هل يدفع ضغط المسيّرات الجيش السوداني إلى الجنوح للتفاوض

يجد الجيش السوداني نفسه في وضع صعب جراء عجزه عن صد الهجمات التي يتعرض لها في معاقله، ومنها العاصمة المؤقتة بورتسودان، ويعتقد محللون أن الوضع الضاغط حاليا قد يدفع قيادة الجيش إلى إعادة النظر في خياراتها بما في ذلك التفاوض مع قوات الدعم السريع.
بورتسودان (السودان) - يواجه الجيش السوداني تحديا غير مسبوق، مع تكثيف قوات الدعم السريع هجماتها بالمسيّرات، على العاصمة المؤقتة بورتسودان، مستهدفة قواعد عسكرية ومنشآت حيوية. وكانت المدينة الساحلية بمنأى نسبيا عن الصراع الذي اندلع في أبريل 2023، لكن الوضع تغير في الأسابيع الماضية، حيث تعرضت المدينة الواقعة في شرق السودان لهجمات متتالية بالمسيّرات.
ويجد الجيش السوداني نفسه عاجزا عن صد الهجمات، وسط تصاعد الأصوات الإقليمية المطالبة بضرورة التهدئة لاحتواء التصعيد الخطير الجاري حاليا. ويرى متابعون أن دخول المسيّرات على خط الحرب يجعل من حديث قيادة الجيش عن حسمها شبه مستحيل، لافتين إلى أن المسيّرات خلقت واقعا جديدا، وقد تدفع قيادة الجيش في النهاية إلى إعادة النظر في موقفها من التفاوض مع قوات الدعم السريع.
ويلفت المتابعون إلى أن قيادة الجيش لا تبدو حتى الآن مدركة لخطورة التحول الميداني، وتحاول تشتيت انتباه أنصارها من خلال استعداء دول بعينها مثل الإمارات، التي أعلنت الحكومة الموالية للجيش الثلاثاء قطع العلاقات الدبلوماسية معها، بعد فشل دعوى رفعتها ضد الدولة الخليجية أمام محكمة العدل الدولية.
ويلفت المتابعون إلى أن جميع المؤشرات توحي بأن قوات الدعم السريع ستمضي قدما في ممارسة أقصى الضغوط على الجيش في مناطقه، لإجباره على الجنوح إلى التسوية. ولليوم الثالث على التوالي، قصفت مسيّرات الثلاثاء المطار وقاعدة للجيش ومحطة الكهرباء في مدينة بورتسودان، متسببة بانقطاع التيار الكهربائي.
◙ قصفت مسيرات الثلاثاء المطار وقاعدة للجيش ومحطة الكهرباء في بورتسودان، متسببة بانقطاع التيار الكهربائي
وتأتي الهجمات بعد يوم على تعرض المستودع الرئيسي للوقود لهجوم ما تسبب بحريق كبير في جنوب المدينة التي كانت إلى وقت قريب تُعد ملاذا آمنا لمئات الآلاف من النازحين الفارين بسبب الحرب المستمرة منذ عامين.
وأعلنت الشركة الوطنية للكهرباء أن الهجمات استهدفت محطة بورتسودان التحويلية وأن فرقها تعمل على تقييم الأضرار. وأفاد شهود عيان بسماع دوي انفجارات فجرا وتصاعد سحب الدخان فوق المدينة، من ناحية الميناء ومن مستودع الوقود في الجنوب، وهي مشاهد التقطتها عدسات الإعلام، وتظهر مدى قوة الضربة.
وقال حسين إبراهيم البالغ 64 عاما والنازح من ولاية الجزيرة بسبب الحرب وهو يتابع الدخان الكثيف المنبعث من الحريق إن “ما حدث الاثنين والثلاثاء أكد لنا أن هذه الحرب ستصلنا في أي مكان.”
وصرح مسؤول في المطار أن مسيّرة “استهدفت الجزء المدني من مطار بورتسودان” بعد يومين من أول استهداف لهذه القاعدة نسبها الجيش السوداني لقوات الدعم السريع. ووفق المسؤول ذاته، فقد ألغيت كل الرحلات في المطار الذي يعد بوابة الوصول الرئيسية للبلد الذي دمرته الحرب.
وقال مصدر في الجيش إن مسيّرة أخرى استهدفت القاعدة الرئيسية للجيش في وسط المدينة فيما أفاد شهود بسقوط مسيّرة في محيط أحد الفنادق. وتقع قاعدة الجيش كما الفندق على مقربة من مقر قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
اقرأ أيضا: الجيش والإخوان.. عقدة السودان
وقصفت مسيّرة ثالثة مستودع الوقود بالقرب من الجزء الجنوبي من ميناء بورتسودان في الوسط المكتظ للمدينة التي انتقلت إليها الأمم المتحدة ووكالات إنسانية ومئات الآلاف من الأشخاص بعد مغادرة العاصمة الخرطوم.
وتستخدم قوات الدعم السريع الطائرات المسيّرة منذ خسارتها لبعض الأراضي من بينها كامل الخرطوم تقريبا، وباتت تشن هجمات على مواقع في عمق مناطق سيطرة الجيش. ويقول محللون إن التحول المسجل في تكتيكات الدعم السريع، أعاد التوازن الميداني، الذي كان لوقت قصير يصب في صالح الجيش.
ويشير المحللون إلى أن قيادة الجيش تحاول اليوم جاهدة إيجاد حل لمعضلة المسيّرات، وتبحث عن دعم من دول إقليمية مثل مصر لكن الأخيرة لا تريد الانخراط بشكل مباشر في الصراع، وهي تكتفي بالدعم السياسي لقيادة الجيش.
وتبدي مصر قلقا ممّا يمكن أن يتولد عنه التصعيد الحالي في السودان من ارتدادات تطالها، هو ما يدفعها إلى إقناع الجيش السوداني بأهمية التوصل إلى تهدئة. وأكد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبدالعاطي، الثلاثاء، على ضرورة تجاوز التصعيد الخطير الحالي وتحقيق التهدئة، وصولا إلى وقف إطلاق النار المنشود، وبما يسهم في تعزيز نفاذ المساعدات الإنسانية لأبناء السودان.
جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه عبدالعاطي مع وزير خارجية الحكومة الموالية للجيش السوداني عمر صديق، حيث أعرب عن تضامن مصر مع السودان إزاء الاستهداف الأخير للبنى التحتية المدنية والمنشآت الحيوية في بورتسودان.