عندما يستهدف البرهان الإمارات بمزاعم بلا برهان..

فعل رئيس مجلس سيادة بورتسودان عبدالفتاح البرهان بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه، عندما اختار، تحت وطأة هزيمته القانونية أمام محكمة العدل الدولية، أن يعادي دولة الإمارات ويصنفها دولة عدوان، وأن يسحب منها السفارة والقنصلية العامة، في محاولة منه لتوسيع دائرة حربه على شعبه، ولتخليص نفسه من عبء المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الحرب، محاولًا وضعها على كاهل أطراف وقوى إقليمية ودولية، خصوصًا بعد أن تقلّصت دوائر سلطته ومناطق نفوذه، وتراجع أثر عقيدته على الواقع تحت إمرته، بين من أدركوا أن الحرب التي تجاوزت عمر العامين ليست سوى حرب عبثية يقودها البرهان برغبة الإخوان لإبقاء السودان غنيمة للكيزان.
أكدت دولة الإمارات أنها ليست طرفًا في النزاع السوداني، وقالت إن تقرير مجلس الأمن الدولي بشأن السودان يدحض بشكل كامل المزاعم المضللة للجيش السوداني، كما يؤكد موقف الإمارات الداعم والراسخ للشعب السوداني. ووصفت الدعوى بأنها محاولة من القوات المسلحة السودانية، أحد أطراف النزاع، لصرف الانتباه عن مسؤولياتها في الحرب الدائرة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى الإلهاء الإعلامي، بدلاً من معالجة جذور الصراع.
كان هدف البرهان أن يدخل العام الثالث من حربه المدمّرة على شعبه، من خلال استدراج قوة إقليمية ودولية مؤثرة، وهي الإمارات، إلى مربع الفوضى السياسية والدبلوماسية والإعلامية، الذي انتهجه منذ انقلابه على ثورة الشعب السوداني، وذلك من خلال اتهامها بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع، التي كانت، حتى بداية المواجهة، جزءًا من تركيبة الحكم العسكري المسلط على رقاب السودانيين.
◄ هناك خطأ قاتل آخر وجوهري وقع فيه البرهان، وهو تجاهله للدور الإقليمي والدولي الكبير والمؤثر الذي تقوم به دولة الإمارات في المنطقة والعالم سواء من الناحية السياسية أو المالية والاقتصادية
أعربت الإمارات عن رفضها القاطع لما وصفته بـ”الادعاءات الباطلة التي أدلت بها القوات المسلحة السودانية ضمن جلسة استماع أمام محكمة العدل الدولية، الخميس في لاهاي”. وقالت إن القوات المسلحة السودانية فشلت في تقديم أي دليل ذي مصداقية لإثبات ادعاءاتها، ما يعكس كونها قضية ضعيفة لا تملك شرعية ولا أسسًا قانونية، ولا تلبّي أيًا من معايير الإثبات القضائي.
في الخامس من مايو الجاري، رفضت محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من حكومة بورتسودان ضد الإمارات، وذلك لعدم الاختصاص، وأمرت بشطب القضية من اللائحة العامة للمحكمة، ما يعني إنهاء النظر فيها بشكل كامل.
كان هذا القرار متوقعًا منذ الإعلان عن تقديم ممثلي البرهان الملف إلى مكتب الادعاء، لكن نزوع جنرالات الكيزان إلى المزيد من العبث السياسي، واجتماعهم مع حلفائهم وأنصارهم من عناصر الجماعة في امتداداتها الإقليمية والجغرافية المختلفة، كان دافعه الأساسي هو العمل على توريط الإمارات أو إرباك مواقفها، والتشكيك في موقعها الإقليمي والدولي كقوة سلام وتوازن وبناء وتضامن، وهو ما لم ولن يتحقق لاعتبارات عدة يعرفها البرهان جيدًا قبل غيره.
من هذه الاعتبارات أن الإمارات دولة اختارت التحالف مع الشعوب المؤمنة بالحياة، الرافضة للإرهاب والفساد، والثائرة على الأنظمة الكهنوتية، والمدافعة عن قيم الدولة الوطنية المدنية الحديثة، والساعية إلى تحقيق التنمية والرفاهية، وهي الأهداف التي منع حكم العسكر السودانيين من تحقيقها وتجسيدها في الواقع.
في فبراير 1972، بعد شهرين فقط من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، أدى الشيخ زايد زيارة تاريخية إلى السودان، وأسس بذلك لعلاقات قوية ومتينة وراسخة مع الشعب السوداني، حيث استعمل الطائرة والقطار والسيارة في جولة شملت جميع الولايات، بما فيها دارفور وكردفان.
◄ إجمالي المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للسودان خلال عشر سنوات (2014 – 2025) تجاوز 3.5 مليار دولار
ومنذ ذلك التاريخ، لا تكاد توجد منطقة أو قطاع في السودان إلا وتحمل بصمة إماراتية، تعكس عمق الود الذي يكنه الإماراتيون قيادةً وشعبًا لأشقائهم السودانيين.
لم يكن اختيار الشيخ زايد السودان كأول محطة خارجية بعد قيام الدولة اعتباطيًا، بل كان تعبيرًا عن علاقة أخوية وإنسانية وثقافية، نجح عدد من السودانيين في تأسيسها في أبوظبي ودبي والشارقة، حيث وجد تفانيهم في العمل والتزامهم الأخلاقي وطيبتهم ووفاؤهم صدى عميقًا في نفوس أبناء الإمارات، وهو ما عزز علاقات التعاون بين البلدين.
البرهان لم يكتفِ بالخطأ، بل وقع في خطيئة لا تُغتفر، عندما سارع إلى تنفيذ توصيات بعض المتآمرين في الداخل والخارج، محاولًا إحراج دولة الإمارات في المحافل الدولية، وإظهارها كدولة متورطة في الحرب الأهلية التي اندلعت في بلاده منذ أبريل 2023.
هذه الحرب كان لها سببٌ معلن ومقنع تؤيده الوقائع، وهو انقلاب البرهان وفريقه على مبادئ وأهداف ثورة ديسمبر 2018، التي أطلقها الشعب السوداني العظيم ليس فقط ضد نظام الكيزان، وإنما ضد عقود من أنظمة الحكم العسكري، التي بدأت منذ استيلاء قوات الجيش بقيادة الفريق إبراهيم عبود على الحكم في 17 نوفمبر 1958، عندما انقلب على أول نظام مدني ديمقراطي.
كان على البرهان أن يتذكر جيدًا طبيعة العلاقات الوطيدة التي طالما ربطت بين الإمارات والشعب السوداني. وإذا كانت بعض الكفاءات السودانية قد ساهمت بالفعل في بناء الإمارات منذ خمسينات القرن الماضي، ووجدت حظوة خاصة لدى الشيخ زايد في أبوظبي والشيخ راشد في دبي، ولدى أبنائهما من بعدهما، فإن الدور الإماراتي في تنمية السودان كان محوريًا وأساسيًا، من خلال استثمارات وتمويلات بلغت حوالي 7.6 مليار دولار، منها 6 مليارات دولار في القطاع الزراعي، مع وجود 17 شركة إماراتية تعمل في قطاعات متنوعة مثل الزراعة، السياحة، الطيران، النفط، والغاز.
◄ دولة الإمارات أكدت أنها ليست طرفًا في النزاع السوداني، وقالت إن تقرير مجلس الأمن الدولي بشأن السودان يدحض بشكل كامل المزاعم المضللة للجيش السوداني، كما يؤكد موقف الإمارات الداعم والراسخ للشعب السوداني
أما قيمة المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للشعب السوداني منذ بدء الأزمة في 2023، فقد تجاوزت 600 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تعهدت بها الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان، الذي عُقد في أديس أبابا في فبراير 2025.
بحسبة بسيطة، فإن إجمالي المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للسودان خلال عشر سنوات (2014 – 2025) تجاوز 3.5 مليار دولار.
هناك خطأ قاتل آخر وجوهري وقع فيه البرهان، وهو تجاهله للدور الإقليمي والدولي الكبير والمؤثر الذي تقوم به دولة الإمارات في المنطقة والعالم سواء من الناحية السياسية، أو المالية والاقتصادية، أو الأمنية والإستراتيجية، أو من حيث القوة الناعمة، وهو ما يعني بوضوح أن للإمارات قدرتها الفائقة على إحباط مؤامرات البرهان والإطاحة بمشروعه للسيطرة على السودان وإجهاض أحلام وطموحات السودانيين ورغبتهم في التحرر والانعتاق من فساد الإخوان ودكتاتورية العسكر واستبداد الانقلابيين.
كان على البرهان أن يدرك أن الإمارات ليست داعمة كما يزعم لقوات الدعم السريع، وإنما هي متحالفة مع الشعب السوداني ومؤمنة به وبقدراته ومقدراته، ومدافعة شرسة عن حقه في الحرية والديمقراطية وفي النظام المدني التعددي النزيه والعادل، القادر على إنقاذ البلاد من نكبتها التاريخية، دون أن يتورط في القتل والفساد وتقسيم البلاد أو تتلوث أياديه بدماء الأبرياء ودموع الثكالى والأيتام.
مزاعم البرهان ضد الإمارات، بلا برهان، وبلا عقل يمكن أن يردها إلى الطريق المستقيم، وبلا رؤية قادرة على وضع مصالح السودانيين وعلاقاتهم التاريخية مع الإمارات فوق حسابات السياسة وأطماع الإخوان ودكتاتورية العسكر المؤدلج.