تفاؤل تونسي بموسم حصاد وافر من الحبوب

وسط مؤشرات مناخية واعدة وتوسع في المساحات المزروعة، يسود التفاؤل أوساط الفلاحين والمسؤولين في تونس بشأن موسم حصاد حبوب وافر، يُتوقع أن يكون من بين الأفضل منذ ست سنوات، مما ينعش الآمال بتحقيق اكتفاء ذاتي جزئي وتقليص فاتورة التوريد في ظل أزمات عالمية متفاقمة.
تونس - تستعد تونس لتحقيق بعض المكاسب من موسم حصاد الحبوب للموسم الحالي والذي سيكون وافرا قياسا بالعام الماضي، وهو ما قد يجعل الحكومة والمنتجين يلتقطون أنفاسهم بعض الشيء بعد عدة مواسم أثر فيها الجفاف بشكل بالغ على عمليات الإنتاج.
ويكتسي هذا القطاع الحيوي لغذاء التونسيين مكانة كبيرة في اهتمامات السلطات على الرغم من الصعوبات المختلفة، خصوصا في ظل تزايد الطلب العالمي على الاستهلاك بعد تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع الأسعار.
وكان لسقوط الأمطار هذا الموسم أثر كبير على زيادة الإنتاج بعدما عانى المزارعون في مناطق الإنتاج الرئيسية من معضلة الاحتباس الحراري، الذي دفع السلطات في بعض الفترات إلى تقنين الموارد المائية الشحيحة.
ويترافق ذلك مع أزمة اقتصادية حادة منذ سنوات فاقمتها الأزمة الصحية ثم التضخم المدفوع بالحرب في شرق أوروبا، جعلت الدولة عاجزة عن تأمين السيولة اللازمة لتغطية حاجياتها من المواد الغذائية والحبوب وغيرها من المواد الضرورية.
وفي تصريحات إعلامية توقع معز زغدان رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحرية (نقابة المزارعين) الأربعاء، أن يغطي محصول الموسم الحالي من الحبوب 60 في المئة من الطلب المحلي مقارنة بمعدل 30 في المئة في السنوات الأخيرة.
وعانى المزارعون من نقص في الإنتاج لسنوات بسبب موجة الجفاف المستمرة منذ عام 2019، كما هو الحال مع باقي المزارعين في دول شمال أفريقيا، ولكن تحسن هطول الأمطار في 2024 والعام الجاري، مكن من تحسين مخزون المياه في السدود.
وقال زغدان لإحدى الإذاعات المحلية الخاصة إن “محصول الحبوب لهذا الموسم ذو مردودية مهمة جدا.” وتابع أن “المحصول ستكون له انعكاسات إيجابية على قطاعي الأعلاف والإنتاج الحيواني”، الذي شهد نقصا وارتفاعا في الأسعار.
ويقاوم منتجو الحبوب، في قطاع يعد أحد أهم المجالات الزراعية التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة، المنغصات في طريق تحقيق بعض الإيرادات لتغطية مصاريفهم في ظل التكاليف المرتفعة.
وتساهم الزراعة بنحو 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لتونس، ومع ذلك تواجه مشاكل كبيرة أخرى من أهمها أن اثنين إلى 3 في المئة من المزارعين يغادرون القطاع سنويا من مجموع 500 ألف مزارع.
وهذا مرتبط بسلسلة الإمداد المحلية، فقد أشار زغدان في تصريحات إلى الصعوبات المرتبطة بسرعة تجميع المحصول وتأمينه في المخازن، وهي مشكلة تتجدد كل سنة وتسعى وزارة الفلاحة إلى حلها.
وتوقع الديوان الوطني للحبوب في أحدث تقديراته أن يبلغ الإنتاج المحلي نحو 780 ألف طن بينما تبلغ قدرة التخزين 798 ألف طن. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن 88 في المئة من الحبوب التي يتم تجميعها سنويا هي من القمح الصلب، بينما تكافح وزارة الفلاحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب.
ولطالما شددت أوساط اقتصادية تونسية على أن زيادة الإنتاج المحلي من الحبوب، والذي يشكل قرابة 13 في المئة من القيمة المضافة الزراعية، تعد خطوة أساسية نحو ضمان الاكتفاء الذاتي المستدام، الذي أصبح ضرورة ملحة أكثر من أيّ وقت مضى.
ورغم زيادة المحصول فإن الدولة من المرجح أن تستمر في الاستيراد لتغطية الطلب. وتشير التقديرات إلى أن السوق المحلية تحتاج إلى قرابة 3.6 مليون طن من القمح والشعير سنويا. وفي ضوء الإنتاج المتوقع فإن البلد سيستورد نحو 2.82 مليون طن.
وباتت تونس، التي تستورد 95 في المئة تقريبا من القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز، تنفق نحو 250 مليون دولار إضافية على المشتريات من الخارج، وهذا مبلغ طائل من المال بالنسبة إلى بلد يواجه تحديات اقتصادية.
ومع أن سعر رغيف الخبز الفرنسي ظل على حاله لأكثر من 15 عاما، محتفظا بقيمة 0.19 دينار (6 سنتات أميركية تقريبا)، إلا أن كلفة الدعم الحكومي ارتفعت بشكل كبير بسبب كثرة التحديات والضغوط التي تواجه المالية العامة.
وبالنسبة إلى بلد يضم 12 مليون نسمة، تمثل الحبوب محورا إستراتيجيا للزراعة، وتشكل أساس النظام الغذائي للتونسيين، وهي تمثل 13 في المئة من حجم الإنفاق الأسري عليها في المتوسط.
780
ألف طن الإنتاج المتوقع من احتياجات تبلغ 3.6 مليون طن، بينما قدرة التخزين 798 ألف طن
ومن أجل الحفاظ على الإمدادات ووقف الهدر، تخطط الحكومة لتوسيع شبكة صوامع الحبوب وتحسينها في كافة أرجاء البلاد مع تحقيق هدف زيادة فترة المخزون الاحتياطي، والذي يقدر في المتوسط بنحو أربعة أشهر.
ودخلت تونس صيف العام الماضي مرحلة جديدة من بلورة رؤيتها الهادفة إلى بلوغ الاكتفاء الذاتي من الغذاء بالإعلان عن خطة لتشييد صوامع جديدة خلال العام 2025 مع دعم قاطرات نقل الحبوب لمقاومة أزمات أسعار السلع بشكل أفضل مستقبلا.
وتفرض التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي على البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية ومالية حادة تسريع وتيرة اعتماد كافة الوسائل الكفيلة التي ستساعده على مواجهة التقلبات التي يعاني منها العالم بفعل تواتر الأزمات وتأثيرات الاحتباس الحراري.
وفي خضم ذلك، تثير المشكلات اللوجستية وقلة صوامع التخزين جدلا سنويا داخل الأوساط الاقتصادية في كل مرة ينطلق فيها موسم الحصاد، وذلك بالنظر إلى عجز الدولة عن تحديث طرق معالجة سلاسل الإنتاج وتقليص كميات إهدار المحصول.
وفي مسعى لتدارك الوضع، كشفت الرئيس المدير العام لديوان الحبوب سلوى الزواري في يوليو الماضي أن الديوان سيقوم بتشييد مخازن حبوب جديدة في كل من ولاية (محافظة) سوسة ومدينة رادس التابعة لولاية بن عروس.
وستكون هذه الخطوة الأولى من نوعها في مجال لوجستيات الحبوب منذ أربعة عقود، حيث شهد العام 1985 آخر مرة تم فيها تشييد صوامع لتخزين القمح والشعير.
وتتوزع في البلاد قرابة 189 مركز تجميع للحبوب، وأكبرها تتمركز في ولايات (محافظات) الشمال الغربي، والتي تضم كلا من باجة والكاف وجندوبة، إضافة إلى مراكز ولايات زغوان والقيروان التي تصل طاقة استيعابها إلى 60 ألف طن.