اتفاق مشايخ العقل الدروز في السويداء صامد رغم محاولات العرقلة

دمشق - أكد محافظ السويداء مصطفى البكور، السبت، على أن الاتفاق الأمني الأخير الذي أقره مشايخ العقل في المحافظة لا يزال قائما ويجري تنفيذه تباعا وفق البنود المتفق عليها، مشيرا إلى أنه تم إدخال تعديلات طفيفة عليه لتسهيل عودة الأمن.
ويأتي هذا التأكيد في ظل عودة الهدوء النسبي إلى مناطق السويداء ذات الأغلبية الدرزية، وذلك بموجب اتفاق التهدئة الذي نص على نشر تعزيزات عسكرية في محيطها.
وأوضح البكور في تصريح لوكالة الأنباء السورية "سانا"، أن "بعض التعديلات الطفيفة أُجريت على بنود الاتفاق استجابةً لطلبات بعض الأطراف، وذلك لتسهيل وتسريع عملية إعادة الأمن والاستقرار إلى المحافظة".
وأشار البكور إلى أن "الدولة السورية مستمرة في مساعيها لحل الإشكاليات في السويداء"، مؤكداً أن "الجهود السابقة بدأت تؤتي ثمارها".
وشدد على أن الطائفة الدرزية "تُعد جزءا أصيلا من النسيج المجتمعي السوري"، مشيدا "ببيان مشايخ العقل ورفضهم لأي تدخل خارجي، وتمسكهم بحل القضايا الداخلية ضمن الإطار الوطني".
ويأتي حديث البكور عقب يومين من اتفاق بين قيادات الطائفة الدرزية بسوريا بحضور الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للدروز، وشيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، فضلا عن حسن الأطرش، ويحيى عامر، وعاطف هنيدي، ووسيم عزالدين، وممثلين عن الفصائل العسكرية الخميس.
ويعد تصريحه هذا بمثابة دحض للشكوك التي أثيرت حول استمرارية الاتفاق، خاصة بعد الحديث عن محاولات "للمساس" به من قبل بعض المجموعات المسلحة، وذلك بالتزامن مع بدء تنفيذ بنوده من خلال انتشار قوات الأمن السوري داخل السويداء.
وكان زعماء الطائفة الدرزية ومرجعياتها ووجهاؤها قد أصدروا مساء الخميس بيانا أكدوا فيه أنهم جزء من سوريا الموحدة، مشددين على رفضهم للتقسيم أو الانفصال.
ودعوا إلى "تفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية في محافظة السويداء من أبناء المحافظة"، معتبرين أن "تأمين طريق السويداء - دمشق مسؤولية الدولة".
ونص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين السلطات السورية والقيادات الدرزية بعد اشتباكات شهدتها مناطق متفرقة من السويداء على خمسة بنود رئيسية، تتضمن تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقاً، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصراً وبشكل فوري، ورفع الحصار عن مناطق السويداء وجرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها على الفور.
وأعلن جهاز الأمن العام بمحافظة السويداء الجمعة عن بدء الاضطلاع بدوره وانتشار عناصره لحفظ الأمن والاستقرار، وذلك في إطار تنفيذ الاتفاق، إلا أنه عقب ذلك، قامت بعض المجموعات العسكرية بمهاجمة بعض الحواجز الأمنية المنتشرة بمحيط مدينة السويداء، وهو ما اعتبرته دمشق محاولة "للمساس" بالاتفاق.
وجاء هذا الاتفاق بعد يومين من توترات أمنية أعقبت اشتباكات بين مسلحين دروز وعناصر أمن ومقاتلين مرتبطين بالسلطة السورية اندلعت ليل الاثنين في جرمانا وامتدت إلى صحنايا في ريف دمشق، وهما مدينتان تقطنهما غالبية درزية ومسيحية، قبل أن يمتد التوتر لاحقاً إلى محافظة السويداء. وقد تمكنت الحكومة السورية من استعادة الهدوء وفرض الأمن بعد التوصل إلى اتفاق مع وجهاء وأعيان المنطقتين.
وأوقعت الاشتباكات التي اتهمت السلطات "مجموعات خارجة عن القانون" بإشعالها عبر استهداف عناصرها، 119 قتيلا على الأقل، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان السبت.
وأتى التوتر مع الدروز عقب أعمال عنف في منطقة الساحل السوري، أودت الشهر الماضي بنحو 1700 شخص غالبيتهم العظمى من العلويين، بحسب المرصد.
وقد استغلت إسرائيل هذا التوتر الأمني، حيث أكد جيشها انتشاره في جنوب سوريا وجاهزيته "لمنع دخول قوات معادية إلى منطقة القرى الدرزية"، في إشارة ضمنية لقوات السلطة الانتقالية.
ودان مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا غير بيدرسن "بشدة انتهاكات إسرائيل المتواصلة والمتصاعدة ضد سيادة سوريا، بما في ذلك الغارات الجوية المتعددة على دمشق ومدن أخرى".
ودعا الى "الوقف الفوري لهذه الهجمات، وإلى أن تمتنع إسرائيل عن تعريض المدنيين السوريين للخطر، وأن تحترم القانون الدولي وسيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية واستقلالها".
وشنّت إسرائيل أكثر من عشرين غارة ليل الجمعة السبت على مراكز ومستودعات عسكرية، وفقا للمرصد، مشيراً إلى أنها الغارات "الأكثر عنفاً منذ بداية العام".
وجاءت تلك الضربات بعد ساعات من إعلان إسرائيل أن سلاح الجو أغار على "المنطقة المجاورة" للقصر الرئاسي، في خطوة نددت بها أطراف دولية واعتبرتها الرئاسة السورية "تصعيداً خطيراً ضد مؤسسات الدولة وسيادتها".
وتشكل الغارات الاسرائيلية على البنى العسكرية السورية وتوغّل قواتها فيجنوب البلاد منذ إطاحة الأسد، واحدا من التحديات التي تعوق بسط الشرع سلطته الفعلية على كامل الجغرافيا السورية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مشترك مع وزير دفاعه يسرائيل كاتس إن الغارة على محيط القصر الرئاسي "رسالة واضحة للنظام السوري. لن نسمح بنشر قوات (سورية) جنوب دمشق أو بتهديد الطائفة الدرزية بأيّ شكل من الأشكال".
ورغم عودة الهدوء إلى حد كبير في المناطق الدرزية بموجب اتفاقات التهدئة التي نصت على نشر تعزيزات عسكرية في محيطها، حذّرت اسرائيل السلطة الانتقالية من المساس بالدروز.
وذكّر الجيش الإسرائيلي السبت بانتشار قواته في جنوب سوريا، وأنه يتابع "التطورات مع الحفاظ على الجاهزية للدفاع ولمختلف السيناريوهات".
وأفاد عن "إجلاء" خمسة مواطنين دروز "لتلقي العلاج الطبي في إسرائيل".
ووفقا لبيانات الجيش، أدخل 15 سوريا درزيا إلى مستشفيات في إسرائيل منذ بداية الأسبوع.
وأكد مصدر درزي في السويداء لفرانس السبت أن انتشار الجنود الاسرائيليين يقتصر على المناطق التي توغلوا اليها عقب إطاحة الأسد في محافظة القنيطرة.
ويتوزّع الدروز أساسا بين لبنان وسوريا وإسرائيل.
ويفاقم تدخل الدولة العبرية من إشكالية العلاقة القائمة بين السلطة الجديدة في دمشق والدروز الذين كانوا نددوا على لسان مرجعيات دينية بارزة بمحاولات الدولة العبرية زعزعة الاستقرار في سوريا.
ودانت الخارجية الاماراتية السبت "الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة" على سوريا، مؤكدة رفضها "القاطع لهذه الممارسات، والتي تهدد بالمزيد من التصعيد والتوتر في المنطقة".
وقال محلل شؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ لفرانس برس إن إسرائيل "تتدخل بشكل مباشر في العملية الانتقالية في سوريا"، معتبرا أنها تستخدم قضية الدروز "كذريعة لتبرير احتلالها العسكري" لأجزاء من سوريا.