مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة يحتفي بتجارب اليابانيين والأفارقة

تمكن مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة من الإضاءة على أبرز التجارب العالمية في صناعة الأنمي، ويحتفي في دورته الحالية بصناع الرسوم المتحركة اليابانيين والأفارقة، في إطلالة على عالمين مختلفين من عوالم هذا الفن، لكل منه ثقافته ورؤاه الجمالية وتصوراته، ما يمثل فرصة هامة للاطلاع على تنوع هذا العالم.
الشارقة - قدمت فعاليات الدورة الثالثة من “مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة”، الذي نظمته “هيئة الشارقة للكتاب” حتى 4 مايو الجاري في “مركز إكسبو الشارقة”، بالتزامن مع فعاليات الدورة الـ16 من “مهرجان الشارقة القرائي للطفل”، العديد من الجلسات الحوارية الهامة، وخاصة منها التي أضاءت على أبرز التجارب في هذا المجال.
وفي قاعة ممتلئة بالجمهور ضمن فعاليات الدورة الثالثة من مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة، تصدر الثنائي الياباني الشهير كازوكو تادانو وهيرومي ماتسوشيتا المنصة، ليقدّما إلى محبي الأنمي جلسة استثنائية حملت عنوان “سيلور مون ويوغي-يوه: الرحلة العاطفية لإبداع رمزين من رموز عالم الأنمي”، كشفا خلالها أسراراً من وراء الكواليس، وذكرياتٍ مهنية وإنسانية امتدت على مدار أكثر من ثلاثة عقود من التعاون الفني والزواج.
تجارب يابانية
المرأة قادرة على إحداث تغييرات استثنائية في هذه الصناعة الإبداعية وصياغة محتوى يعكس هويتها وقضايا مجتمعها
في حديثها أمام جمهور المؤتمر روت كازوكو تادانو كيف دخلت عالم “سيلور مون” عام 1992 عندما علمت في اللحظة الأخيرة بإعلان اختبار لتصميم الشخصيات في النسخة المتحركة من مانغا ناوكو تاكيه-أوتشي، مشيرة إلى أنه لم يكن أمامها سوى أقل من 24 ساعة لتقديم رسوماتها، وقالت “كنت تحت ضغط هائل، لكني وضعت قلبي في كل تفصيلة، أردت أن تعكس الشخصيات البراءة والعزيمة معا.” وقد حازت تصاميمها، التي قامت بتبسيط الأسلوب المعقّد للمانغا الأصلي ليتناسب مع التحريك، إعجاب المؤلفة والأستوديو المنتج “توي”.
أما ماتسوشيتا، الذي كان مخرج الحلقات المفصلية مثل الحلقة الأولى والحلقة 21 الشهيرة التي تناولت ما يحدث داخل أستوديوهات الأنمي، فقال مازحا “كان الجدول الزمني جنونياً، كنا نعمل بلا توقف، ونسقط نياماً على مكاتبنا لنستيقظ وآثار الحبر على وجوهنا، لكنها كانت فوضى ساحرة، وكأننا نعيش معارك حارسات سيلور ضد الزمن.”
وفي حديثها عن التحديات التي واجهت العمل، خصوصاً في موازنة مواضيع المانغا الناضجة مع جمهور من الأطفال، قالت تادانو إنها حرصت على المحافظة على الجوهر الجمالي والساحر للشخصيات، دون أن تبتعد عن روح القصة الأصلية، لتتحول سيلور مون إلى ظاهرة عالمية، وتتصدّر أولويات الإنتاج في أستوديو “توي”، متفوقةً على مشاريع أخرى كبيرة، حتى هيدياكي أنّو، مخرج “إيفانجيليون”، أشاد بتصاميمها وطلب منها نسخاً موقعة.
وضمن فعاليات المؤتمر شارك المخرج الياباني نوبويوشي هابارا محطات من حياته الشخصية وحياة زوجته المخرجة اليابانية كوميكو هابارا، وتجاربهما الإبداعية في عالم الرسوم المتحركة، مشيرا إلى أنه أحب فنون الأنمي منذ صغره، وأنه أنتج أول فيلم رسوم متحركة مع أصدقائه في المدرسة خلال المرحلة الثانوية، بمشاركة طلاب من مدارس أخرى، تضمن 1000 صورة، ومدته 30 دقيقة، وتم عرض الفيلم الذي استغرق إنتاجه 3 سنوات في مهرجان مدرسي للفنون.
جاء ذلك في لقاء حواري بعنوان “لمحة عن كواليس العمل المبدع في عالم الرسوم المتحركة: ستاربليزرز”، استضافته “ورشة ميكا”، وأشار نوبويوشي هابارا إلى أنه انتقل إلى العاصمة طوكيو، وبدأ العمل في أستوديو آشي على مسلسل “مغامرات حنين” حيث التقى في ذلك الوقت زوجته المستقبلية، وتولى عدة مهام في الإنتاج وتصميم الشخصيات والإخراج، وتضمن اللقاء عرض مقاطع من فيلم “مغامرة الفضاء: كوبرا” و”ماشين روبو” و”تونديمي مان” و”ميغا مان”.
كما شهد المؤتمر جلسة متخصصة قدّمها فريق من أبرز محترفي الأنمي في اليابان من أستوديو “كوميكس ويف”، المعروف بأعماله مع المخرج الشهير ماكوتو شينكاي، مثل فيلمي “اسمك” و”الطقس معك”، حيث استعرض الفريق أمام جمهور المؤتمر رحلة تكوين المشهد المتكامل في أفلام الأنمي، من رسم الشخصيات إلى إدماج المؤثرات البصرية الرقمية.
وقدّم الجلسة كل من تومومي كيمبارا وتسويوشي نيشيورا وريوسوكي تسودا، الذين نقلوا الحضور في جولة تقنية عبر مراحل إنتاج المشهد، مع التركيز على كيفية توحيد الإضاءة والملمس والمنظور لتحقيق الانسجام الكامل بين الشخصية والخلفية.
في بداية الجلسة شرحت تومومي كيمبارا -منتجة أنمي ومطورة ألعاب- أهمية تقنية “ناكاواري”، أي الرسوم المتوسطة التي تملأ الحركة بين المشاهد الرئيسية وتضبط الإيقاع. وأوضحت أن “ناكاواري” تُعدّ عنصراً حاسماً في تحقيق السلاسة التي تميز تحريك الشخصيات في الأعمال اليابانية، مشيرة إلى أن الجدول الزمني للتوقيت Time Sheet هو الركيزة التي تضمن تماسك العمل بين الفرق المختلفة.
أما ريوسكي تسودا، مخرج التركيب البصري في “كوميكس ويف”، فتحدث عن مفهوم “ساتسوئي” الذي يعني في الأصل التصوير الفوتوغرافي، لكنه في سياق الرسوم المتحركة يشير إلى مرحلة ما بعد الإنتاج التي تُستخدم فيها المؤثرات البصرية لإضفاء أجواء واقعية على المشهد. وقال “نستخدم ‘ساتسوئي’ كأنها فوتوشوب الرسوم المتحركة، لنضيف انعكاسات البحر، أو وهج العدسة، أو تساقط الثلج، وهي لمسات صغيرة تمنح الحياة للمشهد دون أن تشتت انتباه المتفرج عن القصة.“
مبدعات من أفريقيا
من ناحية أخرى أكدت رائدات أعمال أفريقيات من الفائزات بجوائز عالمية في مجال الرسوم المتحركة أن المرأة قادرة على إحداث تغييرات استثنائية في هذه الصناعة الإبداعية، وصياغة محتوى يعكس هويتها وقضايا مجتمعها، انطلاقاً من شغف حقيقي وإصرار على الإبداع والابتكار.
وأشرن، من واقع تجاربهن، إلى أن التحديات المرتبطة بالعمر أو التوقعات المجتمعية لم تقف عائقاً أمام طموحاتهن، بل شكّلت دافعا إلى التميز وإثبات الحضور في سوق تنافسية، محلياً ودولياً، مؤكدات أن الرسوم المتحركة تمثّل مساحة حيوية للمرأة لتعبّر عن صوتها وتروي قصصها بأسلوب بصري مؤثر.
جاء ذلك في جلسة حوارية بعنوان “المرأة في الرسوم المتحركة: قيادة التغيير وصياغة ملامح المستقبل”، ضمن فعاليات الدورة الثالثة من مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة، جمعت ثلاث رائدات من نيجيريا وغانا وكينيا؛ وهن: داميلولا سوليسي، المخرجة النيجيرية الحائزة على عدة جوائز، وكومفورت آرثر، رسامة الرسوم المتحركة ومؤسسة “أستوديو كومفي”، وسارة ماليّا، الشريكة المؤسسة والمديرة الإبداعية في “بونغولو با برودكشنز”، وأدارت الجلسة مونيا آرام، مؤسسة شركة Maoupia، حيث استعرضن مساراتهن المهنية في تأسيس أستوديوهات مستقلة، وإنتاج أفلام تناولت قضايا مجتمعية وثقافية، بأساليب سردية بصرية تحمل طابعا أفريقياً أصيلاً، وتطمح إلى بلوغ العالمية.
وفي حديثها عن تجربتها مع عالم الرسوم المتحركة، أكدت داميلولا سوليسي أن شغفها بالرسوم المتحركة بدأ كهواية من ألعاب الفيديو في مرحلة الطفولة، قبل أن تلتحق بأول مدرسة متخصصة في التصميم، ما فتح لها أبواب الاحتراف والانطلاق دولياً. وأشارت إلى أن تأسيس أستوديو خاص لم يكن سهلا بسبب صغر سنها، لكن إصرارها مكّنها من النجاح في مجال الإعلان والوصول إلى السوق العالمية، خاصة بعد انطلاقتها الكبيرة في فيلم عام 2020. كما أكدت على أن السوق النيجيرية واعدة نظراً لإقبال الجمهور على القراءة، ما يجعلها بيئة خصبة لسرد القصص عبر الأفلام المتحركة.
بدورها قالت كومفورت آرثر إن حبها للألوان قادها إلى دخول عالم الرسوم المتحركة قبل عشرين عامًا، حيث بدأت من الصفر عازمة على إنشاء أستوديو خاص بها، وأوضحت أنها لم تكتف بالإخراج، بل سعت أيضًا إلى كتابة القصص، وتدرّبت على التحرير لمدة ثلاث سنوات قبل أن تنطلق نحو شغفها، وشاركت آرثر في عدة مهرجانات دولية، وأنتجت أعمالًا مؤثرة، من بينها فيلم كرتوني يتناول قضية فتاة في غانا تسعى لتغيير لون بشرتها.
أما سارة ماليّا فأكدت أن هدف شركتها هو إنتاج أفلام تعبّر عن قضايا المجتمعات الأفريقية بأصواتها الأصيلة، وبأسلوب إنتاجي خاص يعكس تراث القارة وفنونها الغنائية. وذكرت أن شغفها بالموسيقى دفعها إلى دمجها مع الصور المتحركة بطريقة مبتكرة وبسيطة، تضمن الوصول إلى الجمهور دون تكاليف باهظة، وتسهم في صناعة محتوى أفريقي مميز له حضور في الساحة الجماهيرية.