معادن أوكرانيا النادرة تفتح جبهة أميركية جديدة ضد الهيمنة الصينية

في ظل احتدام التنافس الجيوسياسي على الموارد الإستراتيجية، تتجه الأنظار إلى تحركات الولايات المتحدة المتزايدة في قطاع المعادن النادرة بأوكرانيا عقب توقيع البلدين اتفاقية شراكة بهذا الخصوص، في وقت تراقب فيه الصين، أكبر لاعب عالمي في السوق، المشهد عن كثب.
واشنطن - وقّعت أوكرانيا والولايات المتحدة الأربعاء اتفاقيةً روج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقوة منذ توليه منصبه أواخر يناير الماضي، ستمنح الولايات المتحدة امتيازًا في صفقات المعادن الجديدة، وسط جدل بين المحللين بشأن هذه الصفقة.
وفيما تتقاطع المصالح بين واشنطن وكييف حول تعزيز الأمن الاقتصادي وتقليص نفوذ الخصوم، وعلى رأسهم الصين، يبرز سباق عالمي جديد على الموارد الإستراتيجية، تتقدم فيه المعادن النادرة إلى واجهة التنافس الجيوسياسي بين أكبر اقتصادين في العالم.
ومع استمرار الصراع مع موسكو، وجدت كييف نفسها أكثر اعتمادًا على الدعم الغربي، ما فتح الباب أمام شركات أميركية للدخول في شراكات وتراخيص للتنقيب والاستخراج.
وتقضي الشراكة بإنشاء صندوق استثماري لإعادة إعمار أوكرانيا التي مزّقتها الحرب مع روسيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويمنح الشركات الأميركية إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية الأوكرانية.
وأبرم البلدان الاتفاق في واشنطن بعد أشهر من المفاوضات المتوترة أحيانًا، مع استمرار حالة عدم اليقين حتى اللحظة الأخيرة وأنباء عن وجود عقبة في اللحظة الأخيرة.
ونُشرت صورةٌ لوزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ونائبة رئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو وهما يوقعان الاتفاقية على منصة إكس، حيث علقت وزارة الخزانة قائلة إن الاتفاقية “تشير بوضوح إلى التزام إدارة ترامب بأوكرانيا حرة، ذات سيادة، ومزدهرة.”
ومن جهتها لا تُخفِي كييف رغبتها في تنويع شركائها الاقتصاديين وتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، معتبرة أن استثمار واشنطن في قطاع التعدين يمثل دعمًا إستراتيجيًا للاقتصاد الوطني خلال فترة الحرب وإعادة الإعمار لاحقًا.
وكتبت سفيريدينكو على منصة إكس أن الاتفاقية تنص على مساهمة واشنطن في الصندوق. وأوضحت أنها تنص أيضا على تقديم مساعدات جديدة، مثل أنظمة الدفاع الجوي، لأوكرانيا. ولم تتطرق الولايات المتحدة مباشرةً إلى هذا الاقتراح.
ولم تقدم الاتفاقية أي ضمانات أمنية أميركية ملموسة لأوكرانيا، وهو أحد أهدافها الأولية، لكن سفيريدينكو، وهي وزيرة الاقتصاد أيضا، قالت إن الاتفاقية سمحت لأوكرانيا “بتحديد ما تستخرجه وأين،”، وإن باطن أرضها لا يزال ملكًا لها.
وأكدت أن بلادها لا تتحمل أي ديون للولايات المتحدة بموجب الاتفاقية، وهي نقطة أساسية في المفاوضات المطولة بين البلدين. وأضافت أن الاتفاقية تتوافق أيضًا مع دستور أوكرانيا وحملة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ورحب رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال بالاتفاق قبل توقيعه قائلا عبر التلفزيون الرسمي إنه “فعلا اتفاق دولي جيد بين الحكومتين بشأن استثمارات مشتركة لتطوير أوكرانيا وإعادة بنائها.”
ويرى محللون أن هذا التحرك يُعد جزءًا من إستراتيجية أميركية أوسع لتقليل الاعتماد العالمي على الصين في مجال المعادن النادرة، لاسيما في ظل التوترات التجارية والتكنولوجية المتصاعدة بين القوتين.
وفي المقابل تتابع بكين هذه التحركات بحذر، خاصة وأنها استثمرت في الماضي في مشاريع تعدين مشابهة في أوروبا الشرقية.
ولدى أوكرانيا رواسب قابلة للاستخدام تجاريا من معظم المعادن الصناعية الرئيسية، مع احتياطيات محتملة قد تصل قيمتها إلى 11.5 تريليون دولار، وفق ما نقلته قبل فترة مجلة فورين بوليسي استنادا إلى وثائق أوكرانية رسمية.
ويمتلك البلد رواسب من 22 من أصل 34 معدنًا حددها الاتحاد الأوروبي على أنها حيوية، وفقًا للبيانات الأوكرانية. وتشمل هذه المعادن المواد الصناعية ومواد البناء وسبائك الحديد والمعادن الثمينة وغير الحديدية وبعض العناصر الأرضية النادرة.
11.5
تريليون دولار قيمة الاحتياطيات المحتملة من المعادن الأوكرانية، وفق مجلة فورين بوليسي
والمعادن النادرة هي مجموعة من 17 معدنًا تُستخدم في صناعة المغناطيسات التي تُحوّل الطاقة إلى حركة في المركبات الكهربائية، والهواتف المحمولة وأنظمة الصواريخ، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. ولا توجد بدائل مُجدية لها.
وتُصنّف هيئة المسح الجيولوجي الأميركية 50 معدنًا على أنها معادن أساسية، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة والنيكل والليثيوم. وهذه المعادن الحيوية ضرورية لصناعات مثل الدفاع والأجهزة عالية التقنية والفضاء والطاقة الخضراء.
ووفقًا لمعهد الجيولوجيا الأوكراني، تمتلك البلاد معادن نادرة مثل اللانثانوم والسيريوم، المستخدمين في أجهزة التلفزيون والإضاءة والنيوديميوم المستخدم في توربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية والإربيوم والإتريوم، اللذين تتراوح تطبيقاتهما من الطاقة النووية إلى الليزر.
كما تشير الأبحاث الممولة من الاتحاد الأوروبي إلى أن أوكرانيا تمتلك احتياطيات من السكانديوم. ومعظم البيانات التفصيلية سرية.
وذكر المنتدى الاقتصادي العالمي أن أوكرانيا تُعدّ أيضًا موردًا رئيسيًا محتملًا لليثيوم والبريليوم والمنغنيز والغاليوم والزركونيوم والغرافيت والأباتيت والفلوريت والنيكل.
وأفادت هيئة الجيولوجيا الحكومية بأن أوكرانيا تمتلك أحد أكبر احتياطيات الليثيوم المؤكدة في أوروبا والتي تُقدّر بنحو 500 ألف طن، وهو عنصر حيوي للبطاريات والسيراميك والزجاج.
وفي حين يوجد هذا المعدن في الوسط والشرق والجنوب الشرقي من البلاد، تزخر مناطقها الشمالية الغربية والوسطى باحتياطيات من التيتانيوم.
وتمثل احتياطيات أوكرانيا من الغرافيت، وهو مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية، 20 في المئة من الموارد العالمية. وتقع هذه الرواسب في الوسط والغرب.
كما لديها احتياطيات كبيرة من الفحم، على الرغم من أن معظمها الآن تحت سيطرة روسيا في الأراضي المحتلة. ويقول محللو التعدين والاقتصاديون إن البلد لا يمتلك حاليًا مناجم أرضية نادرة قيد التشغيل التجاري.
وتُعدّ الصين أكبر منتج في العالم للعناصر الأرضية النادرة والعديد من المعادن المهمة الأخرى. وبحسب الدراسة، استحوذت على 60 في المئة من هذه الصناعة العالمية في عام 2023، ووصلت حصتها من المعالجة الإضافية إلى 93 في المئة.
وتظهر التقديرات أن بكين تسيطر على 95 في المئة من إنتاج وتوريد المعادن النادرة، وسمح هذا الاحتكار لثاني اقتصاد في العالم برفع الأسعار وإثارة الاضطرابات بين المستخدمين من خلال ضوابط التصدير.
ويندرج الاتفاق ضمن مساعي إدارة ترامب للتوصل إلى تسوية سلمية في الحرب في شرق أوروبا والتي ألحقت أضرارًا واسعة النطاق بجميع أنحاء أوكرانيا، وتسيطر روسيا الآن على حوالي خُمس أراضيها.
ويتركز الجزء الأكبر من رواسب الفحم الأوكرانية، التي كانت تُغذي صناعة الصلب قبل الحرب، في الشرق، وقد فُقدت.
ويقع حوالي 40 في المئة من موارد أوكرانيا المعدنية الآن تحت السيطرة الروسية، وفقًا لتقديرات مركزي الأبحاث الأوكرانيين “نبني أوكرانيا” والمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، مستشهدين ببيانات حتى النصف الأول من عام 2024. ولم يقدم المركزان أي تفاصيل.
ومنذ ذلك الحين واصلت القوات الروسية تقدمها بثبات في منطقة دونيتسك الشرقية. وفي يناير الماضي أغلقت أوكرانيا منجم فحم الكوك الوحيد لديها خارج مدينة بوكروفسك، والذي تحاول قوات موسكو السيطرة عليه.
وسيطرت روسيا على ما لا يقل عن اثنين من رواسب الليثيوم الأوكرانية خلال الحرب، أحدهما في دونيتسك والآخر في منطقة زابوريزهيا في الجنوب الشرقي. ولا تزال كييف تسيطر على رواسب الليثيوم في منطقة كيروفوهراد المركزية.
وصرح أوليكسي سوبوليف، النائب الأول لوزير الاقتصاد، في يناير بأن الحكومة تعمل على إبرام صفقات مع حلفاء غربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بشأن مشاريع تتعلق باستغلال المواد الحيوية.
وتقدر الحكومة إجمالي إمكانات الاستثمار في هذا القطاع بحوالي 12 إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2033. وأفادت هيئة الجيولوجيا الأوكرانية بأن الحكومة تُعدّ حوالي 100 موقع لترخيصها وتطويرها بشكل مشترك، لكنها لم تُقدّم أي تفاصيل أخرى.
وعلى الرغم من امتلاك أوكرانيا لقوى عاملة مؤهلة تأهيلاً عالياً وكلفة منخفضة نسبياً وبنية تحتية متطورة، إلا أن المستثمرين يُسلّطون الضوء على عدد من العوائق التي تعترض الاستثمار.
وتشمل هذه العوائق الإجراءات التنظيمية غير الفعالة والمعقدة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى البيانات الجيولوجية والحصول على قطع الأراضي. ويشير المستثمرون إلى أن تطوير مثل هذه المشاريع سيستغرق سنوات ويتطلب استثمارات أولية كبيرة.
