مساع عراقية مكثفة لتعزيز دور الأنشطة غير النفطية

تتكثف المساعي الحكومية في العراق لتعزيز دور الأنشطة غير النفطية بهدف بناء اقتصاد متنوع وأكثر استقرارا واستدامة، في ظل التحديات التي تواجه البلد باستمرار نتيجة تقلبات أسعار النفط، وهي عامل رئيس لإيقاع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
بغداد- يسعى العراق إلى تكثيف جهوده لتفكيك العقبات أمام تنمية قدرات الإنتاج المحلي، ضمن سياق تعزيز دور نشاط الشركات، وخاصة العاملة في القطاع الخاص غير النفطي، بما قد يسهم في تنويع موارد الدخل جنبا إلى جنب مع عوائد النفط.
وتُظهر المؤشرات تقدمًا في تعزيز القطاعات غير النفطية، لكن تحقيق التنوع الاقتصادي الكامل يتطلب إصلاحات هيكلية واستثمارات كبيرة، وتعاونًا بين القطاعين العام والخاص.
ولطالما أكد الخبراء الدوليون والأوساط الاقتصادية المحلية أن تعزيز مجالات الزراعة والسياحة والصناعة يعد خطوة أساسية نحو استدامة اقتصادية بعيدة عن تقلبات أسعار النفط.
وبدت الحكومة متفائلة حينما رفعت توقعاتها لنمو القطاع غير النفطي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 4 في المئة خلال العام الجاري، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية الاثنين عن وزيرة المالية طيف سامي.
ويمثل هذا تحسناً في أفق أداء القطاعات غير المنتجة للنفط، في البلد الذي يعوّل بشدة على إنتاج الخام في عوائد ميزانيته السنوية. وعلى الرغم من زيادة التقديرات، فإن ذلك يشكل تباطؤاً من نمو القطاع بنسبة 5 في المئة بنهاية العام الماضي، بحسب سامي.
وأشارت الوزيرة إلى أن نمو الناتج المحلي غير النفطي خلال عام 2024 كان “مدفوعاً بنمو القطاع الزراعي وزيادة الإنفاق العام.” وتوقعت وزارة المالية في بيان سابق نمو القطاع غير النفطي بواقع 3.5 في المئة خلال العام الجاري وذلك استنادا إلى المؤشرات بشأن الاقتصاد العالمي.
وتبدو الحكومة مقتنعة بالحاجة الملحة إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، فقد تم اتخاذ خطوات لتعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة.
واعتمدت السلطات إجراءات لتحسين بيئة الأعمال وتقديم ضمانات للقطاع الخاص بهدف جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتنمية القطاعات.
ومنذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة في أكتوبر 2022 لم يتوان عن التأكيد عن عزمه تحرير الاقتصاد العراقي من الاعتماد المنفرد على النفط وتقلّبات أسعاره في الأسواق العالمية.
وتتعرض بغداد إلى ضغوط لزيادة صادراته غير النفطية وتعزيز الإيرادات الحكومية بهدف الحدّ من تعرض الاقتصاد لصدمات أسعار النفط، وفق توصيات سابقة لصندوق النقد.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل، حيث تشكل إيرادات القطاع أكثر من 90 في المئة من عوائد الدولة، ما يجعله عرضة للتأثر بالتقلبات في الأسعار العالمية.
وكان وزير الزراعة عباس المالكي قد كشف في حديث سابق لبلومبيرغ الشرق أن حجم صادرات العراق الزراعية ارتفع إلى نحو مليوني طن حتى شهر مارس الماضي، موضحاً أنه أكبر رقم تسجله الوزارة في تاريخها.
وفيما يخص الناتج المحلي النفطي، قالت وزيرة المالية طيف سامي إنه يظل “مرهوناً بقرارات منظمة (أوبك) حول سقوف الإنتاج والأسعار العالمية للنفط الخام.”
وتراجعت أسعار الخام الاثنين متأثرة بقرار تحالف أوبك+ تنفيذ زيادة كبيرة في الإنتاج، في وقت يواجه الطلب ضغوطاً بفعل الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما أثار مخاوف من حدوث تخمة في السوق.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت بواقع 4.6 في المئة إلى نحو 58 دولاراً للبرميل، بينما بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط 56.03 دولار للبرميل، بانخفاض نسبته 3.88 في المئة.
بغداد تتعرض لضغوط من صندوق النقد لزيادة صادراتها غير النفطية وتعزيز الإيرادات الحكومية لتفادي صدمات سوق النفط
وفي أحدث تقرير حول “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر في وقت سابق من الشهر الجاري، توقع صندوق النقد الدولي انكماش اقتصاد العراق بواقع 1.5 في المئة هذا العام، على أن يعود إلى النمو في 2026 بمعدل 1.4 في المئة.
وجاءت هذه التقديرات على خلفية تراجع أسعار النفط وتوقعات بتباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية. وتمثل التوقعات الصادرة في أبريل خفضاً كبيراً عن تقديرات صندوق النقد في أكتوبر الماضي، والتي كانت تشير إلى نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 4.1 في المئة خلال 2025.
ويقدر صندوق النقد أن بغداد تحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92 دولاراً للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام الجاري، فيما يجري تداول عقود خام برنت المستقبلية قرب مستوى منخفض جدا.
وترجح وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن يتسع عجز الميزانية خلال العامين الحالي والمقبل إلى متوسط يبلغ نحو 12.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا من 8 في المئة العام الماضي.
وتقدر الحكومة العجز السنوي المتوقع بحوالي 49 مليار دولار، وهو مستوى مرتفع على نحو قياسي، ويبلغ أكثر من مثلي آخر عجز مسجل في ميزانية 2021.
وأكدت سامي أن صندوق النقد أبدى استعداده لتقديم الدعم الفني والاستشاري للعراق، لاسيما في مجالات إدارة الدين العام، والإصلاح الضريبي، وتحديد الأنظمة الضريبية الأنسب للوضع الاجتماعي.
وقالت إن وفد بلادها اتفق مع صندوق النقد خلال اجتماعات الربيع التي عقدت مؤخرا في واشنطن “شددنا على أهمية تعزيز العلاقة مع البنوك الأجنبية المراسلة في مجال تمويل التجارة الخارجية.”
وأشارت أيضا إلى أن الطرفين طرحا أهمية دعم استخدام الدينار العراقي في المعاملات الاقتصادية من أجل المحافظة على استقرار العملة المحلية.
ويعاني البلد من مشكلة بطالة حادة منذ عقدين. وتشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن النسبة انخفضت من 16.6 في المئة خلال العام 2022 إلى 14 في المئة بنهاية العام الماضي.
كما يواجه تحديات مختلفة نتيجة لارتباطه بالدولار لأن التقلبات في سعر الصرف بسبب الهيمنة الأميركية على النظام المالي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصادي، ما ينعكس على القدرة الشرائية للعراقيين مع ارتفاع التضخم وتآكل قيمة الرواتب.