هيئة الإعلام العراقية تسعى لضبط الخطاب الطائفي ببيانات التهديد

الخطاب الطائفي في الإعلام يخفت ويعود إلى الارتفاع بين فترة وأخرى وفق ما تشهده البلاد من أحداث سياسية.
الأربعاء 2025/04/30
الطائفية فوضى إعلامية أولا

بغداد - دعت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية إلى وضع حد لتعالي التصريحات الطائفية بالقنوات التلفزيونية، التي تعتبر مسؤولة عن تفشي هذا الخطاب الذي يساهم في الانقسام المجتمعي ويهدد البلاد بالفوضى. وذكر مجلس المفوضين بالهيئة في بيان أن “الآونة الأخيرة شهدت تصاعد الخطاب المحرض في المشهد الإعلامي، لذلك نهيب بجميع وسائل الإعلام الالتزام بالسلوك المهني وعدم استضافة مروّجي الخطابات المشحونة بالكراهية والطائفية.”

وتطلق قيادات بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وأبرزها ميليشيا "عصائب أهل الحق"، منذ فترة خطاباً طائفياً وآخر عنصرياً ضد الأكراد، في نهج اعتبره العراقيون مهدداً للسلم والأمن العراقي العام. وأثارت تصريحات أعضاء بارزين في تلك الميليشيات عدة أزمات بعد تطاولها على رموز إسلامية والتحريض على مكونات عراقية، بالإضافة إلى مهاجمة دول خليجية من منطلق طائفي، ولم يتحرك القضاء العراقي، المتهم بمحاباة تلك الأطراف، على الرغم من الشكاوى والمطالبات بمحاسبته.

وأثارت تصريحات طائفية للنائب عن ميليشيا “عصائب أهل الحق” والقيادي فيها علي تركي، غضباً واسعاً في العراق وسط مطالبات بمحاسبته قانونياً بتهمة الخطاب الطائفي وإثارته الفتنة، حيث دعا إلى تحويل مدينة سامراء إلى “مدينة شيعية”.

وقال علي تركي في حديث مع محطة "العهد" التلفزيونية، المملوكة لـ”عصائب أهل الحق”، إن مشروعاً لتحويل سامراء، الواقعة بمحافظة صلاح الدين، وعاصمتها المحلية تكريت، إلى "مدينة شيعية" بدأ من قبلهم عبر جمع التواقيع، معتبرا أن "سامراء ستكون صبغتها صبغة شيعية أكثر مما هي صبغة وطنية،" في تصريح يهدد بعمليات تغيير ديمغرافي وعمليات تهجير قد يتعرض لها سكان سامراء ذات الأغلبية العربية السنية. وأثارت التصريحات ضجة كبيرة بالشارع العراقي، لكن تركي عاد ليؤكد مرة أخرى “مشروعه” بالقول "سنحمي سامراء وسنبنيها."

محمود المشهداني: الطائفية التي عصفت بالبلاد سابقًا لا تزال آثارها تتجدد اليوم
محمود المشهداني: الطائفية التي عصفت بالبلاد سابقًا لا تزال آثارها تتجدد اليوم

ويرى متابعون أن الخطاب الطائفي يخفت ويعود إلى الارتفاع بين فترة وأخرى وفق الأحداث السياسية، ولا يمكن النظر إليه بمعزل عمّا تشهده البلاد مع اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية في نوفمبر المقبل. ويرى الكثيرون أن الخطاب الطائفي سيكون مسموعاً بل ومتصاعداً في العراق خلال المرحلة المقبلة، لأنه يشكل للبعض مادة دسمة لاستقطاب الناخبين والحصول على أكبر قدر ممكن من أصواتهم، وهو ما كان يحصل في كل دورة انتخابية جرت في العراق خلال العقدين الماضيين.

‏وأضاف مجلس المفوضين بالهيئة أن “هيئة الإعلام والاتصالات مستمرة بمحاسبة كل من يحاول العبث بنسيجنا الوطني.” وجاء بيان هيئة الإعلام ليضاف إلى دعوات تصاعدت مؤخرا لتشريع قانون يجرّم الطائفية ويضع حدًا لخطابات الكراهية والانقسام، في ظل تحذيرات من عودة هذا الخطاب عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وقال رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني إن “الطائفية التي عصفت بالبلاد سابقًا لا تزال آثارها تتجدد اليوم، من خلال التحريض الإلكتروني ومحاولات بث الكراهية بين مكونات الشعب العراقي.” وأضاف المشهداني أن “مواجهة هذه الموجة تتطلب تشريع قانون يجرّم الطائفية بشكل واضح، مع خطوات تنفيذية، والتعاون مع المرجعيات الدينية والقوى السياسية لتجفيف منابع الخطاب الطائفي، وتكريس مفهوم أن العراق طائفة واحدة لكل أبنائه.”

ونظّم القانون العراقي وعالج مسألة إثارة الكراهية والترويج للطائفية، عبر عدة تشريعات تشمل قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 (المعدل) وقانون مكافحة الإرهاب، حيث تتضمن هذه القوانين نصوصاً تجرّم التحريض الطائفي والترويج للنعرات القومية والمذهبية، لما لذلك من تهديد مباشر للسلم المجتمعي.

وتنص المادة 200 من قانون العقوبات بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات على الأفعال والسلوكيات التي تثير الكراهية بين فئات المجتمع العراقي، بما في ذلك الترويج للطائفية. كما أن المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب اعتبرت إثارة الفتنة الطائفية جريمة إرهابية، تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو الإعدام، تبعاً لخطورة الفعل المرتكب.

ويتضمن القانون العراقي أيضاً مواد تعاقب على إهانة المقدسات والرموز الدينية لأيّ طائفة أو مذهب معترف به في العراق، ما يعكس وجود غطاء قانوني راسخ لمكافحة هذه الظواهر. ومع ذلك، فإن الإشكالية الأساسية لا تكمن في وجود النصوص القانونية، وإنما في آليات تطبيقها وتفسيرها في الواقع القضائي، حيث يترك تكييف الأفعال للسلطة القضائية، بناءً على القرائن والنوايا الكامنة وراء التصريحات أو الأفعال، خاصة عندما يكون هناك تداخل بين حرية التعبير والبحث العلمي، وبين الخطاب الذي يثير الكراهية.

◙ التصريحات الطائفية في دولة متعددة الأديان والطوائف والقوميات تمثل تهديداً ممنهجا لوحدة العراق واستقراره

وتبقى مسألة تحديد حدود حرية التعبير في هذا السياق رهينة اجتهاد القضاء العراقي، لاسيما في ظل غياب قانون واضح ينظم حرية التعبير عن الرأي، ما يزيد من تعقيد تطبيق النصوص الحالية، ويستوجب وضع تشريع قانوني جديد يحسم هذه المسألة. ومع اقتراب موسم الانتخابات، وفي ظل الأوضاع المضطربة التي تشهدها المنطقة، تزايدت ظاهرة إطلاق الشائعات والأخبار الكاذبة، إلى جانب تصاعد الخطابات الطائفية، في مشهد يعكس استغلال بعض الجهات لهذه الظروف لتحقيق مكاسب سياسية.

ويعد الخطاب الطائفي والتحريض من أخطر أدوات الحرب الإعلامية على المجتمع وتجب محاربتها، وأكد الأكاديمي والباحث الإستراتيجي هاني عاشور أن التصريحات الطائفية في دولة متعددة الأديان والطوائف والقوميات تمثل تهديداً ممنهجاً لوحدة البلاد واستقرارها.

وأضاف أن هذا النوع من الخطاب يفتقر تماماً إلى الرؤية الوطنية، بصرف النظر عن دوافعه وخلفياته، ما يجعله أداة خطيرة تستهدف تفكيك النسيج المجتمعي وإشعال الفتن. وشدد على أن الخطابات الطائفية ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي في جوهرها مشاريع تفتيت تستهدف ضرب الوحدة الوطنية، وغالباً ما تكون مدفوعة بأجندات خارجية تسعى لإضعاف الدول وتقسيمها. وعليه، فإن أيّ تصريح من هذا النوع يجب أن يُواجه بحزم، وأن يُحاسَب مطلقه قانونياً، لكونه يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي.

وأضاف عاشور أن الاستعمار الأجنبي، منذ بدايات القرن العشرين، اعتمد إستراتيجية تمزيق المجتمعات العربية كجزء من سياساته التوسعية، حيث عملت القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإيطالية على إثارة الصراعات الداخلية وتقسيم الدول إلى كيانات متناحرة. وقد كانت الطائفية إحدى الأدوات الفعالة التي استخدمها المستعمرون لتمزيق المجتمعات، إلا أن الحركات الوطنية العربية واجهت هذه المخططات عبر الدعوة إلى التحرر والاستقلال، وإرساء دساتير وطنية تحظر التقسيمات الطائفية والعرقية، وهو ما أسهم في تعزيز الوحدة الوطنية في العديد من الدول العربية.

وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة للحد من انتشار الخطاب الطائفي، داعياً هيئة الإعلام والاتصالات إلى تحمّل مسؤولياتها في مواجهة المؤسسات الإعلامية التي تروِّج لهذا الخطاب، ومعاقبة الأفراد الذين يستغلون المنصات الإعلامية لبث الفتنة الطائفية. كما يؤكد على ضرورة تعامل الحكومة مع هذه الظاهرة باعتبارها تهديداً للمجتمع.

5