البرهان يدير ظهره للقوى الثورية في السودان

الحرب السودانية تمضي في طريق نسج تحالفات على أسس عسكرية وليست سياسية.
الخميس 2025/05/01
لا أحد مهتما بمعاناة السودانيين

تعكس مواقف الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لامبالاة بترميم العلاقات مع المكونات المجتمعية والسياسية، وأن تركيز كليهما ينصب على استقطاب القوى القادرة على دعمهما في الحرب التي دخلت عامها الثالث، دون أفق قريب لانتهائها.

الخرطوم - قطع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان آخر وصال التقارب مع القوى المدنية والثورية التي رفضت الانحياز إلى قوات الدعم السريع والانضمام إلى تحالف “تأسيس” الذي جرى تدشينه لتشكيل حكومة موازية.

وعمد البرهان في آخر إطلالاته إلى تشويه الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، معيدا إلى أذهان تلك القوى انقلابه العسكري على السلطة المدنية في أكتوبر 2021.

وقال قائد الجيش السوداني في خطاب ألقاه أمام مؤتمر الخدمة المدنية في مدينة بورتسودان، إنه “لا مجد بعد اليوم للساتك”، في إشارة إلى الثورة الشعبية التي أطاحت بجماعة الإخوان في أبريل 2019، حيث اعتاد المتظاهرون خلال الحراك الذي اندلع في ديسمبر 2018 حرق إطارات السيارات (اللساتك) في الطرقات العامة لمنع قوات الأمن من الوصول إليهم، وزاد بقوله “المجد للبندقية فقط” كدليل على إصراره على الحرب.

صديق أبوفواز: لم تعد لقادة القبائل اعتراضات على التقارب مع الطرف الأقوى
صديق أبوفواز: لم تعد لقادة القبائل اعتراضات على التقارب مع الطرف الأقوى

وأثارت تصريحات البرهان جدلاً بين تيارات سياسية وقوى ثورية، بعضها انحاز للجيش للحفاظ على مؤسسات الدولة، وبدا الرجل لا يعول على هؤلاء في خطواته المستقبلية التي تميل لترجيح كفة من يشكلون رقما مهما في المعارك العسكرية من مليشيات وكتائب ومستنفرين، عمد الجيش إلى حشدهم الفترة الماضية.

وأكدت تنسيقية لجان مقاومة كرري في ولاية الخرطوم، الأربعاء، رفضها لخطاب البرهان واعتبرته إعلان حرب على جوهر الثورة وتكريساً لمحاولات عسكرة الدولة وسحق الإرادة الشعبية، وأن الثورة لا تختزل في قوى سياسية، وأن الثوار خرجوا من أجل وطن لا من أجل حزب.

وقال المتحدث باسم حزب المؤتمر السوداني، نورالدين بابكر، إن حديث البرهان عن عدم عودة العصيان والاحتجاجات “يسقط القناع عن حقيقة هذه الحرب، وأنها ليست من أجل الوطن أو الكرامة، وإنما من أجل السلطة.”

وأضاف بابكر “البرهان لا يخشى البندقية، فهي أداته ولعبته التي يزهق بها أرواح السودانيين، لكنه يخشى صوت الجماهير وثورة ديسمبر وشعاراتها التي أرعبت الطغاة، ولذلك يريد دفن أدوات المقاومة السلمية.”

وتمضي قوات الدعم السريع هي الأخرى على نفس الوتيرة بعدم الاهتمام بمواقف السودانيين، بعد أن ارتكبت جريمة إبادة علنية من خلال تنفيذ إعدامات مصورة لأكثر من 30 شخصا مدنيا ادعت أنهم محسوبون على الجيش في مدينة الصالحة بجنوب مدينة إم درمان (آخر معاقل الدعم السريع في ولايات العاصمة).

 وفجرت الجريمة موجات غضب واسعة ضدها، مع إقدامها على استهداف البنى التحتية المدنية التي أوقعت أضرارا بالغة بالمواطنين الذين يسعون لتوفير سبل الحياة البسيطة التي تمكنهم البقاء في منازلهم رغم احتدام الصراع.

وبدت قوات الدعم السريع التي رفعت مع بداية الحرب شعارات الديمقراطية غير عابئة بصورتها أمام المواطنين، والقوى السياسية التي تجد حرجا في أن تبقى على مسافة قريبة منها، بفعل توالي الانتهاكات.

ويرى مراقبون أن وضع المكونات المجتمعية والسياسية على هامش الصراع سيترك تأثيرات سلبية على تماسك الدولة، لأن الحرب تمضي في طريق نسج التحالفات على أسس عسكرية وليست سياسية، ومن ينخرط في المعركة قد يلقى تجاوبا من طرفي الصراع، بما يدعم حضور الحركات المسلحة والمستنفرين والكتائب الإسلامية، ويفرز مجموعات مسلحة على أسس مناطقية، وضحت معالمها في ولايات الجزيرة وبورتسودان والولاية الشمالية، وهي مناطق لم يكن معروفة بحمل السلاح.

وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبوفواز إن طرفي الصراع لا يعيران اهتماما بالقوى المدنية والمكونات المجتمعية، ويمكن فهم طبيعتهما المتقاربة عبر توظيف كافة الأدوات المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى السلطة والبقاء فيها، كما أن الأيديولوجية المهيمنة عليهما متقاربة، وقادة الصراع في الطرفين تطاردهم قضايا واتهامات متعددة، أمام المحكمة الجنائية الدولية وداخل السودان.

وأضاف أبوفواز في تصريح لـ”العرب” أن المقلق في الحرب الحالية أنها أخذت مسارا قبليا، وهو اتجاه بدأته الحركة الإسلامية عام 1989، ومع تغذية تلك النعرات لم يعد لقادة القبائل اعتراضات على التقارب مع الطرف الأقوى الذي يحمل السلاح أو التحالف مع أي سلطة شمولية، وقد لا ينطوي ذلك على جميع القواعد الشعبية لهذه القبائل، التي لديها قدرا من الوعي يجعلها لا تنخرط بشكل تام في الاستقطاب.

وأشار إلى أن الخطورة الكبيرة تتمثل في إقليم دارفور، حال أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها عليه بشكل كامل، وذلك لن يقود إلى انفصال الإقليم على المدى القريب، بل يؤدي لا محالة إلى إطالة أمد الصراع والعودة إلى تفاصيل الحرب الأهلية.

وشدد على أن انفصال جنوب السودان منذ نحو 14 عاما كان بسبب مؤامرة شاركت فيها الحركة الإسلامية، مع بعض المساعدات الخارجية وكان انفصالا سياسيا بامتياز، وليس شعبيا.

وكشف أبوفواز في حديثه لـ”العرب” عن محاولات تجري من أجل جمع شتات القوى الثورية داخل تكتل واحد، قد يظهر قريبا للعلن، في شكل كتلة ثورية جماهيرية تصبح بديلا لطرفي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الخلافات بين القوى المدنية طبيعية، لكنها تبقى فكرية وسياسية ولا يتم استخدام السلاح فيها، وأن التعامل مع القوى التي بيدها السلاح يبدأ من توقع عودة تحالفهم السابق، حال انهارت قوتهم، وأن عدم الانحياز لأيمنهما هو السبيل للقوى المدنية، لأن الواقع يشير إلى صعوبة انتصار طرف على آخر عسكريا في هذه المعركة الطويلة.

ويعبر خطاب البرهان في بورتسودان عما بداخله من نوايا بشأن رغبته في أن يخرج من الصراع بطلا منتصرا في ما يوصف بـ”حرب الكرامة”، وهو أمر ربما يقنع بعض السودانيين ممن تضرروا من انتهاكات قوات الدعم السريع، لكنه يؤدي إلى المزيد من الشحن العسكري الذي يضمن تحقيق هذه الأهداف بعيدا عن المكونات المجتمعية التي بُح صوتها للمطالبة بوقف الصراع، حفاظا على تماسك الدولة ومؤسساتها.

2