وساطة إماراتية لبناء الثقة بين إسرائيل وسوريا

دمشق – فتحت الإمارات قناة اتصال لمحادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، في مسعى لبناء الثقة بين البلدين ما يفضي لاحقا وبعد استيفاء شروط التفاوض إلى وقف الاستهداف العسكري الإسرائيلي المتواصل لسوريا وما يخلفه من توترات أمنية واجتماعية تعيق سعي حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع لتأمين الاستقرار.
وتتركز الخطوات الأولى من المحادثات غير المباشرة على الجانب الأمني، وهو يتعلق بالأساس بتبديد المخاوف الأمنية الإسرائيلية بشكل يعطي مصداقية لما يقوله الرئيس السوري بشأن عدم عداء حكومته لإسرائيل.
ويقول مراقبون إن التوتر القائم بين سوريا وإسرائيل يحتاج إلى وسيط يحوز ثقة الطرفين وقادر على المساعدة في إزالة الشكوك والبدء بخطوات عملية ولو متدرجة من أجل بناء الثقة، وهو ما يتوفر في الإمارات.
دمشق ترى أن علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي بدأت باتفاق تاريخي في 2020، تشكل مضمارا أساسيا لمناقشة عدة قضايا بالنظر إلى غياب علاقات مباشرة
وتوفّر هذه الوساطة مخرجا واقعيا بالنسبة إلى الحكومة السورية، التي تريد أن تقنع الإسرائيليين بأنها لا تعاديهم، وأن تفكيرها يتجه إلى القضايا الداخلية، خاصة أن الإسرائيليين لا يصدّقون ما يقال من طمأنة في دمشق قياسا على خلفية التاريخ المتطرف لهيئة تحرير الشام التي تسيطر على الحكم في دمشق.
وفي غياب التحرك الإماراتي يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، بحيث أن تستمر إسرائيل في الانتشار بسوريا والتقدم كل مرة لتستحوذ على موقع جديد، وتحريك ورقة الأقليات كورقة ضغط إضافية على دمشق التي لا تقدر على القبول بالأمر الواقع من ناحية، ولا تقدر أن ترد الفعل خوفا من صدام غير متكافئ مع الجيش الإسرائيلي من ناحية ثانية.
وسيكون نجاح الوساطة مرهونا بمدى استعداد دمشق للتجاوب مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية التي تتعلق بالمجموعات المتطرفة التي تم دمجها في الحكومة سواء تعلق الأمر بالمقاتلين السوريين أم الأجانب، حيث يثير وجودهم داخل القوات الحكومية مخاوف في إسرائيل وفي الإقليم ككل.
واعترف الشرع خلال زيارته إلى باريس بوجود مسار تفاوضي مع إسرائيل قائلا “نجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع، بحيث لا تصل الأمور إلى حد تُفقد فيه السيطرة من كلا الطرفين.”
وأضاف “إسرائيل قصفت سوريا أكثر من 20 مرة الأسبوع الماضي، وعليها التوقف عن تصرفاتها العشوائية وتدخلها في الشأن السوري.”
وأفاد مصدر مطلع ومسؤول أمني سوري ومسؤول مخابرات إقليمي بأن الاتصالات غير المباشرة، التي لم يُعلن عنها سابقا، تركز على مسائل أمنية ومخابراتية وبناء الثقة بين دولتين لا تربطهما علاقات رسمية.
ووصف المصدر الأول الجهود، التي بدأت بعد أيام من زيارة الرئيس السوري للإمارات في 13 أبريل، بأنها تركز حاليا على “مسائل فنية”، وأضاف أنه لا حدود لما قد يشمله النقاش في نهاية المطاف.
وقال المصدر الأمني السوري الكبير لرويترز إن قناة الاتصال تقتصر فقط وحصريا على القضايا الأمنية، مع التركيز على عدد من ملفات مكافحة الإرهاب. وأضاف أن المسائل العسكرية، وخاصة تلك المتعلقة بأنشطة الجيش الإسرائيلي في سوريا، خارج نطاق المناقشات حاليا.
وذكر المصدر المخابراتي أن مسؤولين أمنيين إماراتيين ومسؤولين في المخابرات السورية ومسؤولين سابقين في المخابرات الإسرائيلية شاركوا في قناة الاتصال، من بين آخرين.
وجرت جهود الوساطة قبل ضربات إسرائيلية على سوريا في الأسبوع الماضي، بما في ذلك غارة على بعد 500 متر فقط من القصر الرئاسي في دمشق.
وتوجه إسرائيل عبر تلك الغارات رسالة إلى قادة سوريا الجدد ردا على تهديدات للدروز، وهم أقلية دينية في سوريا ولبنان وإسرائيل. ووفقا لأحد المصادر ودبلوماسي إقليمي، جرت وساطة غير رسمية بين إسرائيل وسوريا بهدف تهدئة الوضع خلال الأسبوع الماضي عبر قنوات أخرى.
وندّدت السلطات السورية بالضربات الإسرائيلية ووصفتها بالتصعيد والتدخل الخارجي، وقالت إن الحكومة الجديدة في دمشق تعمل على توحيد البلاد بعد حرب دامت 14 عاما.
ويبذل القادة الجدد في سوريا جهودا لإظهار أنهم لا يشكلون أيّ تهديد لإسرائيل، إذ التقوا بممثلين عن الجالية اليهودية في دمشق وخارجها وألقت السلطات القبض على عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، والتي شاركت في هجوم السابع من أكتوبر 2023.
التوتر بين سوريا وإسرائيل يحتاج إلى وسيط يحوز ثقة الطرفين وقادر على المساعدة في إزالة الشكوك والبدء بخطوات عملية لبناء الثقة
وجاء في رسالة من وزارة الخارجية السورية إلى وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي “لن نسمح لسوريا بأن تشكل مصدر تهديد لأيّ طرف بما في ذلك إسرائيل.”
وضربت إسرائيل أهدافا في سوريا على مدى سنوات في حملة ظل عسكرية سعت بها إلى إضعاف إيران وحلفائها ومنهم جماعة حزب الله اللبنانية التي زاد نفوذها بعد تدخلها في الحرب الأهلية إلى صف بشار الأسد.
وازدادت عمليات الجيش الإسرائيلي حدة منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر وقالت إنها لن تسمح بوجود إسلامي مسلح في جنوب سوريا. وقصفت إسرائيل ما قالت إنها أهداف عسكرية في أنحاء البلاد كما دخلت قوات برية إسرائيلية إلى جنوب غرب سوريا.
وذكرت رويترز في فبراير أن إسرائيل ضغطت على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا لا مركزية ومعزولة واستندت في ذلك إلى شكوك في الشرع الذي قاد من قبل جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة قبل أن يقطع صلاته بالتنظيم في 2016.
وقالت المصادر إن حكومة الإمارات لديها أيضا مخاوف بشأن الميول الإسلامية لقادة سوريا الجدد لكن اجتماعا بين الشرع ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الشهر الماضي سار بشكل جيد جدا مما ساهم في تهدئة بعض مخاوف أبوظبي.
وأشارت المصادر إلى أن الاجتماع استمر لعدة ساعات ما تسبب في تأخر الشرع عن ارتباط بعده. وقالت المصادر إن قناة الاتصال السرية مع إسرائيل بدأت بعد أيام من ذلك.
وترى دمشق أن علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي بدأت باتفاق تاريخي توسطت فيه الولايات المتحدة في 2020، تشكل مضمارا أساسيا لمناقشة قضايا مع إسرائيل بالنظر إلى غياب العلاقات المباشرة بين الدولتين.