تريث سعودي على أعتاب مجموعة بريكس لتجنب إثارة الشريك الأميركي

التراجع النسبي في مستوى الثقة المتبادلة بين السعودية وشريكتها التاريخية الكبرى الولايات المتحدة خلال فترات حكم إدارتي باراك أوباما وجو بايدن الديمقراطيتين، والذي وفّر سببا وجيها لتوجّه المملكة نحو تمتين شراكاتها مع قوى دولية أخرى، قد لا يكون كافيا لتبرير لتلك السياسة لإدارة دونالد ترامب وإقناعه بالتعاطي مع الرياض في ضوئها.
الرياض- لا تخفي النجاحات التي حققتها المملكة العربية السعودية في سياسة تنويع الشركاء الدوليين التي كثّفت من انتهاجها منذ أن بدأت تلوح بوادر تراجع في مستوى الثقة بالشريك التاريخي للمملكة، الولايات المتحدة في عهد الإدارة الديمقراطية بقيادة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وبعد ذلك الرئيس السابق جو بايدن، وجود عوائق في طريق مواصلة انتهاج السياسة ذاتها وبنفس الزخم والحماس، تتمثّل أساسا في وجود إدارة أميركية جمهورية بقيادة دونالد ترامب قد تنظر إلى شراكات الرياض مع قوى وتجمعات أخرى باعتبارها دعما لمنافسي واشنطن وخصما من رصيد الشراكة السعودية – الأميركية.
وقال مصدران إن السعودية ترجئ الانضمام رسميا إلى مجموعة بريكس رغم أنها شاركت في اجتماع لها الأسبوع الماضي في البرازيل، وذلك لتجنب مسألة قد تثير استياء الولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه لإبرام صفقات معها.
وظل الانضمام لبريكس يمثل قضية حساسة للسعودية من الناحية الدبلوماسية منذ دعوتها لأول مرة للانضمام في عام 2023، ولا يزال الأمر كذلك مع اقتراب موعد زيارة سيقوم بها الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط الأسبوع المقبل وتفاوض الرياض على صفقات نووية وتكنولوجية.

روبرت موجيلنيكي: الرياض تفضل ما تحصل عليه من واشنطن على ما قد تكسبه من بريكس
وتأسست بريكس كمجموعة تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا للوقوف في وجه الهيمنة الغربية على النظام العالمي، واتسعت في السنوات القليلة الماضية لتضم اقتصادات ناشئة مثل الإمارات ومصر وإندونيسيا.
ورغم أن موقع بريكس الإلكتروني يظهر أن السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم عضو بالمجموعة، فقد أكد المصدران المطلعان على السياسة السعودية أن المملكة لم تنضم بعد.
وأحالت وزارة الخارجية البرازيلية وكالة رويترز إلى الحكومة السعودية عند سؤالها عن إدراج المملكة على الموقع الإلكتروني كعضو. وترأس البرازيل حاليا مجموعة بريكس. لكن مكتب التواصل الحكومي في السعودية لم يردّ على طلب للتعليق على الموضوع، بحسب الوكالة.
وقال أحد المصدرين ودبلوماسي إن السعودية لا تريد المخاطرة بإثارة غضب الولايات المتحدة في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات معها.
وأوفدت السعودية نائب وزير الخارجية إلى الاجتماع الذي عقد يوم 29 أبريل في ريو دي جانيرو ولم يتفق فيه وزراء دول المجموعة سريعة التوسع على بيان مشترك.
ويعكس تردد المملكة في الانضمام لبريكس رغبتها في تحقيق توازن دقيق بين الصين، أكبر مستهلك لصادرات النفط السعودي، وبين الولايات المتحدة، الشريك الذي لا غنى عنه في مجال الأمن والتكنولوجيا. وصارت السعودية تتحسس الخطى بشكل أكبر بسبب زيادة الانقسام بين الولايات المتحدة والصين.
وقال روبرت موجيلنيكي الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن “لا يزال السعوديون يرون قيمة هائلة للتعاون مع مجموعة بريكس ودولها الأعضاء، وسيواصلون الاستفادة بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف قدر الإمكان.”
وأضاف “أعتقد أن الحسابات السعودية تفضل ما قد تحصل عليه من الولايات المتحدة على ما قد تحصل عليه من الانضمام لبريكس، على الأقل في المدى القصير”.
وطالب ترامب بريكس في يناير الماضي بالالتزام بعدم استحداث عملة جديدة أو دعم عملة أخرى لتحل محل الدولار وإلا سيفرض رسوما جمركية بنسبة مئة في المئة على دول المجموعة.
وبينما لا تزال المملكة تفضل حليفتها التاريخية الولايات المتحدة، فإنها تسعى أيضا إلى تعزيز العلاقات التجارية مع الصين أكبر مستورد للخام السعودي.
وفي فبراير الماضي صدرت السعودية سلعا بقيمة 15.2 مليار ريال (4.05 مليار دولار) إلى الصين، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 20.6 في المئة عن العام السابق، عندما بلغ حجم التجارة 12.6 مليار ريال، بحسب بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، نمت التجارة بمعدل سنوي قدره 50.3 في المئة.
وبلغ إجمالي عقود الاستثمار والبناء الصينية في السعودية بين عام 2005 ومنتصف عام 2024 نحو 71 مليار دولار، وفقا لمتتبع الاستثمار العالمي الصيني، ما يعكس الدور المتنامي لبكين في التحول الاقتصادي للمملكة.
تردد المملكة في الانضمام لبريكس يعكس رغبتها في تحقيق توازن دقيق بين الصين، أكبر مستهلك لصادرات النفط السعودي، وبين الولايات المتحدة الشريك الذي لا غنى عنه في مجال الأمن والتكنولوجيا
ولا تزال الشراكة السعودية مع الولايات المتحدة محورية لطموحاتها الأمنية والاستثمارية والتكنولوجية، حتى مع توسيع علاقاتها مع قوى منافسة مثل الصين وروسيا.
وقالت مصادر لرويترز الشهر الماضي إن الولايات المتحدة تستعد لتقديم حزمة أسلحة للسعودية تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار، وذكرت أنه من المقرر الإعلان عن العرض خلال زيارة ترامب.
وتسعى مجموعة بريكس إلى التحوّل من الدولار إلى عملات أخرى. لكن دراسة أجراها مركز الاقتصاد الجغرافي التابع للمجلس الأطلسي العام الماضي أظهرت أن الدولار لا يزال العملة الأساسية للاحتياطيات في العالم وأن الدول المستخدمة لليورو وكذلك دول البريكس لم تتمكن من تقليل الاعتماد العالمي على الدولار.
وقال ستيفن هيرتوغ الأستاذ المشارك في السياسة المقارنة في كلية لندن للاقتصاد “رغم أن مجموعة بريكس تشكل منتدى مفيدا للتعبير عن المظالم بشأن السلوك الأميركي، فإنها لم تصبح بعد هيئة متماسكة بالقدر الكافي لتوفير ما يخدم الصالح العام في ملفات رئيسية مثل التعاون في مجال العُملة أو الأمن أو التكامل الاقتصادي.”
وقال المحلل السعـودي عـزيز الغشيان إن السعوديين يشعرون بأنهم أصحاب تأثير وإنهم يستمتعون بالوضع. وأضاف أنهم يـرون أن الولايات المتحدة لا تزال هي الفاعل الرئيسي، لكن هناك جهات أخرى يمكنها أيضا تقديم فائدة.