أي.دي.كيو ذراع أبوظبي النشطة لتعظيم الاستثمار السيادي

أبوظبي - تكثف حكومة أبوظبي رهاناتها على الشركة القابضة (أي.دي.كيو)، وهي أحد صناديق الثروة للإمارة، كأداة رئيسية لتعظيم أصولها السيادية وتوسيع استثماراتها في قطاعات إستراتيجية.
ومن خلال توجه أكثر ديناميكية نحو الشراكات العالمية وشراء الأصول الحيوية والدخول في قطاعات ذات نمو مرتفع مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية واللوجستيات، يبرز الصندوق كذراع استثمارية فاعلة إلى جانب كيانات أخرى مثل جهاز أبوظبي للاستثمار.
وتكشف تحركات أي.دي.كيو عن تحول نوعي في كيفية إدارة الثروات السيادية الإماراتية، يجمع بين الانضباط المالي والجرأة في اقتناص الفرص.
وتمكن الصندوق من مضاعفة أصوله خلال أربع سنوات فقط، في جهود أثمرت عن محفظة استثمارية متنوعة تشمل كل شيء، من حصة في دار المزادات العالمية سوذبيز إلى شركة الاتحاد للطيران.
ويعمل الفريق التنفيذي في الشركة من مقرها داخل إحدى ناطحات السحاب بقلب العاصمة أبوظبي على استثمار هذا الزخم.
وعلى مدار فترة شملت الوباء، ودورتي انتخابات رئاسيتين في الولايات المتحدة، وطفرة الاهتمام بتقنيات الذكاء الاصطناعي، برز الصندوق البالغة قيمة أصوله 251 مليار دولار كأحد أسرع صناديق الثروة السيادية نمواً في العالم.
واليوم، وفي خضم حرب تجارية دفعت بعض المستثمرين إلى البحث عن فرص وسط اضطرابات السوق، يدعو الرئيس التنفيذي للقابضة، محمد السويدي، إلى التحلي بالصبر.
وقال السويدي، الذي يشغل منصب وزير الاستثمار في الإمارات، في مقابلة نادرة بأبوظبي مع وكالة بلومبيرغ “لن نندفع بكل قوتنا،” مضيفا “نراقب، ونتتبع، ونأخذ وقتنا. نحن مستثمرون نمنح أنفسنا الوقت لفهم طبيعة الأعمال لكن نتحرك بسرعة حين تحين الفرصة.”
ويمثّل هذا التصريح تحولاً ملحوظاً مقارنة بأربع سنوات مضت، حين قال الرئيس التنفيذي إن الصندوق، الذي تأسس عام 2018، “لم يكن يخطو بالسرعة الكافية.”
وآنذاك كانت القابضة تبني منصات جديدة بوتيرة متسارعة انطلاقاً من الأصول الحكومية التي تسلمتها في قطاعات تشمل الخدمات اللوجستية والطاقة والأغذية.
وخلال الأسابيع الأخيرة عقد الصندوق شراكة بقيمة 25 مليار دولار للاستثمار في توليد الطاقة لمراكز البيانات ومشاريع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، بما يتماشى مع جهود الرئيس دونالد ترامب لجذب رؤوس الأموال.
كما يعزز في الوقت نفسه مساعي الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، ويقود الصندوق مبادرة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار في مصر، ويُعد من المستثمرين النشطين في تركيا.
وعكست هذه الصفقات أهمية صندوق أي.دي.كيو لدولة الإمارات، رغم أنه ما زال أصغر حجماً مقارنة بصناديق الثروة الأخرى في الإمارة، مثل جهاز أبوظبي للاستثمار ومبادلة للاستثمار إلى حد ما.
ونمت محفظة الصندوق بشكل متزايد نحو الطابع العالمي في السنوات الأخيرة، لتشمل حصصاً في شركات مثل لويس درايفوس المتخصصة في تجارة المنتجات الزراعية.
أما محليا فهي تملك واحدة من أكبر شبكات الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، وتدير مشغلاً للموانئ، بالإضافة إلى الاتحاد للطيران التي تستعد لطرح عام أولي سيُسهم في توسيع حجم السوق المالية المحلية التي تديرها القابضة أيضاً.
الشركة القابضة تركز على البنية التحتية وسلاسل الإمداد، وتستكشف فرصا في اللوجستيات وصناعة الدواء والغذاء
وقال السويدي “نتبع في أعمالنا منهجية معينة، شركة تلو الأخرى، واستقطبنا فرق الإدارة المناسبة، وطبقنا أنظمة الأداء الفعالة، ووضعنا إستراتيجيات تركز على الأولويات.”
وأوضح أن الكيانات التابعة للشركة باتت اليوم تمتلك الأدوات والدعم المالي اللازم للتوسع خارجياً بشكل مستقل.
وصارت شركات وول ستريت تسعى بشكل متزايد للتعاون مع أي.دي.كيو، سواء لتقديم الاستشارات أو لتمويل صفقاتها.
وتقدّر شركة الأبحاث غلوبال أس.دبليو.أف أن الصندوق أنفق 11 مليار دولار العام الماضي، لكن السويدي فند ذلك، موضحاً أنه لا توجد وتيرة ثابتة لاستثمار المليارات و”نستثمر بحسب ما تسمح به السوق، وحسب الفرص المناسبة.”
وتتمثل مهمة أي.دي.كيو في سد الفجوات أو ما يُعرف بـ”المجالات غير المستغلة” في اقتصاد أبوظبي. وأوضح السويدي أن الصندوق، خلافاً لصناديق الثروة التقليدية، لا يستثمر في الأسواق العامة أو أدوات الدخل الثابت.
وبدلاً من ذلك يعمل الصندوق وفق نمط صناديق الملكية الخاصة، عبر الاستحواذ على حصص كبيرة ومسيطرة في شركات مختارة ضمن قطاعات محددة، مع هدف توسيع أنشطة تلك الشركات، وإدراج أسهم العديد منها محليا.
وقال السويدي “إذا كنت تريد بيع شركة بنسبة 100 في المئة، أو حتى 51 في المئة فما فوق، فنحن المشتري،” لافتا إلى أنه “لا يوجد طرف آخر في السوق يقول: أريد شراء حصة بنسبة 51 في المئة.”
ويركز الصندوق حالياً على البنية التحتية الحيوية وسلاسل الإمداد، ويستكشف فرصاً استثمارية في قطاعات اللوجستيات والصناعات الدوائية والأمن الغذائي.
ورغم أنه لا يستثمر في التكنولوجيا بشكل مباشر، فإن الصندوق يدعم طموحات أبوظبي في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال الاستفادة من القدرات والخبرات التقنية، مثل الاتفاق الأخير مع شركة إنيرجي كابيتال بارتنرز.
وقال السويدي “إذا ظهرت فرصة لتوفير طاقة لمراكز البيانات أو لشبكة الكهرباء، فمع شريك مثل إنيرجي كابيتال بارتنرز، ستكون فرصة ممتازة.” وأضاف “سنواصل التوسع في قطاعي المرافق والطاقة بلا شك.”