الحكومة الفرنسية: الوضع مع الجزائر عالق.. وسفيرنا ما زال في باريس

من الصعب التكهن بمآلات الأزمة بين البلدين، في ظل عجز الطرفين عن تفكيك عقد الحاضر وتجاوز منغصات الماضي.
الأربعاء 2025/05/07
خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء

الجزائر - أعلن وزير الخارجية الفرنسي  جان نويل بارو الثلاثاء أن “الأمور لا تزال عالقة” مع الجزائر، لافتا إلى أن السفير الفرنسي ستيفان روماتيه لا يزال في باريس. وتشهد العلاقة بين فرنسا والجزائر توترا إثر اعتقال السلطات الفرنسية موظفا من البعثة الدبلوماسية الجزائرية في باريس ومتابعته قضائيا من قبل القطب المتخصص بالإرهاب في إطار تحقيق قضائي بشأن مزاعم اختطاف الناشط الجزائري “أمير بوخرص” الملقب بـ”أمير دي زاد” عام 2024، وهو من الشخصيات المطلوبة للعدالة في الجزائر والصادرة بحقه أحكام قضائية.

ونجم عن الخطوة الفرنسية إقدام الجزائر على طرد 12 دبلوماسيا فرنسيا، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وهو ما ردت عليه باريس بعمليات مماثلة. وندد وزير الخارجية الفرنسي مرة أخرى بـما وصفه بـ”القرار العنيف للغاية” الذي اتخذته الجزائر.

وحذر جان نويل بارو خلال حديث له مع إذاعة “آر تي آل” من استمرار الأزمة الراهنة مع الجزائر قائلا “لدينا مصلحة (…) في ألا نجعل من الجزائر مسألة للسياسة الداخلية.“ وشدد على أنه “عندما نفعل ذلك، فإننا نجازف بإلحاق الأذى بمواطنينا الفرنسيين الجزائريين، وعندما تكون العلاقة متوازنة إلى حد ما، نحصل على نتائج.”

وتعود جذور الأزمة الحالية بين فرنسا والجزائر إلى نحو ثمانية أشهر، عندما قررت باريس دعم المقاربة المغربية لقضية الصحراء المتنازع عليها مع جبهة بوليساريو الانفصالية، ثم توقيف السلطات الجزائرية للكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال منذ شهر نوفمبر الماضي، وإحالته إلى المحاكمة التي قضت بسجن نافذ لمدة خمسة أعوام، وهو الحكم الذي وصف بـ”الناعم” قياسا بالتهم الموجهة له، وهو ما اعتبر تمهيدا لإطلاق سراحه عبر إصدار عفو رئاسي، قبل أن تنهار العلاقات مجددا وتعود إلى مربع الصفر، ويستمر معها الطرفان في لعبة تصفية الحسابات.

◙ الجزائر تعمد في كل مناسبة رسمية إلى التذكير بفظائع الاحتلال الفرنسي، مجددة مطالبتها باريس بالاعتراف والاعتذار

ولفت وزير الخارجية الفرنسي إلى الوضع “الصعب جدا” للكاتب صنصال، “وهو ثمانيني بعيد عن أصدقائه،” وأعرب عن أمله في أن تتخذ السلطات الجزائرية حياله “لفتة إنسانية“. ويرى متابعون أن هناك جهات داخل الدولتين تعوق جهود تطويق الأزمة، وسط صعوبة التكهن بمآلاتها، في ظل النسق التصاعدي الذي اتخذته، وفي ظل عجز الطرفين أيضا عن تفكيك عقد الحاضر وتجاوز منغصات الماضي.

وتعمد الجزائر في كل مناسبة رسمية إلى التذكير بفظائع الاحتلال الفرنسي، مجددة مطالبتها باريس بالاعتراف والاعتذار، وهو ما يعكسه البرنامج الذي خصصته للاحتفال بذكرى مجازر 8 مايو 1945، التي راح ضحيتها الآلاف من الجزائرين، والتي سبقت بـتسع سنوات حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

وأعلنت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق عن برنامج شامل يضم إطلاق فيلم وثائقي جديد وأيام سينمائية بعنوان “سينما الذاكرة”، إلى جانب لعبة إلكترونية موجهة لفئة الشباب، ومنصة رقمية تعتبر بمثابة “متحف افتراضي” يوثق فترات الاحتلال من 1830 إلى 1962. كما ستُنظّم “رحلات الذاكرة” لأحفاد المنفيين إلى كاليدونيا الجديدة وغويانا، في محاولة لربط الأجيال الجديدة بجذورها التاريخية.

وعلى المستوى الرمزي تمت برمجة خطب الجمعة يومي 2 و9 مايو للحديث عن المجازر، إضافة إلى فعاليات محاكاة شعبية في الساحات العمومية، يشارك فيها الشباب والمجتمع المدني، في مشهد تريده السلطات مؤثرا ومعبّرا عن “الوفاء للشهداء وتمجيد التضحيات.”

وكان من المفترض أن تعترف فرنسا بمسؤوليتها عن مجازر مايو 1945، لكن تقارير فرنسية أشارت إلى أن تلك الخطوة توقفت على وقع التصعيد الحالي. ونقلت صحيفة  “ليبيراسيون” عن مصدر مطلع قوله إن الذكرى الثمانين للمجازر تمثل “لحظة مناسبة” لمثل هذا الاعتراف، ولكن الحكومة الفرنسية تخشى أن أي بادرة امتنان جديدة للجزائر ستفهم على أنها اعتراف بالضعف.

وبحسب المؤرخ جان لوي بلانش قتل خلال تلك الأحداث ما بين 20 و30 ألف جزائري، فيما تشير الأرقام الرسمية الجزائرية إلى مقتل نحو 45 ألف جزائري، لتشكل هذه المذابح -حسب المؤرخين- بدايات حرب التحرير، وبذور الانتفاضة التي انطلقت يوم 1 نوفمبر 1954.

***-------

4