الذكاء الاصطناعي يعيد أجاثا كريستي إلى الحياة لتقدم دورة تعليمية

لندن - سيتمكن الكتّاب أصحاب الطموح أخيرا من الحصول على أفكار حيوية تثري أعمالهم في فن الكتابة، وذلك من كاتبة روايات الجريمة الأشهر الراحلة أجاثا كريستي (1870 – 1976)، وذلك من خلال مساعدة بسيطة من وسائل الذكاء الاصطناعي.
وأفادت وكالة الأنباء البريطانية الخميس بأنه بالتعاون بين هيئة الإذاعة البريطانية “بي. بي. سي” وورثة الكاتبة الراحلة تم إعداد دورة تعليمية إلكترونية تحت اسم “كتابة أجاثا كريستي”، يتم خلالها الاستعانة بكلمات كريستي الخاصة التي كانت تلقيها بنفسها.
ومن المقرر أن يتم خلال الدورة – التي يستعان فيها بالممثلة فيفيان كين لاستحضار روح كريستي، وفنانين من خبراء المؤثرات البصرية – استخدام تقنيات محسنة بواسطة الذكاء الاصطناعي وصورا وتسجيلات صوتية مستعادة من تسجيلات الكاتبة الراحلة، صاحبة أكثر الكتب مبيعا، لإعادة تجسيد كلماتها وتعاليمها، بحيث تبدو وكأنها تلقيها بصورة مباشرة.
وأعد الدورة خبراء متخصصون في إرث كريستي، ممن أعادوا بناء فلسفتها في الكتابة، واستوحوا أفكارها بشأن طريقة بناء القصة واختيار الممثلين وتقلبات الحبكة والتلون وفن التشويق، من خلال أعمالها ومقابلاتها الأرشيفية.
فـ”ملكة الجريمة” كما يلقبها النقاد، ستظهر مجددا لتردد كلامها على مسامع الكتاب الجدد والراغبين في أن يسيروا على خطواتها أو في أدب الجريمة والرواية البوليسية، حيث عبّرت في أكثر من مناسبة عن آرائها الشخصية في أدب الجريمة والرواية البوليسية، وكانت ترى فيه فنًا يستحق التقدير، لا مجرد تسلية.
كريستي كانت تعتبر الرواية البوليسية نوعًا أدبيًا محترمًا، بل فنًا في بناء المنطق والإقناع، وليس مجرد ترفيه. وكانت تعتقد أن هذا النوع من الكتابة يحتاج إلى ذكاء، مهارة، ودقة في السرد.
وتقول إن “الجريمة الحقيقية نادرة، أما الخيال الإجرامي فهو ضرورة للعقل،” حيث كانت ترى أن الروايات البوليسية تُشبع رغبة البشر في فهم العدالة، ورؤية الجريمة تُحل بشكل منطقي، وتعتقد أن القارئ لا يبحث فقط عن التسلية، بل عن النظام في عالم فوضوي.
◙ أجاثا كريستي كانت تعتبر الرواية البوليسية نوعا أدبيا محترما بل فنا في بناء المنطق والإقناع وليس مجرد ترفيه
ولطالما اعتبرت أن “الخيال يمكن أن يكون أكثر تصديقًا من الواقع،” حيث كانت تُدرك أن بعض حبكات رواياتها قد لا تحدث تمامًا كما هي في الواقع، لكنها كانت تؤمن أن التسلسل المنطقي يعطيها قوة إقناع تفوق الأحداث الحقيقية أحيانًا.
وابتكرت شخصيات مثل شخصيتي هيركيول بوارو والآنسة ماربل، اللتين أصبحتا رمزين عالميين للتحقيق البوليسي. وتمكّنت من خلق شخصيات ذكية ومميزة دون أن تكون خارقة أو تعتمد على العنف، وكانت تقول إن “المحقق الجيد لا يحتاج إلى العنف، بل إلى عقل حاد وفهم للطبيعة البشرية.” وكانت تفضل المحقق الذكي، المتأمل، مثل بوارو وميس ماربل، بدلًا من المحققين الذين يعتمدون على السلاح أو العنف.
أما عن كتابة الرواية البوليسية عموما فكانت تقول إن “كتابة رواية بوليسية تشبه لعبة البازل، يجب أن تضع كل قطعة في مكانها بدقة.” كما شبّهت بناء الرواية البوليسية بحل لغز: كل تفصيلة يجب أن تخدم الهدف النهائي، وهو الوصول إلى الحل المنطقي للجريمة.
واعتبرت طوال مسيرتها أن “القارئ شريكي في التحقيق. عليّ أن أكون عادلة معه، لكنني لا يجب أن أُسهل له الأمر.” كما كانت تؤمن بأن القارئ يجب أن يُمنح كل الأدلة، ولكن يبقى الحل مفاجئًا ومعقولًا. أكثر من 66 رواية بوليسية، و14 مجموعة قصصية، وأكثر من 20 مسرحية، جعلت من أجاثا كريستي واحدة من أكثر الكتّاب مبيعًا في التاريخ، وهو ما جعل النقاد يقرّون بأثرها الشعبي الهائل.
لكن آراء النقاد تباينت حول كتاباتها، بين من أشاد بها ومن بحث عن نقاط الضعف فيها، ومن هؤلاء البريطانية لوسي وورزلي التي رأت أن “كريستي كانت شخصية معقدة ومؤثرة، تتحدى الصور النمطية البسيطة عنها،” بينما رأى المذيع والناقد أنتوني لوجون أن “السر الحقيقي لأجاثا كريستي لا يكمن في بناء حبكاتها، رغم براعتها، بل في نسيج كتابتها… في قدرتها على جذب القارئ، مما يجعل كل صفحة تدفعك لقراءة التالية،” لكنه يرى أن كتابتها ليست أدبية بحتة.
ومن الكتّاب الأفارقة وجّه لها الروائي التنزاني الحائز على جائزة نوبل للآداب، عبدالرزاق قرنح، انتقادات ضمن حديثه عن المفردات العنصرية في أعمال أشهر الأدباء، حيث أشار إلى أن أعمال كريستي تحتوي على مفردات عنصرية، مثل استخدام كلمة “زنجي”، مما يستدعي إعادة النظر في نصوصها. ورغم ذلك، اعتبر أن تعديل هذه الأعمال قد يكون غير مجدٍ، مؤكدًا أن هناك قضايا أكبر يجب التركيز عليها.
أما عربيا، فرأى المصري الراحل أحمد خالد توفيق أن أعمال كريستي تتميز بالتركيز على الحبكة والذكاء، ما جعلها محط إعجاب الكثيرين، رغم أنه رأى أن أعمالا عربية كثيرة أكثر جودة ممّا قدمته كريستي. وبينما يُنتقد أسلوب كريستي الأدبي من قبل بعض النقاد، إلا أن قدرتها على جذب القارئ وبناء حبكات محكمة تُعتبر من أبرز مميزاتها. وتُظهر الدراسات الحديثة اهتمامًا متزايدًا بإعادة تقييم أعمالها، ما يفتح آفاقًا لفهم أعمق لأدبها.