لقاء سوري أميركي في نيويورك وسط مساعي دمشق لتخفيف العقوبات

مصادر ترجح لقاء الشيباني بدوروثي شيا، بينما تؤكد الخارجية الأميركية وجود ممثلين سوريين في نيويورك، مع استمرار تقييم السياسة تجاه سوريا بحذر.
الأربعاء 2025/04/30
مطلب سوري ملح لخارطة طريق واضحة

واشنطن – التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بمسؤولين كبار من وزارة الخارجية الأميركية في نيويورك الثلاثاء، وفق ما أفاد مصدران مطلعان، وذلك وسط سعي دمشق للحصول على خارطة طريق واضحة من واشنطن لتخفيف العقوبات بشكل دائم والتي تئن تحت وطأتها البلاد بعد سنوات طويلة من الحرب والاضطرابات.

ويزور الشيباني الولايات المتحدة لحضور اجتماعات في الأمم المتحدة، حيث رفع علم الثورة السورية ذي النجوم الثلاث ليكون العلم الرسمي لسوريا بعد 14 عاما من اندلاع الحرب.

ويُعد اجتماع الثلاثاء الأول من نوعه بين مسؤولين أميركيين والشيباني على الأراضي الأميركية، ويأتي بعد رد سوريا في وقت سابق من هذا الشهر على قائمة شروط وضعتها واشنطن لاحتمال تخفيف جانب من العقوبات.

ولم يعرف بعد المسؤولون الذين التقى بهم الشيباني لكن أحد المصادر قال في وقت سابق إن من المتوقع أن يلتقي بدوروثي شيا القائمة بأعمال السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة.

وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس أن "بعض ممثلي السلطات السورية المؤقتة" موجودون في نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، لكنها أحجمت عن قول ما إذا كان من المزمع عقد أي اجتماعات مع مسؤولين أميركيين.

وأضافت "نواصل تقييم سياستنا تجاه سوريا بحذر وسنحكم على السلطات المؤقتة بناء على أفعالها. لسنا بصدد تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا حاليا، ولا أستطيع أن أقدم لكم أي معلومات مسبقة بخصوص أي اجتماعات".

وقال أحد المصدرين إن دمشق حريصة على رؤية خارطة طريق واقعية من الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات بشكل دائم، مع تقديم جدول زمني واقعي لتلبية مطالب واشنطن لرفع العقوبات.

وسلمت الولايات المتحدة سوريا الشهر الماضي قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير ما تبقى من مخزونات الأسلحة الكيماوية، وضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة.

وكانت رويترز أول من أفاد بأن ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية بمكتب شؤون الشرق الأدنى، سلمت قائمة الشروط إلى الشيباني في اجتماع شخصي على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس.

وتحتاج سوريا بشدة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصادها المنهار بسبب سنوات الحرب التي فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وفي يناير، أصدرت الولايات المتحدة إعفاء لمدة ستة أشهر لبعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن الإعفاء لم يكن له تأثير يُذكر.

وقالت مصادر لرويترز في مارس إنه في مقابل تلبية جميع المطالب الأميركية، ستمدد واشنطن هذا الإعفاء لعامين وربما تصدر إعفاء آخر.

وفي ردها على المطالب الأميركية، تعهدت سوريا بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية للعثور على الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وتفصيل عملها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيماوية، بما في ذلك توثيق العلاقات مع منظمة عالمية لمراقبة الأسلحة.

ولكنها، بحسب الرسالة، لم تقل الكثير ردا على مطالب رئيسية أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب.

في خضم الديناميكيات الإقليمية المعقدة والتحولات الداخلية في سوريا، يمثل هذا الاجتماع نقطة التقاء حساسة بين رغبة دمشق في الاندماج مجددا في المجتمع الدولي وحذر واشنطن العميق تجاه النظام السوري.

وبينما تلوح في الأفق إمكانية تخفيف العقوبات كحافز للتغيير، يبقى التحدي الأكبر في بناء الثقة وتنفيذ خطوات عملية ملموسة تضمن تحقيق الاستقرار المستدام في سوريا والمنطقة.

بالتوازي مع لقائه بالمسؤولين الأميركيين، عقد الشيباني سلسلة من الاجتماعات الهامة في نيويورك الثلاثاء، شملت لقاءات مع المندوبين الدائمين للدول الأوروبية لدى الأمم المتحدة، بالإضافة إلى اجتماع مع فاسيلي نيبينزيا، المندوب الدائم لروسيا الاتحادية لدى الأمم المتحدة، ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، شدد وزير الخارجية السوري على "ضرورة الرفع الفوري للعقوبات المفروضة على سوريا، بسبب النظام السابق"، مؤكدًا أن استمرارها "يزيد معاناة السوريين ويفاقم الأزمة الاقتصادية، ويعيق القدرة على بناء الأسس اللازمة لتحقيق سلام دائم".

كما أكد الشيباني على "التزام سوريا الكامل بالعدالة الانتقالية، لا لمحاسبة أخطاء وخطايا الماضي فحسب، بل لبناء منظومة حكم تمنع النزاعات المستقبلية قبل أن تبدأ"، مشيرًا إلى أنه "لتحقيق هذا الهدف الكبير سيتم إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية، وهيئة خاصة للنظر في مصير مئات آلاف المفقودين، بالتنسيق الوثيق مع الآليات الدولية المنشأة من قبل الجمعية العامة لتناول هذه القضية الملحة".

وحذر الوزير السوري من أن "هناك دوافع آنية وبنيوية قادرة على دفع سوريا مجدداً نحو دائرة الفوضى إن لم تعالج على الفور، هي الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي ودمار سبل المعيشة، فهذه جميعها تخلق ظروفاً مواتية لانتشار الأنشطة الإجرامية والتطرف وتجدد الصراعات المسلحة".

وشدد على أن "منع النزاع لا يمر فقط عبر العدالة الانتقالية، بل أيضاً عبر التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار"، مبينًا أن "العقوبات المتقادمة التي فرضت على سوريا في عهد النظام السابق تضعف قدرة البلاد على منع النزاعات المستقبلية، وتعيق القدرة على بناء الأسس اللازمة لتحقيق سلام دائم".

وأوضح أن العقوبات "فرضت لإضعاف نظام الأسد، لكن بعد زواله أصبح استمرارها مجرد عائق أمام التعافي الاقتصادي لسوريا، وتعطيلاً لمهام الحكومة الجديدة"، مشيرًا إلى أن استمرارها يعيق قدرة الدولة على دفع الرواتب، وتحويل الأموال، وتمويل برنامج العدالة الانتقالية، ويقيّد عمل منظمات المجتمع المدني، ويخنق النشاط التجاري المشروع، ويفسح المجال أمام الجريمة والتطرف.

وأكد الشيباني في كلمته أن "سوريا تقف اليوم على مفترق طرق، حيث خطت خطوات حاسمة نحو الاستقرار"، مستعرضًا جملة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجديدة، مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وإطلاق حوارات وطنية، وفتح الأبواب أمام آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

كما أكد على التزام بلاده بآليات حقوق الإنسان والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وفي سياق آخر، حذر من "تهديد لاستقرار سوريا يتمثل في استمرار العدوان والهجمات التي تنتهك سيادتها"، مؤكدًا أن "سوريا الجديدة لن تكون مصدراً لعدم الاستقرار في أي طرف بالمنطقة"، معتبرًا أن "الاعتداءات العسكرية المتكررة على أراضيها تشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي".