الشرع في ضيافة ماكرون: فرصة لتبديد الهواجس المتزايدة تجاه دمشق

دمشق - تشكل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا الأربعاء فرصة لتبديد الشكوك المتزايدة بشأن القيادة السورية الجديدة، لاسيما بعد أعمال العنف التي استهدفت الأقليات، والتجاوزات التي ارتكبتها مجموعات متطرفة محسوبة على السلطة في دمشق.
وهذه الزيارة الأولى للرئيس السوري إلى دولة أوروبية، وجاءت بدعوة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأفاد قصر الإليزيه الثلاثاء بأنّ الرئيس الفرنسي "سيؤكّد مجددا دعم فرنسا لبناء سوريا جديدة، سوريا حرّة ومستقرّة وسيدة تحترم كلّ مكوّنات المجتمع السوري."
وأضاف القصر أنّ "اللقاء يندرج في إطار التزام فرنسا التاريخي تجاه السوريين الذين يتطلّعون إلى السلام والديمقراطية،” مؤكّدا أنّ ماكرون سيكرّر “مطالباته للحكومة السورية، وفي مقدمتها استقرار المنطقة، وخصوصا لبنان، فضلا عن مكافحة الإرهاب." وفي مطلع فبراير الماضي دعا ماكرون الشرع إلى زيارة باريس. وفي نهاية مارس قرن هذه الدعوة بشرط تشكيل حكومة سورية تضمّ “كل مكوّنات المجتمع” وتقديم ضمانات بشأن أمن البلاد.
ومنذ تولّيه السلطة في دمشق يحاول الشرع تقديم صورة مطمئنة للمجتمع الدولي الذي يحضّه على احترام الحريات وحماية الأقليات. ويسعى الشرع حاليا لرفع العقوبات المفروضة على سوريا حين كانت لا تزال تحت حكم بشار الأسد، والتي تستنزف الاقتصاد المخنوق بعد نزاع استمر 14 عاما في هذا البلد الذي يعيش 90 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، وفقا للأمم المتحدة.
ولا يزال الشرع، الذي كان زعيما لهيئة تحرير الشام المنبثقة من فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا، يخضع لحظر سفر فرضته الأمم المتحدة. ومن المرجح أن تكون فرنسا اضطرت إلى طلب استثناء من الأمم المتحدة، بحسب مصدر مطلع، على غرار ما حصل مع رحلاته السابقة إلى الخارج، لاسيما إلى تركيا والسعودية.
لكنّ الاشتباكات ذات الطابع الطائفي التي أسفرت في مارس عن مقتل 1700 شخص، معظمهم من العلويين في غرب البلاد، والمعارك التي دارت أخيرا مع مقاتلين دروز، والانتهاكات التي وثّقتها منظمات غير حكومية، تثير الشكوك حول قدرة السلطات الجديدة على السيطرة على المقاتلين المتطرفين التابعين لها.
وانتقد اليمين الفرنسي المتطرف على الفور استقبال الشرع. وأعربت زعيمة التجمع الوطني مارين لوبن عن "الصدمة والاستياء" واصفة الرئيس السوري بـ"الجهادي الذي انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة." واعتبرت أن ماكرون يبرهن على "عدم مسؤولية" و"يسيء إلى صورة فرنسا ويلقي بظلال الشك على انخراطه إلى جانب حلفائها خصوصا، في مكافحة التطرف الإسلامي."
وفي المقابل أشادت ماتيلد بانو من حزب اليسار الراديكالي “فرنسا الأبية” بالزيارة معتبرة أنها “فكرة جيدة” بعد “الأمل الهائل الذي أثاره سقوط نظام بشار الأسد.” وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، عبر إذاعة “آر تي أل”، “أن عدم الانخراط في حوار مع هذه السلطات الانتقالية سيكون غير مسؤول تجاه الفرنسيين، وسيكون خصوصا بمثابة فرش السجادة الحمراء لتنظيم الدولة الأسلامية.”
وأوضح أن “مكافحة الإرهاب وضبط تدفق المهاجرين وضبط تهريب المخدرات” علاوة على “مستقبل لبنان”، “كل هذا مرتبط أساسا بالوضع في سوريا.” وترغب فرنسا في لعب دور أساسي في هذين البلدين اللذين كانا تحت الانتداب الفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين.
وفي منتصف فبراير الماضي استضافت مؤتمرا في باريس حول إعادة الإعمار في سوريا، على أمل توجيه المرحلة الانتقالية الهشة في الاتجاه الصحيح. وأوضح الخبير في معهد مونتين للأبحاث والسفير الفرنسي السابق لدى سوريا ميشال دوكلو أن “هذا النظام لديه أجندة استبدادية… ولكنها سلطة تطمح إلى أن تكون وطنية وبالتالي إلى إشراك الأقليات.”
وأكد أن الأحداث “المقلقة” التي وقعت “ليست كلها مسؤولية شخصية للزعيم السوري.” وتثير ورشة إعمار البلاد اهتمام الشركات الفرنسية. وفي هذا السياق وقعت شركة “سي أم إيه سي جي أم” الفرنسية العملاقة للخدمات اللوجستية بحضور الشرع عقدا لمدة 30 عاما مع سوريا الأسبوع الماضي لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية.
اقرأ أيضا:
• انعدام الثقة بالسلطة المركزية يعقّد جهود ضبط السلاح في سوريا