جهود عراقية للتخلص من السمعة الدولية السيئة المترتبة على أوضاع السجون في البلاد

تحسين أحوال السجون العراقية وظروف إقامة السجناء فيها وضمان حقوقهم ليست مجرّد مسألة داخلية، بل هي أيضا قضية سمعة دولية لا غنى للبلد عن تحسينها في إطار جهود التعافي الشامل المبذولة من قبل حكومته بهدف استعادة توازنه واندماجه الكامل في المجتمع الدولي، بما يتطلبه الأمر من ملاءمة جميع أوضاعه مع المعايير الدولية.
بغداد - تواجه السلطات العراقية صعوبات لوجستية وتنظيمية وحتى قانونية في تحسين أوضاع السجون بالبلاد والتي ما تزال ظروف إقامة السجناء داخلها بعيدة عن الاستجابة للمعايير الدولية في المجال، الأمر الذي يرتّب أعباء حقوقية على العراق وسمعته الدولية في وقت تسعى فيه حكومته لاستكمال استقراره وتعافيه الاقتصادي والاجتماعي والتنموي والاندماج بشكل أفضل في المجتمع الدولي.
وكشف وزير العدل العراقي خالد شواني أن السجون العراقية البالغ عددها واحدا وثلاثين سجنا تحتجز حاليا نحو خمسة وستين ألف نزيل ما يساوي ضعف طاقتها الاستيعابية الأصلية التي أقيمت على أساسها.
وفي ظلّ هذا الوضع أصبح قانون العفو العام الذي تمّ إقراره مؤخرا بعد سنوات طويلة من الجدل والاعتراضات الصادرة أساسا عن أحزاب شيعية تقول إنّه ينطوي على تسامح مع “الإرهابيين”، إحدى وسائل تخفيف اكتظاظ السجون الذي يعتبر أحد أكبر نقاط ضعف المنظومة السجنية العراقية ومدخلا لانتهاكات حقوق الإنسان داخلها.
وبدأ المئات يغادرون تلك السجون بموجب القانون المذكور الذي يشمل بالأساس المسجونين بتهم كيدية ودون جرائم ثابتة في حقهم وعلى أساس إدانات صدرت ضدهم لمجرد الوشاية وإفادات المخبرين السريين.
وأعلنت وزارة العدل قبل أيام عن خروج أكثر من 2500 سجين من السجون العراقية بعد شمولهم بالعفو العام.
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد لعيبي إنّ عملية العفو مستمرة وإنّ الوزارة “ستبذل قصارى جهدها لإطلاق سراح جميع المشمولين بالقانون خلال فترة محددة”.
وبدأ تطبيق القانون أواخر فبراير الماضي وخلال فترة أربعين يوما إلى غاية السادس من أبريل الماضي خرج بموجبه حوالي ألف سجين، ومنذ ذلك التاريخ تسارعت العملية إذا غادر السجن حوالي 1500 سجين.
وقال شواني في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس إنّ الاكتظاظ الشديد أثّر سلبا على مستوى الرعاية الصحية داخل السجون وعلى معايير حقوق الإنسان فيها.
واستدرك الوزير مشيرا إلى حدوث تحسّن خلال وجوده على رأس الوزارة قائلا “عندما تولّينا المنصب كانت نسبة الاكتظاظ 300 في المئة، وبعد عامين من الإصلاحات تمكنا من خفضها إلى 200 في المئة، وهدفنا أن نصل بها إلى مئة في المئة بحلول العام المقبل بما يتوافق مع المعايير الدولية.”
كما أشار إلى أن الآلاف من المعتقلين لا يزالون محتجزين لدى الأجهزة الأمنية ولم يُنقلوا بعد إلى وزارة العدل بسبب محدودية القدرة الاستيعابية، لافتا إلى وجود أربعة سجون جديدة قيد الإنشاء في حين أُغلقت ثلاث سجون خلال السنوات الأخيرة وافتُتح سجنان جديدان إضافة إلى توسيع ستة سجون.
وبشأن تطبيق قانون العفو العام أشار شواني إلى وجود “لجنة تدرس أوضاع السجناء وتُحدد من قد تنطبق عليهم شروط الإفراج.” وتوقع إطلاق سراح “عدد جيد” من السجناء رغم أن الرؤية لم تكتمل تماما بشأن تطبيق القانون ما يجعل من الصعب تحديد نسبة دقيقة لمن تنطبق عليهم شروط العفو”.
وتعتبر أوضاع السجون في العراق نتيجة للأوضاع غير المستقرّة التي شهدها البلد لفترة طويلة نسيبا وتراجع قيمة الالتزام بالقوانين وتطبيقها بسبب ضعف الدولة وتداخل صلاحيات أجهزتها الرسمية مع سلطات وقدرات أجسام وكيانات دخيلة مثل الميليشيات المسلّحة.
وخلال الحرب ضد تنظيم داعش والفترة الزمنية التي أعقبتها مباشرة تضاعفت عمليات الاعتداء على حقوق الإنسان داخل السجون العراقية والتي وصلت حدّ تهديد حياة السجناء الذين أعلن عن وفاة بعضهم وفقد أثر البعض الآخر.
وطالت الانتقادات في تلك الفترة سجونا تدار من قبل السلطات الرسمية، لكن أنباء تواترت أيضا عن قيام ميليشيات مسلّحة بإدارة معتقلات سرّية خارج نطاق القانون احتجزت فيها أعدادا من المختطفين والمخفيين قسريا.
السجون العراقية البالغ عددها واحدا وثلاثين سجنا تحتجز خمسة وستين ألف نزيل ما يساوي ضعف طاقتها الاستيعابية الأصلية التي أقيمت على أساسها
وتحدّثت مصادر حقوقية في وقت سابق عن عمليات تعذيب ممنهجة وانتهاكات جسيمة تمارس ضد السجناء والمعتقلين مشيرة إلى تسجيل بضع عشرات من الوفايات داخل السجون العراقية بالاستناد إلى معلومات رسمية وإفادات من ذوي المتوفين الذين يتم رصد آثار تعذيب ممنهج على أجسادهم.
وقالت إنّ غالبية السجون التي تشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تقع في وسط العراق وجنوبه ومنها سجن الحوت وسجن التاجي إضافة إلى مراكز التوقيف المؤقتة في الأنبار وفي بابل ومناطق أخرى.
وتعليقا على ذلك أكّد وزير العدل العراقي وجود “إجراءات صارمة تُتخذ بحق أي انتهاك يُرتكب ضد السجناء وقد أُحيل العديد من الموظفين للتحقيق، وتم فصلهم وملاحقتهم قضائيا.”
وأثار الوزير قضية وجود سجناء أجانب داخل السجون العراقية موضحا أن عدد هؤلاء يبلغ بضع مئات معظمهم مدانون بتهم تتعلق بالإرهاب والانتماء لتنظيمي القاعدة وداعش، ومنهم مواطنون من قرغيزستان وكازاخستان وأذربيجان وتركيا ومصر ودول شمال أفريقيا وعدد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى بعض المواطنين الأميركيين.
وتطرّق أيضا إلى تنفيذ أحكام الإعدام وما تجرّه من انتقادات دولية للسلطات العراقية، موضحا أن تنفيذ تلك الأحكام متوقّف منذ الشروع في تطبيق قانون العفو العام، ومشيرا إلى أن هذه العقوبة تقتصر فقط على مرتكبي الجرائم التي تُهدد الأمن القومي والسلامة العامة بشكل خطير.