"العثماني" رواية تبني عوالمها على أحلام تتوالد من بعضها البعض

الكاتب خالد القحطاني يمزج في كتابه بين العلمي والخيالي والغرائبي قد تبدو الحكاية فيه متداخلة لكنها من دهشة الأحداث تجعل القارئ يحيا في عالمها.
الاثنين 2025/05/05
الحلم طريق إلى الإنسان (لوحة للفنان عصام معروف)

عمان- كتاب “العثماني” للكاتب القطري خالد القحطاني رواية طويلة تبدأ في عالم الواقع وتعرِّج إلى سماوات خيالية أشبه بحلم يقظة، يعالج فيها الكاتب كل أزمات كوكب الأرض بالمزيد من أحلام اليقظة، إن صحَّ التعبير.

يضم الكتاب متتالية سردية دفعة واحدة ليست بينها فواصل نجمية ولا ترقيم فصول ولا حتى فواصل بيضاء، بل هي دفعة واحدة منذ السطر الأول حتى الكلمة الأخيرة من الرواية.

ينجح الكتاب، الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، في جعلنا ننتبه إلى أن البداية هي حلم، وعلينا أن نختار الطريق الذي ننطلق فيه معه، هل نستمر في القراءة على أن ذاك حلم، أم نترك العنان لخيالنا أن يسبح في سماوات الرواية التي عرَّجت إلى المريخ وإلى الكواكب الأخرى، بتفاصيل تكاد تجعلنا نشعر وكأننا فوق تلك الكواكب بالفعل.

◄ عبدالله العثماني استطاع التوصل إلى قدرة صناعية تُسمى "القدرة على كل شيء"، وكذلك قدرة أخرى تُسمَّى "المنفعة الصناعية"

يبدأ خالد القحطاني روايته بمشهد واقعي حي، يقول فيه “وقف أمام العمارة منتظراً مجيء التاكسي، مراقباً المطر الغزير بدهشة. مشهد المطر وارتطام قطراته بالأرض أسره وسلب قلبه، فبدأ يراوده شعور غريب وكأنه خُلِق للتو. بدت الأشياء من حوله في غاية الروعة والجمال، فقرَّر أن يلغي كل خططه لهذه الليلة، وينشغل بأحلامه.”

ويتابع القحطاني بداية شرارة الحلم في الفقرة التالية مباشرةً فيتساءل عن مدى إمكانية تحقُّق الحلم: “طلب من التاكسي أن ينزله عند أحد المطاعم الصغيرة. دخل المطعم وجلس بجانب النافذة ثم فتحها ليرى المطر ويسمع صوته. فكّر: ماذا لو تحقّقت كل أحلامي؟”

ومن هناك يغرق بطل الرواية في أحلام متتالية، حلما يقود إلى حلم، حتى أننا لا نعود نفرق بين الواقع والخيال في ما يسرده لنا.

راح عبدالله العثماني (بطل الرواية) يحلم بدرجة الدكتوراه التي سيحصل عليها، ورأى نفسه بعين قلبه وهو أستاذ يحاضر في الجامعة ويأتي إليه الطلاب من كل حدبٍ وصوب، حتى إن القاعات الجامعية لم تعد تستوعب عدد الطلاب الذين يأتون لحضور محاضراته، ما جعل رئيس الجامعة يقرِّر أن محاضرات الدكتور عبدالله ستُبَثُّ عبر أثير الإذاعة الجامعية كي تصل إلى أكبر عدد من الطلاب والمريدين.

نواصل في عالم الخيال ومن بين الأفكار التي قرَّر الدكتور عبدالله حث العلماء عليها جمع المادة من الطبيعة وتحويلها إلى أحجار طاقية تستخدم كدروع واقية وكحماية وعلاج، وأشياء أخرى كثيرة.

يقول خالد القحطاني “قال عبدالله: أريدكم أن تجعلوا الحجر الطاقي يشكِّل درعا طاقيّا يحيط بالشيء المُراد حمايته؛ كجسم الإنسان والمنازل والمنشآت والمدن والدول، وأريده أن يبقى سنة كاملة لهم، كما أريد أن يكون الحجر الطاقي المُعد للاستخدام الفردي بحجم فص في خاتم، وأن تجعل لهم خاتماً يحمل الحجر الطاقي كفصٍّ من أحجار كريمة.”

ولا تتوقف الغرابة والمزج بين العلمي والخيالي والغرائبي، يسحبنا بطل الرواية إلى اكتشافه رفقة فريقه لـ”عصير العلاج”، ذلك المشروب الذي يعالج جميع الأمراض، ويعيد الشباب والحيوية والطاقة إلى البشر، وظل ذلك المشروب يتطوَّر حتى استطاع إعادة الشباب للشيوخ والعجَزة وحتى من فقدوا أطرافهم، إذ ساعدهم على عودة الحياة لتلك الأطراف المفقودة وإنباتها من جديد، وكثير من القدرات الخارقة الأخرى.

وقد استطاع عبدالله العثماني التوصل إلى قدرة صناعية تُسمى “القدرة على كل شيء”، وكذلك قدرة أخرى تُسمَّى “المنفعة الصناعية”، كان لكلٍّ منهما عظيم الأثر في تطور الأحداث حتى توسَّعت العوالم العثمانية فشملت كوكب الأرض وكواكب أخرى شبيهة، وبدأ التبادل التجاري في الفضاء بين أهل تلك الكواكب بفضل شبكة التواصل التي نجح في صناعتها العثماني بما أوتي من علم وقدرة وعلماء يعاونونه في كل شيء.

قد تبدو الحكاية متداخلة بشكل كبير، لكن الرواية من دهشة الأحداث تجعل القارئ يحيا في عالمها وكأنه عالمه الحالي، وهناك اعتماد كبير على الذكاء الاصطناعي، وتأصيل لفكرة الكائنات نصف البشرية/ نصف الآلية، وغيرها من التفاصيل التي بعضها خيالي وبعضها الآخر عجائبي، لكن الوسيلة هي نفسها والهدف هو نفسه، بناء عالم أفضل من خلال الحلم، والإطلالة على المستقبل الذي قد يكون أشد غرابة من حكاية عبدالله العثماني.

ما يظهر بين سطور الرواية، لاسيما في ثلثها الأخير، أن الإنسان مهما اجتهد في علمه واختراعاته، فلن يستطيع منح السعادة المطلقة لنفسه ولسواه، لذا فكل شيء نسبي.

12