تأثيرات متفاوتة للحرب التجارية على الاقتصادات العربية

واشنطن - رجّح صندوق النقد الدولي أن يتسارع النشاط الاقتصادي هذه السنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن المنطقة ليست بمنأى عن أجواء انعدام اليقين التي ترخي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
وجاء في تقرير الصندوق بعنوان “آفاق الاقتصاد الإقليمي: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى” أنه “من المتوقع أن يزيد النمو في عامي 2025 و2026، وإن كان بوتيرة أبطأ بكثير مما كان متوقعا.”
وتتوقّع المؤسسة المانحة أن ينمو الاقتصاد في المنطقة العربية بنسبة 2.6 في المئة سنة 2025 و3.4 في المئة سنة 2026، في مقابل 1.8 في المئة سنة 2024.
ورغم التأثيرات المتفاوتة للحرب التجارية على الاقتصادية العربية، لكن جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد استبعد في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن يكون للرسوم الأميركية تأثير مباشر على المنطقة.
وقال إن “التكامل الاقتصادي بين بلدان المنطقة والولايات المتحدة محدود ولأن قطاع الطاقة سلم من هذه التعريفات الجمركية.”
غير أن أجواء انعدام اليقين على الصعيد العالمي ترخي بظلالها على آفاق الاستثمار والأسواق المالية وأسعار النفط، ما يزيد من الاتّجاه التراجعي، بحسب أزعور.
وقد خُفضت توقّعات العام 2025 للبلدان المصدّرة للنفط في المنطقة بنحو 1.7 نقطة مئوية مقارنة بالتقديرات السابقة.
غير أن هذه الأرقام تخفي تفاوتا شديدا بين البلدان النفطية المختلفة، لاسيما بلدان الخليج حيث يتوقّع تسجيل نموّ بنسبة 3 في المئة هذه السنة، وفي إيران والعراق حيث من المرتقب أن يتراجع بنسبة 1.5 في المئة.
وخفّض الصندوق توقعاته لنمو اقتصادات الدول المُصدرة للنفط، بما في ذلك السعودية والعراق، مع بلوغ متوسط أسعار الخام هذا العام نحو 66.9 دولار للبرميل، وهو ما يقل بنحو 6 دولارات عن التقديرات السابقة.
وعزا ذلك إلى زيادة كبيرة في الإمدادات من الدول غير الأعضاء في أوبك+، إلى جانب تراجع في الطلب نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وتراجعت أسعار خام برنت بحوالي 15 في المئة منذ بداية العام لتسجل نحو 63 دولاراً للبرميل، بفعل النزاعات التجارية بقيادة الولايات المتحدة، وإعلان أوبك+ عن زيادة إنتاجية أسرع من المتوقع.
وحصل العراق على واحدة من أكبر التخفيضات في التوقعات، إذ رجّح الصندوق الآن انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المئة هذا العام بعد أن كان يُفترض في أكتوبر تحقيق نمو قدره 4.1 في المئة.
أما السعودية، التي تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم فتم خفض تقديرات نموها الاقتصادي إلى 3 في المئة مقارنة بتوقع سابق عند 4.6 في المئة.
ورغم أن نمو القطاعات غير النفطية في الخليج مدعوم بمشاريع البنية التحتية وجهود تنويع الاقتصاد، إلا أن الصندوق حذّر من احتمال خفض بعض الإنفاق الحكومي بما يتماشى مع أسعار النفط.
وقال الصندوق إن هناك “إعادة معايرة لخطط الإنفاق الاستثماري نتيجة ضعف أسعار النفط، زاد من أثرها التراجع الأخير بفعل تصاعد التوترات التجارية.”
السعودية، التي تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم، تم خفض تقديرات نموها الاقتصادي إلى 3 في المئة مقارنة بتوقع سابق عند 4.6 في المئة
ومع ذلك، أوضحت المؤسسة أن التأثير المباشر لتغييرات الرسوم على دول الخليج “محدود بشكل عام”، نظرا إلى إعفاء صادرات الطاقة من الرسوم، وضعف حجم الصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة.
وقال أزعور “وسط كل هذه التغييرات والتحديات، من المهم أيضا السعي إلى إقامة شراكات تجارية جديدة.”
وفي البلدان المتأثّرة بالنزاعات، مثل السودان واليمن وفي الأراضي الفلسطينية، تبقى الآفاق قاتمة، خصوصا في ظلّ التراجع الشديد في المساعدات الدولية.
وأشار جهاد أزعور إلى أن “المساعدة الدولية انخفضت بحوالي 25 في المئة منذ عام 2021.” ومن المتوقّع أن تتسارع وتيرة هذا الانخفاض، ما يهدّد البلدان الأضعف.
ولم يصدر صندوق النقد أيّ توقعات خاصة بلبنان الذي شهد حربا بين إسرائيل وحزب الله وتراجعا في النمو بنسبة 7.5 في المئة سنة 2024 أو بسوريا التي خرجت من حرب أهلية استمرّت أكثر من 13 عاما.
وقد يسجّل البلدان انتعاشا بفعل المشاريع الإعمارية، لكن الحاجات التمويلية ما زالت هائلة، على حدّ قول أزعور الذي أشار إلى “اهتمام من جانب دول الخليج بمساعدة البلدان المتأثّرة بالنزاعات على الإعمار.”
لكنه أكد أنه “لا بدّ من أن تطلق هذه البلدان الإصلاحات اللازمة لإعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي واستعادة الثقة.”