زيارة السلطان هيثم توفر فرصة للجزائر لمراجعة التوتر مع دول الخليج

الجزائر – تعاطت الجزائر بحفاوة بالغة مع زيارة سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق، ما يؤكد أنها في حاجة إلى هذه الزيارة للتدليل على أنها ليست في عزلة في الوقت الذي بلغت فيه الدبلوماسية الجزائرية درجة كبيرة من التوتر من خلال التصعيد مع فرنسا ودول الساحل ثم الإمارات.
ويوفر وجود السلطان هيثم الفرصة ليستمع الجزائريون لطريقة تفكير الخليجيين، فسلطنة عمان دولة عضو في مجلس التعاون، والسلطان هيثم زار أغلب دول الخليج ويعرف التغييرات الكبيرة التي يشهدها الخليج وانشغال قادته بالتطوير وإنجاز المشاريع الكبرى.
ولا شك أن أولى خطوات التغيير في الجزائر هي القطع مع النظر إلى دول الخليج على أنها خصم، وتعمّد الإعلام الجزائري باستمرار الإحالة إلى ماضي الخليجيين، في وقت تطور فيه الخليجيون فيما استمر فيه الجزائريون يتحركون في نفس المربع، مربع الثورة وشعارات الماضي التي لم تعد تفيد سوى في زيادة عدد الأعداء.
القرب مفيد للطرفين، الجزائر تستفيد من قناة مسقط في التهدئة، وعُمان أيضا لأن لا مصلحة لها في علاقة متوترة بين الجزائر والخليج
ويعطي شعور الجزائر بالعزلة أهمية للدور الذي يمكن أن يقوم به السلطان هيثم في تشجيع كبار المسؤولين الجزائريين على تغيير أسلوبهم في التعامل مع الأشقاء العرب، خاصة الخليجيين، وأن يتخلوا عن الاستعداء المطلق الذي يشهرونه بمناسبة ودون مناسبة ما جعل الجزائر تبدو محاصرة بالعداوات التي صنعتها بنفسها، في حين أن دولة مثل الإمارات عملت في السابق على مقابلة الإساءة الجزائرية بسعة الصدر والتجاوز.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن زيارة سلطان عمان فرصة للجزائر كي تستمع للنصيحة من دولة باتت عنوانا للتهدئة والوساطة الفعّالة والناجحة، ومن دبلوماسية تجمع ولا تفرّق. لكن السؤال المطروح: هل سيقبل المسؤولون الجزائريون النصيحة ويطلبون من السلطان هيثم التحرك لنزع التوتر مع الأشقاء العرب، خاصة أن قائمة التوترات كثيرة عربيا، فالجزائر علاقتها متوترة بالمغرب والإمارات وكانت متوترة مع السعودية ومصر وسوريا وليبيا والعراق دون مسوغات واضحة في الغالب.
ومن غير المعروف ما إذا كان الجزائريون سيستفيدون من الزيارة رغم أنها جاءت في توقيت سيء إذ تشهد العلاقة بين الجزائر والإمارات، وهي دولة في مجلس التعاون الخليجي، تصعيدا لفظيا يمكن أن يتطور إلى مواقف دبلوماسية كما اعتادت دول الخليج عند التضامن مع بعضها البعض.
والقرب بين سلطنة عمان والجزائر مفيد للطرفين، من ناحية الجزائر لتستفيد من قناة مسقط في التهدئة مع الخليجيين، ولعُمان نفسها لأن لا مصلحة لها في علاقة متوترة بين الجزائر والخليج.
وتستفيد مسقط في لعب دور الوسيط والمزيل للخلافات مع إستراتيجية السلطان هيثم الذي سيعمل على أن تغادر سلطنة عمان مربّع الانكماش الذي اتخذته كخيار لها لعقود في حين تغير الوضع حاليا بعد تعدد زيارات السلطان هيثم إلى دول في الإقليم وأخرى خارجه من أجل تدعيم الدور السياسي لمسقط، وفي نفس الوقت بناء شراكات اقتصادية تعود بالفائدة على الاقتصاد العماني.
والتقى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بسلطان عمان السلطان هيثم بن طارق، على انفراد في قصر المرادية، قبل أن يتوسع إلى أعضاء وفدي البلدين، وفيما لم يتسرب أيّ شيء عمّا دار بين قائدي البلدين، فإن الملفات الإقليمية والعلاقات الثنائية كانت حاضرة بقوة في اللقاء.
وصعدت سلطنة عمان إلى مصاف القوى المؤثرة في المنطقة، بفضل سياستها الخارجية الناعمة، ودخولها في وساطات إقليمية ودولية متعددة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، وكذلك دورها الفعال في الملف اليمني.
ويسجل البلدان زيارات نادرة للقيادات السياسية، فزيارة الرئيس تبون، إلى السلطنة العام الماضي، جاءت بعد الزيارة التي أداها الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد في مطلع التسعينات، وزيارة السلطان الراحل قابوس بن سعيد إلى الجزائر كانت في سبعينات القرن الماضي.
وتجمع الجزائر وعُمان روابط اجتماعية ومذهبية في ظل وجود المذهب الإباضي في البلدين. وسبق لمسقط أن دخلت على خط الأزمة التي تفجرت العام 2013 في محافظة غرداية بجنوب الجزائر، بين أنصار المذهب المالكي وأنصار المذهب الإباضي.
وكانت زيارة دولة قد قادت الرئيس تبون، شهر أكتوبر 2024، إلى سلطنة عمان، قد توجت بإصدار بيان مشترك تم التأكيد من خلاله على “مواصلة تطوير التعاون الثنائي في شتى المجالات، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.”
وجاءت زيارة سلطان عمان إلى الجزائر لتتوج بإبرام إحدى عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم شملت قطاعات الطاقة، والتعدين، والزراعة، والصيد البحري، والصحة، والتعليم العالي، والعدالة، والعمل، والاستثمار، ودخول صندوق استثماري مشترك بين وزارة المالية الجزائرية وجهاز الاستثمار العماني حيز التنفيذ، بغرض تمويل مشاريع إستراتيجية ذات منفعة متبادلة، ويقدر رأسماله بـ300 مليون دولار.
وتوزعت بين مذكرة تفاهم بين الشركة الوطنية للاستكشاف الجيولوجي والمنجمي وشركة تنمية معادن عمان، التابعة لجهاز الاستثمار العماني، في مجال البحث والتطوير المنجمي، ومذكرة تفاهم أخرى بين وزارة الصناعة الصيدلانية الجزائرية ووزارة الصحة العمانية، تتعلق بمجال التصنيع الصيدلاني وتبادل الخبرات.
كما خط البلدان اتفاقا أوليا بين مجمع سوناطراك وشركة أبراج للطاقة لتطوير مشاريع تعاون في مجال الطاقة، وبرنامجا تنفيذيا للتعاون العلمي والتقني في المجال السمكي، بين المركز الوطني للبحث والتنمية في الصيد البحري وتربية المائيات في الجزائر ونظيره العماني.
وتضاف إلى ذلك مذكرات تفاهم أخرى، للتعاون في مجالي حماية النباتات والصحة الحيوانية والحجر الزراعي، بين وزارتي الزراعة في البلدين، والتعاون في المجال الزراعي، بين وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري الجزائرية ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه العمانية.