلى الإضراب، لكن أغلقت الأبواب أمامها، ولم يكن هناك تجاوب، وستقول الجمعية العمومية للمحامين كلمتها بشأن خطوات التصعيد المقبلة.

◙ الأزمة بدأت منذ نحو ثلاثة أعوام حينما فرض بعض رؤساء المحاكم رسوما مقابل إصدار الوثائق وصور الأحكام

وأوضح سخي في تصريح لـ”العرب” أن النقابة وأعضاءها متوافقون على أن زيادة قيمة الرسوم تخل بسير العدالة، وتقف حائلا أمام رغبة المواطنين في الحصول على حقوقهم بالقانون، وأن القرارات الأخيرة تشجع على أن يسود قانون الغابة في ظل شكاوى عدة من تصاعد معدلات العنف في المجتمع، لافتا إلى أن أسباب الإصرار على القرارات السابقة ليست معروفة، رغم أنها صدرت من محاكم.

ويمكن حل المشكلة من خلال المزيد من الشفافية لتعريف المواطنين بتكاليف إجراءات التقاضي، وإمكانية تحميل المواطنين جزءا منها دون أن يكون من حق المحاكم تحقيق أرباح أو فائض، خاصة وأنه ليس من المنطقي أن يصبح ثمن الورقة الواحدة التي لا تكلف جنيها واحدا 33 جنيها، وهناك مئات الأوراق التي تكون مطلوبة في القضية في أكثر من مرحلة تقاض.

ويخشى محامون أن تنتقل القرارات الأخيرة من محاكم الاستئناف إلى باقي المحاكم، فبعض المحاكم الابتدائية فرضت رسوما مماثلة، وهناك قناعة بأن الصمت يقود حتما إلى تعميم القرارات، والوصول إلى مرحلة الإضراب يعبر عن مخاوف مستقبلية.

ويشير إضراب المحامين الذي سبقه تصعيد من نقابة الأطباء ضد قانون المسؤولية الطبية، إلى إحياء ردود فعل خفتت بشكل كبير في الساحة السياسية منذ رحيل الإخوان عن السلطة، ويؤدي تسييس النقابات إلى استغلالها في معارضة الحكومة.

محمد سامي: وجود حراك يتعامل مع الحكومة كخصم يجب التصعيد ضده
محمد سامي: وجود حراك يتعامل مع الحكومة كخصم يجب التصعيد ضده

وأكد الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي أن أجراس التنبيه دقت منذ فترة، وجاءت واضحة في نتائج انتخابات بعض النقابات المهنية، وآخرها نقابتا الصحافيين والمهندسين، واتخاذ نقابة الأطباء مواقف أكثر قوة للدفاع عن مصالح أعضائها، ما يؤشر على وجود حراك يتعامل مع الحكومة كخصم يجب التصعيد ضده، وما حدث في نقابة المحامين كان يمكن علاجه مبكرا عبر جهات حكومية تتواصل مع النقابة وتصل معها إلى حل وسط.

وأوضح سامي في تصريح لـ”العرب” أن ردود الفعل الصاخبة داخل نقابة المحامين على مدار الشهرين الماضيين كانت كافية للتدخل دون انتظار حدوث إضراب، فالأزمة تحمل في جوهرها معالم خطورة، حيث تمس الكثير من المواطنين، وتؤثر سلبا على اتجاه المصريين إلى المؤسسات القضائية للحصول على حقوقهم، كما أنها مشكلة تمس أعضاء نقابة المحامين، وهم فئة كبيرة يصعب تجاهلها.

وذكر أن النقابة طالبت بالحفاظ على مصالح أعضائها بمسؤولية ووعي سياسي، وثمة مراعاة شعبية لطبيعة الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تحيط بالدولة، وكان يجب أن تتعامل الحكومة بما يرقى إلى مستوى وعي المواطنين.

ولفت إلى أن وجود مساحات زمنية منذ بدء التصعيد حتى الوصول إلى الإضراب هدفه حدوث تدخل ينزع فتيل الأزمة، وإذا استمر التجاهل فقد يتضاعف الاحتقان في وقت لا تتحمل فيه الدولة ما يؤثر على استقرارها.

وقال نقيب المحامين عبدالحليم علام في تصريحات سابقة إن القطاع لا يقل أهمية عن التعليم والصحة، وإنه يجب دعمه من جيوب الدولة وليس المواطنين، ولا يجب فرض رسوم بهذا الشكل، لأنها تقيد قيام المحامين بعملهم.

2