الإسقاط: لماذا نلوم العالم؟

الفرد يبحث عن مبررات خارجية لألمه لأن مواجهة الذات تتطلب شجاعة، والإسقاط يحميه من الشعور بالذنب أو العجز.
الخميس 2025/05/08
التصالح مع ذاته

يسقط الإنسان مشكلاته على العالم عندما يواجه الفشل أو الضيق، فيحمل الظروف الخارجية مسؤولية ما يعانيه، فهذه الآلية النفسية المعروفة بالإسقاط، تتيح للفرد الهروب من مواجهة حقيقة ضعفه أو أخطائه، عوض التصالح مع ذاته وتحليل أسباب فشله الشخصي، فإذا به يجد في الحكومات والحروب والمؤسسات والأديان والمناخ والأقارب والأصدقاء شماعة يعلق عليها إخفاقاته، كراحة مؤقتة لكنه يعيق نموه، حينما يفشل الطالب في دراسته، فيسارع إلى إلقاء اللوم على أستاذه مدعيًا أنه يكرهه، أو على زملائه الذين يعيقونه بالضوضاء أو المشاكسات، فيذهب أبعد فيسقط فشله على المدير أو العميد، متهمًا إياهما بتعمد إفشاله عبر سياسات ظالمة.

ويبحث الفرد عن مبررات خارجية لألمه لأن مواجهة الذات تتطلب شجاعة، والإسقاط يحميه من الشعور بالذنب أو العجز، لكنه يزرع بذور الضعف النفسي، فعندما يلوم المناخ على مرضه أو المؤسسات على فشله المهني، يتجنب التفكير في دوره الشخصي، مثل سوء إدارته للوقت أو اختياراته غير الصائبة، فمثلاً تقضي الفتاة مراهقتها في القيل والقال مع الشباب الرجال وعندما لا تتزوج تسقط حالتها على الرجال مدعية أنهم سواسية أو لا يستحقونها، أو تلوم زميلاتها زاعمة أنهن حسدنها وعملن لها سحرًا.

ويؤدي الإسقاط إلى تحفيز الشعور بالضحية، ويجعل الفرد يعتقد أنه لا يملك السيطرة على حياته، وهذا الشعور يقلل من دافعه لاتخاذ خطوات إيجابية للتغيير، فبعض النسويات المستقلات، الفاشلات في تكوين أسرة، يحرضن باقي النساء ضد الرجال والزواج والإنجاب، مدعيات أن الرجال قيد على الحرية أو أن الزواج نظام ظالم، وعوض مواجهة أسباب فشلهن الشخصي في بناء علاقات مستقرة، يسقطن إخفاقاتهن على المجتمع أو الأعراف، وهذا يخلق الانقسام بين الجنسين.

ويسبب الإسقاط ضررًا للعلاقات الاجتماعية، إذ يؤدي إلقاء اللوم على الآخرين إلى الصراعات وسوء الفهم، فالرجال والنساء المنحلون فكريًا وروحيًا، الذين تسيطر عليهم أهواؤهم، يبررون سلوكياتهم الخبيثة بالهجوم على الأديان والمذاهب، ويلقون باللوم على الشيوخ والعلماء، متهمين إياهم بالتزمت أو التخلف، عوض مواجهة ضعفهم الأخلاقي، وهذا الإسقاط يمنحهم مبررًا للاستمرار في أهوائهم دون شعور بالذنب.

ويعيق الإسقاط النمو الشخصي لأنه يمنع الفرد من تعلم دروس الحياة، فالمخمورون ومدمنو القمار الذين يعانون من الفقر يسقطون مأساتهم على الاقتصاد المتدهور أو سياسات الدولة الظالمة، وقد يتهمون عائلاتهم بالتآمر ضدهم، وهذا الإسقاط يجنبهم الاعتراف بأن إدمانهم هو السبب الرئيسي لتدهور أوضاعهم، كذلك المخرج الذي يخفق في تحقيق نجاح فيلمه يلوم الناقد الذي فكك معايير فيلمه أو الجمهور الذي لا يفهم الفن.

وتستخدم بعض الدول، مثل أميركا وإسرائيل، الإسقاط على نطاق جيوسياسي لتبرير أعمالها العدوانية، فيُزعم أن هذه الدول أسقطت إرهابها على العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وفلسطين لخلق ذريعة للغزو والاحتلال، بينما أحداث 11 سبتمبر و7 أكتوبر لم تكن من تخطيط العرب، وهو واضح من تدبير الغرب وإسرائيل، ثم أُلقي اللوم على العرب لتبرير التدخلات العسكرية، وهذا الإسقاط يُظهر كيف يمكن استخدام الآلية نفسها على مستوى الدول لتحقيق أهداف سياسية، ويتجلى مرض إسقاط الفشل الشخصي على الآخرين عندما يلقي الفرد بمسؤولية إخفاقاته على عوامل خارجية، أو الهروب من مسؤولية واجبة.

18