شحنة أدوية الأورام العراقية تنهي مهام وزير الصحة الليبي

إعفاء الدبيبة لوزير الصحة وتحويله للتحقيق بشأن استيراد أدوية عراقية خارج الهيئة المختصة، يهدف لتعزيز الشفافية ومحاسبة المتجاوزين في القطاع الصحي.
الأربعاء 2025/04/30
فضيحة أدوية جديدة تضاف لسجل التجاوزات الصحية

طرابلس - قرّر رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، إعفاء وزير الصحة رمضان أبوجناح من مهام تسيير الوزارة وإحالته للتحقيق مع عدد من المسؤولين بعد ثبوت مسؤوليته المباشرة على استيراد أدوية عراقية لعلاج مرض السرطان، في خطوة أثارت جدلا واسعا ومخاوف متزايدة بشأن جودة وسلامة الأدوية المستخدمة في علاج هذا المرض الخطير.

وأوضح الدبيبة في بيان رسمي صدر مساء الثلاثاء أن قرار الإعفاء والإحالة للتحقيق جاء نتيجة "مخالفات تتعلق باستيراد الأدوية خارج اختصاص الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان".

وأكد الدبيبة أن هذه الخطوة تهدف إلى "تعزيز الشفافية ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات في القطاع الصحي"، في إشارة واضحة إلى وجود شبهات فساد أو إهمال جسيم في عملية استيراد الأدوية.

ولم يقتصر قرار الإيقاف على وزير الصحة، بل شمل أيضاً ع وكيل وزارة الصحة لشؤون المراكز الطبية توفيق إدريس، ومدير إدارة الصيدلة بوزارة الصحة نادية أبوصبع، ورئيس قسم التسجيل بإدارة الصيدلة ناهد المكي، ورئيس لجنة العطاء المحلي أكرم الفزاني، ومدير إدارة التمريض فاطمة الوافي. ويشير هذا الإجراء الجماعي إلى اتساع نطاق التحقيقات واحتمالية تورط عدد كبير من المسؤولين في هذه المخالفات.

وتعود جذور هذه القضية إلى الجدل الذي أثير على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك عقب إعلان وزارة الصحة العراقية عن "تصدير أول شحنة أدوية مصنّعة محلياً وخاصة بعلاج مرض السرطان إلى ليبيا". هذا الإعلان قوبل بنفي قاطع من السلطات الليبية ممثلة في الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، وهي الجهة الرسمية المخولة باستيراد أدوية علاج الأورام في ليبيا.

أكدت الهيئة في بيان رسمي أنها "تستورد حصريا من مصادر أميركية وأوروبية معتمدة"، مشددة على التزامها بـ"أعلى معايير الجودة والاعتماد الدولي".

وشددت الهيئة على أنها "غير مسؤولة عن أي دواء يتم توريده خارج إطارها الرسمي ولا تتحمل أية تبعات عن استخدامه"، وهو ما أثار تساؤلات جدية حول الجهة التي قامت باستيراد الأدوية العراقية وبأي صفة.

في تطور مفاجئ، أقرت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية في بيان رسمي الثلاثاء باستيراد شحنة أدوية علاج الأورام من العراق "خارج بنود العطاء العام (فواقد العطاء العام)"، مؤكدة أن ذلك تم "بموافقة هيئة الرقابة الإدارية على توريد الصنف، بعد سلسلة من الإجراءات الطويلة والرقابة المشددة".

وسعت وزارة الصحة إلى تبرير قرار الاستيراد والتأكيد على جودة الأدوية العراقية، مشيرة إلى أن "الدواء مسجل في دولة المنشأ وهي دولة العراق، ومطابق لمعايير الجودة والاعتماد، والتسجيل في دولة العراق وهي دولة ذات سمعة في التصنيع الدوائي". كما نوهت بأن "شركة المصنع العراقي للتصنيع الدوائي هي شركة تمارس التصنيع منذ سنة 1954"، في محاولة لطمأنة الرأي العام بشأن مصداقية الشركة المنتجة.

وأوضحت الوزارة أن الصنف المستورد كان "خارج بنود العطاء العام، من فواقد العطاء العام"، مبررة ذلك بأن وزارة الصحة تعمل على "توفير فواقد العطاء العام عبر عطاء محلي تستوجب فيه السرعة والجودة في التوريد".

وأضاف البيان أن "الدواء المذكور جرى توريده والتعاقد عليه بناءً على ترسية في العطاء المحلي لتوفير فواقد العطاء العام من أدوية الأورام والأدوية التخصصية، وفق محضر اجتماع لجنة العطاءات رقم 8 لسنة 2024 والذي جرت مراجعته بلجان فنية مختصة في المجال".

أكدت وزارة الصحة أن عملية التوريد تمت بعد "الحصول على موافقة هيئة الرقابة الإدارية على توريد الصنف بعد سلسلة من الإجراءات الطويلة والرقابة المشددة والفحص والتدقيق، ومراجعة كافة المستندات المقدمة". وشددت على أن "الفيصل في جودة الدواء هي رقابة الأغذية والأدوية، وما مدى مطابقته لمعايير الجودة ومدى فاعليته، ولها مطلق الصلاحية برفض أي شحنة غير مطابقة للمواصفات".

اختتمت الوزارة بيانها بالتأكيد على حرصها على "حماية أمن المواطن" وتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية في حال توريد أدوية غير مطابقة، مطمئنة بأن "جميع الأدوية الموردة عن طريق الطرق الرسمية للدولة تخضع لسلسلة إجراءات معقدة هدفها جودة المنتج وكفاءة المادة الفعالة".

وحتى الآن، لا يزال مصير الشحنة غامضا، في وقت برزت فيه مخاوف جدية لدى الرأي العام من إمكانية دخول أدوية مشبوهة ومجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الطبية إلى ليبيا، خاصة وأنها مخصصة لعلاج مرضى الأورام الذين هم في أمسّ الحاجة إلى رعاية طبية عالية الجودة.

وشهد قطاع الأدوية في ليبيا في السنوات الأخيرة تجاوزات خطيرة في مجال التسويق، مما يزيد من حدة المخاوف بشأن هذه الشحنة المستوردة. فقد تم الكشف مؤخرا عن وجود كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة وغير الصالحة للاستخدام.

ومن أبرز هذه الحالات عملية استيراد أدوية لمرضى السرطان من شركات غير معروفة في الهند وقبرص وتركيا ومالطا، والتي تبين أنها غير مطابقة للمواصفات وتسببت في ظهور حساسية وأعراض جانبية خطيرة لدى المرضى. هذه الخلفية المظلمة تزيد من حالة عدم الثقة في آليات استيراد الأدوية وتؤكد على ضرورة إجراء تحقيقات شفافة ومحاسبة المتورطين.

وتُعد قضية استيراد الأدوية العراقية لعلاج مرضى السرطان في ليبيا تطوراً خطيراً يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع الصحي في البلاد، خاصة فيما يتعلق بضمان جودة وسلامة الأدوية.

ويمثل قرار رئيس الحكومة بإعفاء وزير الصحة وإحالته للتحقيق خطوة أولى نحو محاسبة المسؤولين، لكن يبقى الأهم هو الكشف عن كافة ملابسات هذه القضية، وضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات، وتوفير الحماية اللازمة لمرضى السرطان الذين يعتمدون على أدوية ذات جودة عالية في رحلة علاجهم الصعبة. كما تؤكد هذه القضية على الحاجة الماسة إلى تعزيز دور الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان وتفعيل الرقابة الصارمة على عمليات استيراد الأدوية لضمان وصول علاجات آمنة وفعالة للمرضى في ليبيا.