قرارات ترامب تضع صحافيي "الحرة" بدبي في مأزق

اقتطاعات ترامب، الذي يشكّك في الاستقلالية التحريرية لوسائل الإعلام المموّلة أميركيا والموجّهة إلى الخارج، سرّعت إقفال مكتب الإمارات.
الخميس 2025/05/08
إدارة ترامب لا تحب هذا النوع من الإعلام المستقل

دبي - وجدت سارة نفسها فجأة، كما عشرات الموظفين في قناة “الحرة” التي أغلقت مكتبها الإقليمي في الإمارات مؤخرا، دون عمل. وهي التي كانت قد انضمت إلى المؤسسة الممولة من واشنطن “بحثا عن استقرار وظيفي،” بينما ذكر صحافيون من المكتب أنهم تلقّوا تطمينات من الحكومة الإماراتية بأنها تعمل على تسهيل إقامتهم في البلد حتى يتم إيجاد حل.

وتوقفت قناة "الحرة" الأميركية الناطقة باللغة العربية عن البث الشهر الماضي، عقب قرار الرئيس دونالد ترامب في منتصف أبريل تجميد تمويل شبكة الشرق الأوسط للإرسال التي تشغّل وتدير القناة، ومقرّها الرئيسي فيرجينيا.

وتقول الثلاثينية سارة، وهو اسم مستعار للصحافية التي فضلت عدم كشف هويتها لتتحدث بحرية عن الوضع، “نعيش فيلم رعب… انقطع دخلي فجأة ولدي التزامات عائلية وقرض مصرفي. ماذا سيحدث إذا لم أتمكّن من دفع الأقساط؟”

وكانت الشبكة قد واجهت تحديات حتى قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فاضطرت إلى تسريح العديد من موظفيها في سبتمبر الماضي.

ويوضح المدير التنفيذي لشبكة “إم.بي.إن” جيفري غيدمن أنه عندما تسلّم منصبه في أبريل 2024 “ورث تخفيضات الميزانية التي أقرتها الإدارة السابقة والكونغرس،” ما دفعه لاحقا إلى “خفض الموظفين بنحو 25 في المئة.”

إلا أن اقتطاعات ترامب، الذي يشكّك في الاستقلالية التحريرية لوسائل الإعلام المموّلة أميركيا والموجّهة إلى الخارج، سرّعت إقفال مكتب الإمارات.

إغلاق قناة "الحرة" خلّف صدمة في مكتب دبي، المقرّ الإقليمي للقناة في الشرق الأوسط

وسيزور الرئيس الأميركي الأسبوع المقبل الإمارات ودولا خليجية أخرى.

وخلّف إغلاق قناة “الحرة” صدمة في مكتب دبي، المقرّ الإقليمي للقناة في الشرق الأوسط. وتلقّى كل العاملين فيه، والبالغ عددهم 99 موظفا، بريدا إلكترونيا السبت 12 أبريل بعنوان “شكرا على خدمتك،” موقّعا من غيدمن.

وتلقى معظم الموظفين في مقرّ الشبكة الرئيسي في فيرجينيا الرسالة نفسها. وقررت إدارة ترامب وقف عمل الشبكة في 15 مارس الماضي.

ولا يزال قرار تمويل شبكة “إم بي إن”، إلى جانب وسائل إعلام أخرى مثل إذاعتي “صوت أميركا” و”آسيا الحرة”، وهي منابر تابعة للوكالة الأميركية للإعلام الدولي، محلّ طعون متواصلة في المحاكم الأميركية.

ولا يستغرب أستاذ الاعلام السياسي في جامعة الملك سعود مطلق المطيري القرار الأميركي. ويوضح أن “الإستراتيجية الإعلامية الأميركية صارت تعتمد على العلاقة مع الزعماء والحكومات،” لا على مخاطبة الشعوب “كما فعلت في السابق لإيصال وجهة نظرها السياسية في مسألة الإرهاب خصوصا.”

وأنشأت واشنطن قناة “الحرة” في 2004 وموّلتها، بعد عام من غزوها العراق. وبدا واضحا أنها كانت تسعى إلى موازنة نفوذ قناة “الجزيرة” القطرية التي انطلقت عام 1996 في المنطقة حيث الرأي العام معاد إجمالا للولايات المتحدة.

وتقول القناة الإخبارية إنها كانت تصل إلى أكثر من 30 مليون شخص أسبوعيا في 22 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتتهم إدارة ترامب التي وضعت الوكالة الأميركية للإعلام الدولي (وكالة فيدرالية مستقلة تُموّل وسائل الإعلام الموجهة للخارج) تحت سلطة كاري ليك، وهي مذيعة سابقة محافظة للغاية، شبكة الشرق الأوسط للإرسال التي تدير “الحرة” بأنها “عملاق فاسد وعبء على دافعي الضرائب الأميركيين.”

وردّا على الاتهامات يقول غيدمن “لا تُحب إدارة ترامب هذا النوع من الإعلام المستقل،” مضيفا “أعتقد أن ما تفعله غير حكيم ويضرّ بسمعة الولايات المتحدة.”

صحافيون من مكتب "الحرة" في دبي تلقّوا تطمينات من الحكومة الإماراتية بتسهيل إقامتهم حتى يتم إيجاد حل

وكان لدى الوكالة، التي تُعد إحدى وسائل القوة الناعمة الأميركية، 3384 موظفا في العام المالي 2023، وطلبت 950 مليون دولار للعام المالي الحالي، قبل أن تقرّر إدارة ترامب إنهاء الدعم المالي، في إطار خفض جذري للموازنة الفيدرالية.

إلا أن غيدمن لا يعتبر أن المبرّر المالي هو الأساس. ويقول “نكلّف سنويا ما يعادل طائرتي أباتشي. الولايات المتحدة قادرة على تحمّل هذه الكلفة.”

وخفّضت شبكة “إم بي.إن” عدد الموظفين من 500 إلى ما يقارب 40 موظفا، بحسب غيدمن الذي وصف ما يجري بـ”إستراتيجية قاتلة”.

وكان قد حذّر سابقا من خطر إغلاق منصات الشبكة بما فيها قناة “الحرة” في منطقة “تشهد مناخا إعلاميا يعمّه العداء المطلق للولايات المتحدة.”

ويقول موظف عمل 17 عاما في مقرّ الشبكة الرئيسي في فيرجينيا “كان قرار الإغلاق متوقعا، لكننا لم نتخيل حدوثه بهذه السرعة.” ويضيف الأب لثلاثة أبناء “ألقوا بنا في الشارع، لم نحصل على أيّة حقوق.”

ويعرب صحافي تم تسريحه من مكتب دبي عن تخوّفه من “مستقبل مهني مجهول” بعد ثماني سنوات من العمل في قسم الأخبار للقناة. وقال الرجل البالغ 56 عاما “لسنا مقبولين في معظم الدول العربية لأننا اشتغلنا في قناة الحرة الأميركية.”

ويشير مدير مركز “البارومتر العربي” للاستطلاعات مايكل روبنز إلى محدودية نجاح قناة “الحرة” في منافسة الجزيرة مثلا و”بي.بي.سي التي قدّمت أخبارا باللغة العربية من منظور غربي، ولديها سمعة أطول بكثير.”

ويقول روبنز “قلّة في المنطقة تلجأ إلى ‘الحرة’ كمصدر رئيسي للمعلومات” خصوصا مع “تراجع صورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي بسبب دعمها إسرائيل.”

ويتحدث الموظف من فيرجينيا بغضب، قائلا “الطريقة التي أنهوا بها تاريخنا الطويل مع الشبكة مهينة جدا.”

ويعرب الرئيس التنفيذي غيدمن عن “تضامنه التام مع الموظفين المستائين،” واصفا ما يجري بـ”غير العادل”، ومشيرا إلى أنه يعمل على إيجاد حلول “لمساعدتهم ولو قليلا.”

5