حبس وزير الصحة بحكومة الدبيبة ومسؤولين في قضية استيراد أدوية فاسدة

طرابلس - أمرت النيابة العامة الليبية حبس وزير الصحة ومسؤولين كبار في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها على خلفية مخالفات في استيراد أدوية أورام من العراق، بعد ثبوت وجود خروقات جسيمة للإجراءات القانونية والفنية المعتمدة، مما يسلط الضوء على مدى تغلغل الفساد في مفاصل الدولة وتهديده لثقة المواطنين في مؤسسات الحكم وسلامة القطاع الصحي.
وأكد بيان صادر عن مكتب النائب العام "مباشرة التحقيقات في مدى التزام الجهات المعنية بالضوابط الحاكمة لعملية شراء الدواء. وقد ثبت للمحققين أن المسؤولين المحبوسين "خالفوا القواعد الناظمة للتعاقدات من النواحي الفنية، والمالية، والقانونية، ولم ينسقوا مع الهيئة العامة لمكافحة السرطان، الجهة المخولة فنيا بالموافقة على أنواع أدوية الأورام المستوردة".
لم يقتصر قرار الحبس على وزير الصحة فحسب، بل شمل أيضا مدير إدارة الصيدلة، ورئيس لجنة العطاء العام، ومسؤول لجنة العطاءات المركزية بالوزارة، بالإضافة إلى مفوض شركة استيراد أدوية، مما يشير بوضوح إلى شبكة فساد واسعة ومتشابكة.
وتُعد هذه القضية مثالا صارًا على التداعيات الكارثية للفساد المستشري في ليبيا، حيث يمس بشكل مباشر حياة وصحة المواطنين. فاستيراد أدوية لعلاج الأورام بطرق غير قانونية ودون الالتزام بالمعايير الفنية يعرض حياة المرضى للخطر الشديد ويقوض بشكل خطير جهود مكافحة هذا المرض الفتاك.
وتتصاعد المخاوف المشروعة من دخول أدوية مشبوهة وغير مطابقة للمواصفات إلى البلاد، خاصة وأنها مخصصة لفئة من المرضى هم في أمس الحاجة إلى رعاية طبية عالية الجودة وأدوية فعالة وآمنة.
وتعود جذور هذه القضية إلى الجدل الذي أثير على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك عقب إعلان وزارة الصحة العراقية عن "تصدير أول شحنة أدوية مصنّعة محليا وخاصة بعلاج مرض السرطان إلى ليبيا، وهو ما قوبل بنفي قاطع من الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان الليبية، التي أكدت استيرادها حصريا من مصادر أميركية وأوروبية معتمدة.
وفي تطور لافت، أقرت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية لاحقا باستيراد الشحنة العراقية "خارج بنود العطاء العام"، مبررة ذلك بالحاجة إلى توفير "فواقد العطاء العام" بسرعة، ومؤكدة جودة الأدوية العراقية وتسجيلها في بلد المنشأ.
وتشهد ليبيا تفشيا واسعا للفساد في مختلف القطاعات، ولا يستثنى من ذلك قطاع الأدوية الحساس، وقد كشفت تقارير متعددة سابقة عن تجاوزات خطيرة في تسويق الأدوية، وظهور كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة وغير الصالحة للاستخدام.
وتُعد قضية استيراد أدوية لمرضى السرطان من شركات غير معروفة في دول مثل الهند وقبرص وتركيا ومالطا، والتي تبين عدم مطابقتها للمواصفات وتسببت في آثار جانبية خطيرة، مثالا مؤلما على هذه المشكلة. وتزيد القضية الأخيرة من حالة عدم الثقة وتؤكد على ضرورة محاسبة المتورطين في هذه الجرائم.
حتى الآن، لا يزال مصير الشحنة المستوردة من العراق غامضا، بينما تتصاعد المخاوف لدى الرأي العام من إمكانية دخول أدوية مشبوهة وغير مطابقة للمواصفات إلى البلاد.
وقد أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في نهاية أبريل الماضي قرارا بإيقاف وزير الصحة عن العمل وإحالته للتحقيق، وتعهد النائب العام المستشار الصديق الصور باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمساءلة المتورطين.
.وتُعد قضية استيراد الأدوية العراقية لعلاج مرضى السرطان في ليبيا تطوراً خطيراً يكشف عن مدى استشراء الفساد في ليبيا وتأثيره الكارثي على حياة المواطنين.
ولئن كان حبس وزير الصحة ومسؤولين كبار يمثل خطوة أولى هامة نحو تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين ، فإن الأمر يتطلب تحقيقات شفافة وشاملة لكشف جميع خيوط هذه القضية ومحاسبة كل من تسبب في تعريض صحة الليبيين للخطر. كما يتطلب من السلطات الليبية اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لتطهير قطاع الأدوية من الفساد وضمان حصول المرضى على أدوية آمنة وفعالة وفقًا للمعايير الدولية، إذ أن مستقبل القطاع الصحي في ليبيا وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة يعتمدان على مدى جدية التعامل مع هذه القضية وغيرها من ملفات الفساد المستعصية.