مصر تسرّع الخطوات لخصخصة المستشفيات

الحكومة تستعين بأجانب لإدارة كيانات صحية وسط مخاوف من ارتفاع التكاليف.
الأربعاء 2025/05/07
تجويد الخدمات يتطلب استثمارات

تكثف مصر تحركاتها لتسريع خطط خصخصة المستشفيات الحكومية، بإجراء مفاوضات مع عدد من الصناديق الاستثمارية للحصول على حصص إستراتيجية في هذه المنشآت الصحية، والتي تم طرحها مؤخرًا ضمن برنامج طموح لإدارتها وتشغيلها.

القاهرة - تعكف القاهرة على القيام بأكبر عملية لإعادة تأهيل قطاع الرعاية الصحية وزيادة كفاءة نظامها، عبر بيع حصص منه لإدارات خليجية وأجنبية محترفة للتوسع في الاستثمار بهذا القطاع، وسط مخاوف من المواطنين بشأن ارتفاع تكاليف الخدمة المقدمة.

وحسب مصادر تحدثت لـ”العرب”، تجري خمسة صناديق استثمار مختلفة مفاوضات مع القاهرة للاستحواذ على حصص إستراتيجية في المستشفيات الحكومية وشركات الأدوية.

وتشمل الصناديق التي تتفاوض على هذه الصفقة السعودية والإمارات والكويت وقطر، وصندوقا واحدا من دولة غير عربية.

وتوقعت المصادر أن يبلغ متوسط قيمة الصفقة الواحدة ملياري جنيه (قرابة 39.3 مليون دولار) كحد أدنى، مع توقع حسم المفاوضات نهائيا في النصف الثاني من العام الجاري.

وتعتبر الشركات الإماراتية والسعودية هي الأكثر اهتمامًا بسوق الدواء المصرية، وسوف تشهد الفترة المقبلة استحواذات كبيرة في هذا المجال، بجانب تكوين شراكات إستراتيجية بين الشركات العربية والمصرية لتعزيز التواجد في السوق المحلية.

حسام عمران: البنية التحتية الصحية لا تلبي احتياجات المصريين
حسام عمران: البنية التحتية الصحية لا تلبي احتياجات المصريين

وتهدف هذه الشركات إلى تحسين الطاقات الإنتاجية والتوسع في إنتاج أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، والمكملات الغذائية والمستحضرات التجميلية العلاجية.

وأقرت الحكومة المصرية في مايو 2024 قانونًا يتيح إمكانية منح امتياز إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية لمستثمرين مصريين وأجانب.

وينص القانون على أن مدة الالتزام للمستثمرين لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 15 سنة، على أن تعود جميع المنشآت الصحية بما فيها التجهيزات والأجهزة الطبية إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام دون مقابل وفي حالة جيدة.

كما يلزم المستثمرين بالحفاظ على تشغيل نسبة لا تقل عن 25 في المئة من العاملين بالمنشأة الصحية، مع الحفاظ على حقوقهم المالية والوظيفية.

وحسب رئاسة مجلس الوزراء المصري، يهدف القانون إلى تمكين القطاعين الخاص والأهلي من المشاركة الفعّالة في تطوير المنشآت الصحية الحكومية وتشغيلها. وبجانب ذلك تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين دون المساس أو الانتقاص منها، مع تحسين جودة الخدمات الصحية وزيادة كفاءتها، ما يسهم في توفير رعاية صحية أكثر انتشارًا.

ويقول خبراء إن الاستثمارات المتوقعة في قطاع المستشفيات وشركات الأدوية تهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية في مصر، وزيادة التوسع في الإنتاج المحلي للأدوية، بما يساهم في تلبية احتياجات السوق المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات.

ويأتي هذا التحرك في وقت مهم بالنسبة إلى المجال الصحي، حيث يواجه تحديات هيكلية وتمويلية، جعلت القطاع الصحي في حاجة ماسة إلى الإصلاحات الجذرية.

وقال عضو نقابة المهن الطبية في مصر حسام عمران إن “الهدف الأساسي من خصخصة المستشفيات الحكومية يتمثل في تحسين الكفاءة التشغيلية للمنشآت الصحية الحكومية وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.”

محمود الشندويلي: النجاح رهين بعدم التأثير على حقوق الرعاية اللائقة
محمود الشندويلي: النجاح رهين بعدم التأثير على حقوق الرعاية اللائقة

وأضاف لـ”العرب” أن “طرح المستشفيات الحكومية أمام المستثمرين يهدف إلى توسيع قاعدة المستثمرين في القطاعات الحيوية مثل الصحة وجذب العملة الأجنبية.”

وفي سياق هذا البرنامج تم إقرار قانون جديد يسمح للمستثمرين المصريين والأجانب بإدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية بموجب شروط خاصة تضمن حفاظ الدولة على حقوق المواطنين.

ولا يخفى على أحد أن القطاع الصحي في مصر يواجه عددًا من التحديات العميقة التي تحتاج إلى حلول حقيقية، ومن أبرز التحديات التمويل المحدود ونقص الكوادر الطبية المتخصصة، والافتقار إلى البنية التحتية الحديثة في المستشفيات الحكومية.

وأشار عمران إلى أنه رغم قيام مصر بإنشاء العديد من المشاريع الصحية الكبرى، إلا أن البنية التحتية غير كافية لتلبية احتياجات مواطنين تزداد بمرور الوقت.

ويبرهن الواقع العملي على أن هناك تفاوتًا كبيرًا في مستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، ما يجعل النظام الصحي في مصر يعاني من عدم التكافؤ في توزيع الخدمات.

وأكد عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين محمود الشندويلي أن الخطوة الراهنة ذات أهمية لتوسيع دور القطاع الخاص في إدارة المستشفيات الحكومية، لتحقيق العدالة الصحية عبر تعزيز التوسع الجغرافي في توفير الخدمات.

وأوضح لـ”العرب” أنه مع هذا التحرك يستوجب العديد من الإصلاحات الهيكلية والمالية التي يمكن أن تسهم في رفع كفاءة النظام الصحي، مثل مواصلة التدريب المستمر للكادر الطبي وزيادة الاستثمار في التكنولوجيا الطبية الحديثة، وكذلك تحسين التسهيلات والخدمات المقدمة.

وتلعب الصناديق الاستثمارية التي تتفاوض مع الحكومة المصرية للاستحواذ على حصص في المستشفيات الحكومية دورًا حاسمًا في توفير التمويل اللازم لإعادة تأهيل المستشفيات الحكومية وتجهيزها بأحدث التقنيات الطبية، ما يسهم في رفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة.

هناك مخاوف من أن تؤدي الخصخصة إلى رفع أسعار الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية التي تتم إدارتها من قبل شركات خاصة

وتترافق مع هذه الصفقات زيادة في الشراكات مع القطاع الخاص، ما يُمكّن من تطوير المرافق الصحية بشكل تدريجي ويضمن استدامة الخدمة على المدى الطويل.

ورهن الشندويلي نجاح الخطة بمدى قدرة الحكومة المصرية على إدارة عملية الانتقال بين القطاعين العام والخاص بصورة تضمن تحسين جودة الخدمات دون التأثير على حق المواطنين في الحصول على رعاية صحية لائقة.

ورغم الفوائد المحتملة لخصخصة المستشفيات الحكومية، فإن ثمة تحديات قد تعرقل نجاح هذا الاتجاه، من أبرزها تداعيات الخصخصة على مستوى جودة الخدمات الصحية.

وثمة مخاوف من أن تؤدي الخصخصة إلى رفع أسعار الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية التي تتم إدارتها من قبل شركات خاصة، ما يمنع وصول الفئات الفقيرة والمتوسطة إلى الرعاية الصحية المناسبة.

ويبرز القلق أيضا من إمكانية تقليص عدد العاملين في المستشفيات الحكومية، خاصة إذا تمت خصخصة العمليات التشغيلية دون مراعاة حقوق العاملين في هذه المستشفيات.

وربما تؤثر هذه التحولات على توازن القوى في النظام الصحي، إذ يؤدي الاستحواذ الخاص على المستشفيات إلى تشويه مبدأ العدالة في توفير الرعاية الصحية للمواطنين.

وشدد خبراء على أهمية أن تتم مراقبة جودة الخدمات عن كثب وأن يتم التأكد من عدم التلاعب أو الاستغلال المالي على حساب المستفيدين من النظام الصحي.

ومن المؤكد أن الخطوة الحالية تمس أحد أهم القطاعات في مصر والذي يحتاج إلى إصلاحات شاملة، سواء عبر الخصخصة أو من خلال الاستثمار في تحسين البنية التحتية وتوفير التكنولوجيا الحديثة والتدريب المستمر للأطباء والممرضين.

ومع وجود مخاوف ترافق خطة الخصخصة، تعد خطوة مهمة نحو تحسين الخدمات الصحية وزيادة جاذبية مصر للاستثمار في القطاع الصحي على المدى الطويل.

11